معسكر الموالاة لإيران في العراق يحاول "تعويم" رئيس الوزراء المستقيل

تحالف البناء النيابي العراقي يتّجه نحو إعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة أو إيجاد مخرج قانوني للعودة عن قرار استقالته.
الاثنين 2020/01/13
هيا بنا نكرر اللعبة معا

إعادة رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي إلى رئاسة الحكومة قد يمثّل الحل الأنسب للأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران بعد أن عجزت عن الدفع بخليفة له يكون مستجيبا لمواصفاتها وملبيا لشروطها وعلى رأسها الحفاظ على مصالحها وخدمة النفوذ الإيراني، لكن هذا المسعى سيصطدم بعدّة عوائق في مقدّهما رفض الشارع الذي استعاد زخم حراكه الاحتجاجي، متجاوزا مختلف الأحداث العاصفة التي شهدها العراق مؤخّرا.

بغداد – تشير معطيات عديدة إلى أن تحالف البناء النيابي العراقي، الذي يجمع الأحزاب والتيارات الموالية لإيران، يتّجه نحو إعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة أو إيجاد مخرج قانوني للعودة عن قرار استقالته، في وقت يطغى فيه الارتباك على أداء الميليشيات الخاضعة لطهران وهي تشاهد تنامي الغضب الشعبي ضد وجودها.

وقام عبدالمهدي بزيارة مفاجئة إلى أربيل مركز الإقليم الكردي ومعقل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، ثم إلى السليمانية معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه وترأسه طيلة أعوام الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، لإقناع القيادات الكردية بدعم إعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، وفقا لمصادر سياسية اطلعت على مداولاته في هذا الشأن.

وقالت المصادر إن القيادات الكردية في المدينتين لن تتعامل مع ملف إعادة تكليف عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة إلاّ إذا تأكدت أنه يحظى بإجماع الأحزاب الشيعية في بغداد، مشيرة إلى أن الأحزاب الكردية ليس لديها اعتراضات على الفكرة، لكنها تفكّر في حجم المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها من وراء هذا الأمر.

وتنظر الأحزاب الكردية إلى عبدالمهدي بوصفه صديقا لها قياسا، على الأقل، بسلفه حيدر العبادي الذي طبّق إجراءات صارمة ضدّ الإقليم عندما أقدمت قيادته قبل أكثر من سنتين على تنظيم استفتاء شعبي حول الانفصال عن الدولة العراقية، وشملت تلك الإجراءات تضييقات مالية وضعت الحزبين الرئيسيين في الإقليم في ورطة إزاء سكّانه، خصوصا عندما عجزت أربيل على صرف رواتب العمال والموظّفين في مواعيدها المحددّة.

كما يرتبط عبدالمهدي مع بارزاني والراحل طالباني بعلاقات قديمة لذلك لم تدعم الكتلة الكردية مشروع سحب الثقة منه عندما طرح إثر تورط حكومته في قمع دموي للتظاهرات الشعبية التي دخلت شهرها الرابع.

أحمد الجبوري: إعادة عبدالمهدي لرئاسة الحكومة لا تجوز دستوريا وأخلاقيا
أحمد الجبوري: إعادة عبدالمهدي لرئاسة الحكومة لا تجوز دستوريا وأخلاقيا

ولم يتطرق مكتب عبدالمهدي في بيانه بشأن تفاصيل زيارة أربيل والسليمانية إلى ملف إعادة التكليف، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء المستقيل بحث مع البارزاني “مختلف القضايا المتعلقة بالعلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والاستجابة للمطالب المشروعة وحق التظاهر السلمي، وتداعيات الأزمة الحالية في المنطقة ومسألة تواجد القوات الأجنبية”، قبل أن يلتقي في السليمانية رئيس المجلس السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني كوسرت رسول.

وتعليقا على هذه التطورات، قال زعيم حزب الحل جمال الكربولي، إن “أحزاب السلطة المتقاسمة للمغانم قد دخلت مرحلة الشيزوفرينيا السياسية”، مشيرا إلى أن “المماطلة باختيار رئيس وزراء بديل عن المستقيل قد أفضت إلى فكرة استبداله بالمستقيل نفسه، وما الرحلات المكوكية بين بغداد
وأربيل والسليمانية إلاّ دليل على ذلك المسعى”.

وتساءل الكربولي، الذي انسحب في وقت سابق من تحالف البناء، بعدما وجه انتقادات حادة لسياساته وخضوعه الكلي لإيران، “أي عقل يستوعب هذا الجنون. وكيف سيكون رد المتظاهرين بعد كل ما قدموه من تضحيات إن جرى إعادة تنصيب عبدالمهدي.. ثم أين طاعته للمرجعية التي قال إنه يمتثل لرغبتها بترك المنصب”.

ومن جهته، قال النائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري إن إعادة تكليف عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، لا يجوز دستوريا.

وأضاف “أخلاقيا لا يحق لحكومة عبدالمهدي أن تستمر في مهامها كونها حكومة مستقيلة بسبب قتل وجرح أكثر من 25 ألف عراقي مدني وامتهان سيادة العراق فضلا عن الفشل والفساد”.

وقادت الضغوط الشعبية والدولية الهائلة التي تتعرض لها الميليشيات التي تحمي حكومة عبدالمهدي إلى ارتباك كبير في تصرفاتها، لاسيما مع النشاط الذي دب مجدّدا في جسد الحركة الاحتجاجية منذ الجمعة الماضية.

وشنّت الميليشيات الموالية لإيران حملة قمع واغتيالات ضد المتظاهرين في مدينة البصرة أكبر معقل الطائفة الشيعية في جنوب العراق، أسفرت عن مقتل صحافييْن اثنين واعتقال العشرات من المحتجين.

الميليشيات الشيعية تقمع الاحتجاجات السلمية
الميليشيات الشيعية تقمع الاحتجاجات السلمية

وفضلا عن الاحتجاجات التي توجهت هتافاتها الرئيسية ضد إيران والولايات المتحدة على حد سواء، تلقت الميليشيات والأحزاب العراقية الخاضعة لإيران صفعة كبيرة من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في خطبته الجمعة الماضية عندما جدد انتقاده لأدائها، في لحظة كانت تعتقد أنها ستحصل خلالها على تعاطفه، إثر مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في غارة أميركية قرب مطار بغداد.

وساوى السيستاني بين الغارة الأميركية والهجوم الصاروخي الإيراني، معتبرا كلتا العمليّتين اعتداء على السيادة العراقية، فيما أكد أن هذه التداعيات ناجمة عن إصرار الطبقة السياسية الحاكمة على التمسك بجميع امتيازاتها ومصالحها.

وخلال الأيام القليلة الماضية روج أنصار الميليشيات الشيعية الخاضعة لإيران معلومات عن موقف تصعيدي سيتخذه السيستاني ضد الولايات المتحدة بعد مقتل سليماني والمهندس، لكنه فاجأ المراقبين بجمعه طهران وواشنطن في سلّة واحدة من حيث انتهاكهما لسيادة العراق.

وردا على ذلك أطلق مدونون إيرانيون من أنصار المرشد الأعلى على خامنئي حملة إعلامية ضد السيستاني عبر منصات التواصل الاجتماعي، متّهمين إياه بالعمالة للولايات المتحدة وتلقي مبلغ مئتي مليون دولار لقاء انتقاداته لإيران.

ويعتقد مراقبون أن السيستاني ربما يراهن على وهن النظام السياسي الإيراني الذي يواجه احتجاجات جديدة بعد فضيحة إسقاطه طائرة أوكرانية بالتزامن مع هجومه الصاروخي على العراق لتعزيز موقعه داخل الطائفة الشيعية.

3