معركة إرادات بين الجزائريين والسلطة في استحقاق مفصلي

السلطة تلعب على وتر التجديد والإصلاح لإقناع الناخبين بجدوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
السبت 2021/06/12
الرؤية غير واضحة

يطرح محللون ومراقبون للشأن الجزائري عدة سيناريوهات لمستقبل البلاد في ظل الغموض الذي يلف المشهد السياسي مع دخول الجزائريين في اختبار حاسم عنوانه الانتخابات التشريعية المبكرة، والتي تأتي كمحاولة من رأس السلطة لإدارة الاستياء الشعبي المتنامي من سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عبر اتباع سياسة العصا والجزرة والهادفة أساسا إلى تحقيق سلم هش من خلال ديمقراطية الصناديق التي قد لا تفضي إلى امتصاص غضب الناس قبل حتى التفكير في معالجة القضايا الرئيسية الملحة.

الجزائر – تدخل الجزائر معركة انتخابية السبت لتشكيل برلمان جديد، في تحدّ هو الأبرز، الذي تواجهه السلطة الساعية إلى إضفاء المزيد من الشرعية على صواب حكمها رغم أنها مرفوضة من قبل جزء من المعارضة والحراك المناهض للنظام، في مناخ من القمع المتزايد، بغض النّظر عن النتائج أو نسب المشاركة حيث يسعى المرشحون لزيادتها في هذا الاستحقاق، الذي دخل فيه الحراك الشعبي طرفا.

وتأتي الانتخابات التشريعية المبكرة هذا العام في ظروف استثنائية، تتجاذب فيها الأطراف السياسية الرؤى للاستحواذ على المشهد الذي يعتبره المراقبون ضبابيا في ظل تمسك السلطة بأن الحل لإحلال الديمقراطية في بلد اتسم لسنوات بحكم متفرد من أحزاب الموالاة، من بوابة صناديق الاقتراع.

لكن الأهم الذي يجذب اهتمام المتابعين هو كيف يمكن للسلطة، التي تحتاج إلى تجديد نفسها أو على الأقل أن تعطي الانطباع بتجديد شرعيتها عبر هذه الانتخابات، تحقيق أهدافها لاسيما وأن نسبة المشاركة ستشكل الرهان الأكبر بالنسبة إليها في معركة إرادات مصيرية مع الشعب.

نورالدين بكيس: الانتخابات ستفضي إلى برلمان مشتت بالنظر إلى تقلب مزاج الشارع
نورالدين بكيس: الانتخابات ستفضي إلى برلمان مشتت بالنظر إلى تقلب مزاج الشارع

تجديد المؤسسات

شهد الاستحقاقان الانتخابيان السابقان، الأول الاقتراع الرئاسي في العام 2019 والثاني الاستفتاء الدستوري الماضي، نسبة امتناع غير مسبوقة عن التصويت بلغت 60 في المئة و76 في المئة على التوالي. ويشكل ذلك إخفاقين لسلطة عازمة على تطبيق “خارطة الطريق” الانتخابية، متجاهلة مطالب الشارع في دولة القانون والانتقال الديمقراطي والقضاء المستقل.

ومع ذلك، تركّز السلطة الآن على مشروعها في “تجديد المؤسسات”، وليس على نسب المشاركة، كما يبدو من تّصريحات سابقة لرئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، حينما قاطع الجزائريون الاستفتاء على الدستور الذي جرى في نوفمبر الماضي .

في ذلك الوقت، قال الشرفي إن “نسبة المشاركة في الاستفتاء على تعديل الدستور المقدرة على المستوى الوطني بحوالي 23.7 في المئة لا تؤثر على نتائج الاستحقاق التي تعد لا غبار عليها”.

ويتمسّك الحراك الشّعبي، الذي اندلع منذ أواخر فبراير 2019 ضد نظام عبدالعزيز بوتفليقة بخيار مقاطعة أي استحقاق انتخابي والاستمرار في التظاهر ضد السلطة حتى تتحقق مطالبهم، رغم التوقيف “التّعسفي” للمسيرات السلمية، على حد تعبير أنصاره، والذي يصفه الرّئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بـ”حراك الأقلية” مؤكدا أنّه “يرفض إملاءات هذه الأقلية”.

وقد يؤدي السجال القائم إلى بقاء الوضع على ما هو عليه وفي أقصى الحالات ستبرز خارطة برلمانية غير متجانسة، حيث يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، نورالدين بكيس أن الانتخابات التشريعية “ستفضي إلى برلمان أقرب للتشتيت، لأنّنا لا نعرف مزاج الشارع الجزائري سياسيا”.

ويعتقد بكيس في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن “الجزائر أمام سيناريوهين، هما إنتاج برلمان أشخاص عوضا عن برامج، أو برلمان بتوزيع القوى الحزبية بسبب تشتت الأصوات”.

واعتبر أن ذلك سيعطي أهمية للقواعد الحزبية حتى وإن كانت بأعداد ليست معتبرة، وبالتالي فالجميع أمام مشهد تأزم سياسي وليس انفراجة، خاصة إذا أضيف له أن النظام في الجزائر رئاسي أي أن البرلمان لا يتمتع بصلاحيات تقف حاجزا أمام الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية.

ويقول بكيس إن سبب التّشتّت يكمن في أن كل الانتخابات السابقة كانت تزوّر باعتراف السلطة نفسها، هذا من جهة، ومن الجهة الثانية هشاشة المنظومة الحزبية التي تأثرت طيلة السنوات الماضية بالتمييع السياسي ما سيفتح الباب واسعا أمام اختيار الشخص بدلا من اختيار برنامج لأن البلد تعاني من أزمة ثقة.

إشهار ورقة التزوير

Thumbnail

يسود غموض بشأن القوى السياسية، التي لديها حظوظ للفوز بالاقتراع نظرا للهزات السياسية، التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية، بينما يتوقع فيه مراقبون “تركيبة فسيفسائية” للبرلمان القادم، حيث أن ورقة طريق الحراك تتمثل في بناء نظام سياسي شرعي ومؤسسات شرعية تكون الكلمة فيها للشعب.

وبحسب رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، فإن العدد الإجمالي لمن يحق لهم التصويت يبلغ أكثر من 24.3 مليون ناخب من أصل 43 مليون نسمة هم تعداد السكان.

ولكن في الوقت الذي تتسابق فيه الأحزاب وعددها 28 حزبا، وكذلك القوائم الانتخابية المستقلة لإقناع الناخبين الجزائريين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع من جهة وبعرض برامجها في الدرجة الثانية، أعلنت بعض الشخصيات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي وتلك التي كانت مقربة من نظام بوتفليقة التي ستشارك في الانتخابات تخوفها من التزوير.

الجزائر اليوم أمام سيناريوهين، إما اكتساح الإسلاميين للبرلمان لأنهم أبدوا طموحا في السيطرة على المؤسسة التشريعية، أو أن تكون هناك فسيفساء من الأحزاب والمستقلين في البرلمان الجديد

وأمام مد المستقلين ورغم تطمينات السلطات بأن الانتخابات ستكون نزيهة، يحاول تيار الإسلام السياسي ممثلا في حركة مجتمع السلم أكبر حزب إسلامي بالبلاد، الذي يشكّل القوة المعارضة الأولى في البرلمان السابق، اللعب على ورقة التزوير حيث هدد رئيس هذا الحزب عبدالرزاق مقري، بالعودة إلى الحراك الشعبي، في حال وجود أي تلاعب بالنتائج.

وبينما تدخل حركة مجتمع السلم السباق الانتخابي رفقة عدد من أحزاب التيار الإسلامي، على غرار حركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية وحركة الإصلاح الوطني السباق نحو البرلمان، تسعى أحزاب التيار الوطني، التي كانت تحسب على النظام السابق إلى “تبييض صورتها” ومحاولة إقناع الناخبين بعدم وجود صلة لها أو دعم سابق للرئيس المخلوع بوتفليقة أو أتباعه، على غرار حزب جبهة التحرير الوطني.

ولكنها في المقابل، وحتى تجنب نفسها الانتقادات، أعلنت أبرز أحزاب التيار الديمقراطي، والذي يضم اليساريين بشكل عام، مقاطعته للموعد الانتخابي. وبررت رئيسة حزب العمال، لويزة حنون، القرار بأنّ “الدائرة مغلقة من قبل السّلطة والنتائج محسومة مسبقا”.

لزهر ماروك: سنشهد تركيبة فسيفسائية ستعقد تشكيل أي حكومة
لزهر ماروك: سنشهد تركيبة فسيفسائية ستعقد تشكيل أي حكومة

وهذا الموقف اتخذه أيضا حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي قال في أحد بياناته إن “السلطة القائمة تدفع إلى مهزلة انتخابية جديدة بعد أن تلقت صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة في الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور”.

وفي حين تم رفض نحو 1200 قائمة بسبب ارتباط عدد من المرشحين بـ”المال الفاسد”، إلا أن المراقبين يرون أنها لن تؤثر كثيرا على المشهد، لأنها في نهاية المطاف خطوة تؤكد أنّ هناك حرصا على إجراء الاقتراع في مناخ من الشفافية علما أنه من الشروط الواجب توافرها في المرشح، حسب قانون الانتخابات الصادر في مارس الماضي نص على ضرورة “ألا يكون المترشح معروفا لدى العامة بصلته مع أوساط المال والأعمال المشبوهة”.

ويقول المحلل السياسي لزهر ماروك، إن الانتخابات التشريعية المقبلة قد تكون مميزة مقارنة بالانتخابات السابقة بسبب أن الخطاب الرسمي ألحّ على أنها ستكون نزيهة بالنّظر لسقف مطالب الشعب، حيث تأتي استجابة لأهداف الحراك الذي طالب بأن تمثّل المؤسسات الشعب وذلك لوقف الفساد السياسي والمالي في البلاد.

ويشير أيضا إلى أن “الجزائر اليوم أمام سيناريوهين، أوّلهما هو اكتساح الإسلاميين للبرلمان لأنهم أبدوا طموحا في السيطرة على المؤسسة التشريعية، وبالتالي تشكيل برلمان تيار إسلامي برئيس حكومة وله برنامج”، لكن ذلك سيصطدم بعقبات مع الرئيس، حيث من المحتمل ألا تنسجم برامجهم ورؤية تبون لمستقبل البلاد وخاصة الإصلاحات القانونية والاقتصادية.

ويبدو السيناريو الآخر، وهو المرجح ، أن “تكون هناك فسيفساء من الأحزاب والمستقلين في البرلمان الجديد وهكذا سيكون هناك عمل مكثف لتحالفات حزبية من أجل كسب الأغلبية والوصول لرئاسة الحكومة”، رغم أن التوقعات تصب لفائدة اكتساح “القوائم الحرة للصناديق وصنع المفاجأة”.

7