معرفة مسار أسواق الطاقة أشبه بقراءة فنجان شاي

لوّثوا البيئة واشتروا الغابات وواصلوا عملكم.
الجمعة 2022/11/18
فكرة كيري أشبه بعملية شراء تعويض الكربون

شهدت الساحة الأميركية قبيل انتخابات الأسبوع الماضي، شيوع آراء لما يعرفون بـ”خبراء” الرأي العام الأميركي الذين نشروا تحليلاتهم، أما بعد الانتخابات، فقد نشر هؤلاء بأنفسهم مقالات أخرى تشرح ما أخطأوا فيه. وفي الوقت ذاته شنّ قادة صناعة الوقود الأحفوري حملة علاقات عامة ضخمة تركزت في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مصر، ولم يعودوا ينكرون حقيقة التأثير السلبي لاستخدام الوقود الأحفوري، لكنهم استمروا في تقديم حلول لا تحلّ المشكلة.

واشنطن - ظهرت توقّعات المراقبين أشبه ما تكون بقراءة أوراق الشاي في ما يتعلق بسياسة الطاقة والكهرباء، وغالبيتها كانت تخمينات عكست ما سوف يحدث إذا ما تحققت أحلام الجمهوريين بإلغاء قانون خفض التضخم.

غير أن الجمهوريين لم يحصلوا على الأصوات اللازمة للتحول إلى أغلبية. وسيكون اللاعبون في قطاع الطاقة قد اعتادوا على جميع المزايا في شكل الائتمانات الضريبية أو المنح الأخرى بحلول الوقت الذي قد يحصل فيه السياسيون على الأصوات.

وتبدو مجموعات الصناعات مترددة للغاية في التخلي عن المزايا الاقتصادية الجذابة، كبديل نفاد النفط أو إعانات الإيثانول أو مدفوعات دعم المزارع البسيطة.

أما المراهنون على عودة الرئيس السابق دونالد ترامب وهو يهتف “احفروا كما تريدون”، فعليهم ملاحظة أن قطب الإعلام المحافظ روبرت مردوخ وغيره من السياسيين البارزين قد فقدوا الاهتمام بترشيحه، وفقا لمقال ليونارد هيمان وويليام تيلز في موقع ”أويل برايس“.

تمويل خفض الكربون

عدد كبير من المصرفيين والاستشاريين الأذكياء وجدوا طريقة للاستفادة من تغير المناخ، دون تحقيق أي شيء ملموس

قد تكون فكرة جون كيري لتمويل عمليات خفض الكربون فرصة. وهذه الخطة تطالب الشركات الكبيرة بأن تدفع مقابل تخفيضات انبعاثات الكربون في شبكات الطاقة الكهربائية الخارجية بدلا من التخفيضات في الداخل، بينما تبقى التفاصيل غامضة.
فكرة كيري تشبه إلى حد بعيد فكرة شراء تعويض الكربون، حيث يشتري ملوث صناعي غابة مطيرة في إندونيسيا ويحافظ عليها بينما يواصل عمله كالمعتاد. ومع أنها لا تبدو فكرة رائعة، لكن هناك الكثير من محطات توليد الطاقة الكهربائية القديمة التي استُهلكت بالكامل والتي تحرق الفحم ويمكن استبدالها اقتصاديا مع التمتع بفوائد بيئية كبيرة إذا كان لدى البلد المضيف رأس المال اللازم لذلك. يمكن النظر إلى ذلك كمحاولة جادة لتحقيق تخفيضات جوهرية في انبعاثات الكربون من خلال مخطط تجاري أو مقايضة تنتج عنها تخفيضات حقيقية للانبعاثات، بدلا من زراعة أشجار بطيئة النمو في مكان ما في غابة محتضرة قد تحترق على أي حال بسبب تغير المناخ.

ويعالج هذا النوع من النهج العابر للحدود مشكلة ما يمكن أن نسميه موازنة التلوث، حيث تنتقل الصناعات كثيفة التلويث إلى أماكن يكون فيها التلوث رخيصا نسبيا. ويقول المنتقدون إن الخطة ليست كافية، لكن هذه بداية.

لقد شنت صناعة الوقود الأحفوري ومناصروها حملة علاقات عامة ضخمة تركزت في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مصر. ولم يعودوا ينكرون حقيقة تغير المناخ أو التأثير السلبي لاستخدام الوقود الأحفوري، لكنهم يقدمون بدلا من ذلك حلولا فارغة. وتشير هذه الحملة إلى مستوى معين من اهتمام الشركات.

لماذا تستثمر في هذا الجهد المكثف للعلاقات العامة؟ إنها تقدم بعد ذلك العلاجات المعتادة: زرع الأشجار، وحرق الغاز الطبيعي، على الرغم من أن بعضا منه يتنكر في صورة الهيدروجين، والمزيد من احتجاز الكربون الذي لا يزال يبدو لنا وكأنه من البرمجيات الوهمية.

الخداع المالي

حضر أربعة أعضاء جمهوريين من الكونغرس مؤتمر المناخ، وقدموا حلولهم المحافظة لتحدي المناخ العالمي. وجادلوا بأن المشكلة ليست في الوقود الكربوني وإنما في انبعاثاته. وقدموا لذلك بعض الطرق المعقدة والمكلفة لتقليل الانبعاثات.

وقد يعتقد المرء أن المحافظين سيبتكرون حلا بسيطا ومنخفض التكلفة وقليل التدخل، مما قد يقترح تجنب حرق الوقود الأحفوري في المقام الأول. فقد يكون الاعتراف بالسببية خطأ إستراتيجيا.

وشهد العالم استنكار النهج الاستثماري والمصرفي لـ”صافي الصفر“ باعتباره ”هراء“، وربما توصل البعض إلى هذا الاستنتاج منذ فترة وربما تأخر آخرون في فهم الرسالة. ولكن يبدو أن عددا كبيرا من المصرفيين والاستشاريين الأذكياء قد وجدوا طريقة للاستفادة من تغير المناخ والظهور بصورة جيدة دون تحقيق أي شيء ملموس في الآن نفسه. لماذا يجب أن نهتم بما يمكن وصفه بالخداع المالي منخفض المستوى؟ لأن منظمي الأوراق المالية في الولايات المتحدة مكلفون بضمان عدم تضليل المستثمرين عمدا.

مخزونات النفط والغاز لا تشكل سوى 3 في المئة من قيمة الأسهم الأميركية. وهي أقل من الـ15 في المئة للعام 2008

وقد يضع المنظمون معايير تؤدي إلى تقليص ما يضخّه المستثمرون في إنتاج الوقود الأحفوري، مما قد يتسبّب بزيادة تكلفة رأس المال. ولكن كيف لا يستطيع المستثمرون الاستثمار في قطاع اقتصادي حيوي مثل الطاقة؟ ببساطة لأن مخزونات النفط والغاز لا تشكل سوى حوالي 3 في المئة من قيمة الأسهم الأميركية. ويبقى هذا أقل من الـ15 في المئة المُسجّلة سنة 2008.

أما مشكلة المستهلكين الأساسية ففي مكان آخر. لقد أدت حرب أوكرانيا وتجاوزات أوبك إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز. وقد يمنح هذان الحدثان إنتاج الوقود الأحفوري المحلي دفعا سيكون مؤقتا فقط. لأنه وعلى المدى الطويل، فإن أسعار الطاقة المرتفعة باستمرار تجعل الطاقة غير الأحفورية ومصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وحتى الطاقة النووية الجديدة أكثر قدرة على المنافسة. وحسب مقولة قديمة في ”وول ستريت“، الحل لارتفاع الأسعار هو الأسعار المرتفعة وسوف يجد المبدعون بدائل أرخص.

وستبقى موارد الطاقة غير الأحفورية مُعتمدة لعقود، وستواجه شركات النفط والغاز صعوبة في التنافس مع الموارد المتجددة ذات التكاليف الثابتة. فلن يستعيدوا حصتهم في السوق لموارد الطاقة المتجددة بمجرد أن يفقدوها. وهذه المعركة وجودية بالفعل لصناعة الوقود الأحفوري من منظور الأعمال.

والسؤال الملح؛ هل يعني الكونغرس المنقسم حكومة غير متعاطفة مع مصالح الطاقة أو غير مبالية بها؟ وهل هناك تقنيات جديدة محتملة في الطاقة النووية وتكنولوجيا البطاريات يمكن أن تغير قواعد اللعبة لإنتاج الطاقة وتخزينها؟

من المأمول أن نشهد تخليا عن إحدى الإستراتيجيات الخاسرة، وهي حملة العلاقات العامة غير المقنعة بدلا من الإصلاح البيئي الموضوعي. ومن المحتمل أن يخضع نشاط المستثمرين الأخضر للمزيد من التدقيق التنظيمي، وهذا كفيل بتوضيح المسألة لأن المنظمين أنفسهم تجاهلوا الدعوات لتنظيم عمليات تبادل العملات المشفرة التي تسببت في خسائر المستثمرين بالمليارات.

ونتيجة لذلك كلّه، يمكننا القول بثقة إن أوراق الشاي تتنبأ بمستقبل غامض.

6