"معا".. معرض فني يتجاوز جراح بيروت

لغات فنية مختلفة تسائل فكرة الوحدة اللبنانية زمن الخراب.
الجمعة 2021/06/25
"معا" لنفض الغبار عن الدمار

مع اقتراب مرور سنة على تفجير مرفأ بيروت تشهد العاصمة اللبنانية وبحذر شديد عودة الحياة الثقافية بشكل عام والفنية بشكل خاص في موسم الصيف الذي طالما كان الفترة التي تأخذ فيها الفنون هدنة للراحة تحضيرا للسنة الفنية المُقبلة، لكن الأمر تغيّر هذا العام وبشكل جذريّ.

بيروت – ارتأت صالة “تانيت” البيروتية العودة إلى المشهد الفني اللبناني بمعرض فني جماعي، متخيّرة بذلك موسم الصيف كعنوان لبداية عودتها الفنية التي جاءت ليس عند انتهاء المآسي اللبنانية، بل في قلبها.

بادرة عالمية

الصالة التي تلقت ضربة قاسية جدا شأنها في ذلك شأن الكثير من الصالات الفنية عند انفجار المرفأ، الذي يُطلق عليه اللبنانيون “انفجار بيروت” كموقف لا شعوري قوامه الاعتراف بأن الجرح طال كل لبنان كبلد وكفكرة، تشهد حاليا افتتاح معرض ضخم ضمّ عددا كبيرا من الفنانين المتعدّدي الوسائط من رسم وتصوير فوتوغرافي وتجهيز فني وعروض فيديو، وذلك تحت عنوان يشي بماهية ومعنى الحدث الفني “معا.. شعور/ فكر/ تصوّر”.

مع العلم أن الصالة قدّمت منذ فترة قصيرة معرضا تحت عنوان “المياه” يُمكن اعتباره خطوة تشجيعية من قبل صالات عالمية شاركت بعدد من الأعمال الفنية إلى جانب مشاركة عدد من الفنانين اللبنانيين الذين تولت صالة “مرفأ” مشروع دعمهم على الساحة الفنية. غير أن هذا المعرض، أي معرض “معا” هو معني أكثر بقلب الجوّ اللبناني، لاسيما الحالي.

في وقت سابق، وضّح البيان الصحافي المرافق لافتتاح معرض “المياه” ماهيته بهذه الكلمات “هذه المبادرة الفنية تقوم بها مجموعة ‘غاليريهات كيورات’ العالمية، ضمن تجمّع فني أطلقته مؤخرا، تشارك فيه إضافة إلى غاليري ‘مرفأ’ صالات أخرى تقع في ريو دي جانيرو ونيويورك وطوكيو وبرلين ليصل عددها إلى نحو عشرين صالة أخرى. وتأتي هذه المبادرة من أجل إعادة جمع الشمل الثقافي في العالم”.

وتُتاح مُشاهدة المعرض رقميا عبر مواقع الشبكات الإلكترونية لصالات عالمية، إضافة إلى إمكانية زيارة الأعمال في موقع الحدث، أي صالة “مرفأ”.

إذا، هو معرض يشمل سبل التعبير على اختلافها، ولكن تحت شعار واحد، وهو محاولة التمسّك بالتعاضد و”الوفاق” حول موقف واحد ما بين الفنانين والأساليب المختلفة.

استعادة الأمل بالبسيط من الأشياء
استعادة الأمل بالبسيط من الأشياء

ولا سبيل من اعتبار هذا الحدث وبتوقيته هذا إلاّ نوعا من الإشارة إلى الأهمية القصوى التي أرادت الصالة الفنية إرساءها في نفوس اللبنانيين، وهي تماسك الشعب كقوة واحدة مع اختلافهم كأفراد ضدّ أقصى أنواع اليأس والتشتّت.

وخلال شهر مارس الماضي أطلقت صالة “تانيت” الفنية ذات المساحة الشاسعة جدا نداء للفنانين. وقد اختير من قبل خمسة أعضاء في لجنة التحكيم وهم زينة مسقاوي، ريتشارد هيكل، كارينا الحلو، نايلا كتانة كونيغ ومارك معركش 17 مشروعا ليكونوا جزءا من المعرض.

17 وجهة نظر مختلفة، 17 لغة فنية مختلفة، لوصف ومساءلة وتحدّي وتبنّي فكرة أن نكون معا مرة أخرى التي شكّل عدم تبنيها واحدة من أهم أسباب مآسي لبنان، وذلك منذ اندلاع الحرب اللبنانية.

وليكون لهذا المعرض مصداقية كاملة كان من أحد أهم شروط المُشاركة فيه أن يكون الفنان المنضم إلى هذا الحدث مقيما في لبنان، أي مقيما في أجوائه ومحاذيره اليومية.

وهدفت الصالة إلى جانب ما سبق ذكره تقديم مجموعة من الفنانين الصاعدين بغض النظر عن أعمارهم وتجاربهم الفنية ليكونوا “معا” مع فنانين مكرّسين. وهم: علاء عيتاني، بتينا خوري بدر، كليمانس كوتارد، هاشم وكارولين تابت، كريستيان سليمان، كريستين كتاني، كريستيانا دي ماركي، إلياس نفاع، الييش، جان ومورو، ليتيسيا حكيم، طارق حداد، منار علي حسن، ميسا الخوري، نويل نصر، كليف مخول، ريان رعيدي، سارة صحناوي، طارق مراد وزينة أبوالحسن.

لحظات ثمينة

Thumbnail

جاء البيان الفني موحّدا ومُتماسكا ومُختصرا قدر الإمكان للكابوس العام الذي يعيشه اللبنانيين، لاسيما خلال سنتي 2020 و2021، ليضمّ أصوات 28 فنانا بعيدا عن البيانات الفردية أو تلك التي يطلقها عادة القيمون على الصالات الفنية لترافق افتتاح معرض ما.

وبصوت واحد، أعلن 28 فنانا وجماعات ومنظمون، قائلين “ما شهدناه في الآونة الأخيرة سواء من الأزمة الاقتصادية أو وباء كوفيد – 19 أو انفجار 4 أغسطس الماضي شكّل تحديا لنا على جميع المستويات، ممّا أثّر على قربنا من بعضنا البعض وجعل وجودنا معا مفهوما باطلا”.

“معا” هو عرض عن التعاون في جميع المجالات. حتى ما يُعنى بالتحضير للمعرض: من الإنتاج إلى السينوغرافيا وحتى النص والمحادثات التي تم إنشاؤها، الجميع ساهم فيه.

ويضيف نص البيان “الآن، نأمل أن نكون بالمئات للاحتفال بقدرتنا على التجمّع حول الفنون والاستمتاع بهذه اللحظات الثمينة التي اعتبرناها من المسلّمات وأن نكون فعلا معا”.

ولأجل التأكيد على معنى ودلالة هذا المعرض الذي يشكّل بكونه جماعيا خصوصية إيجابية بعيدة عن أجواء اليأس والوحدة المستشرية، صرّحت صاحبة الغاليري نايلا كتانة كونيغ “من دون الرغبة في العيش معا، الإبداع، وتطوير المشاريع والأفكار جنبا إلى جنب، مع السماح لكل منّا بالتعبير عن حساسيته الخاصة وطرق صياغته، فإن التقدّم غير ممكن. لذلك، من أجل إعادة البناء، علينا أن نعمل معا”.

كما وتمّ الكشف خلال ليلة الافتتاح عن لوحة جدارية تحت عنوان “الشهر الخامس” للفنانة شفا غدار على الجدار الخارجي للغاليري المُواجه للشارع.

لأنه، وعلى غرار ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش يوما ما “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” تردف صاحبة صالة “تانيت”، “علينا بالعودة والعمل، لأنه لا تزال هناك أشياء تستحق أن يُحتفى بها”.

ومعرض “معا.. شعور/ فكر/ تصوّر” ضمّ ولا يزال بالموازاة مع الأعمال الفنية المؤثثة له العديد من النشاطات الفنية الأخرى، وهو مستمر حتى السابع من أغسطس القادم.

احتفاء جماعي بالفن والحياة
احتفاء جماعي بالفن والحياة

 

17