معاهدة منع انتشار المخلفات البلاستيكية لا تزال بعيدة عن التحقّق

لم يستسلم النشطاء الداعون إلى معاهدة صارمة لمنع انتشار المخلفات البلاستيكية، ويمارس هؤلاء ضغوطا على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر جرأة في مكافحة التلوث البلاستيكي. ويشعرون بالقلق من أن انخفاض إنتاج البلاستيك في أوروبا يعني أن دولا أخرى مثل الصين سوف تنتهز الفرصة لزيادة إنتاجها من هذه المادة. ويمثل البلاستيك خطرا يهدد كوكب الأرض ومن عليه.
كاتماندو ـ كانت نهاية 2024 مخيبة للآمال بالنسبة للذين يرون أن كوكب الأرض بحاجة إلى إجراءات جريئة.
أولا، شهدنا الإحباط الناتج عما يمكن تعريفه على الأقل بأنه نتائج غير مقنعة لكل من كوب – 16 بشأن حماية التنوع البيولوجي وكوب – 29 بشأن معالجة تغير المناخ.
ثم توجه كل الأمل إلى اختتام جلسة لجنة التفاوض الحكومية الدولية بشأن التلوث البلاستيكي الخامسة والأخيرة التي عقدت في بوسان.
وكانت هذه المفاوضات مخيبة أيضا لأنها لم تخلص إلى أي توافق في الآراء بشأن بعض عناصرها الرئيسية. ونتعلم في مواجهة هذه النظرة الأكثر كآبة، أن النشطاء الداعين إلى معاهدة قوية لا يستسلمون. وليس هؤلاء مستعدين للاعتراف بالهزيمة، وهم محقون في ذلك فالمعركة يجب أن تستمر.
لقد أظهرت محادثات بوسان على الأقل الخلافات بين الأطراف المعنية، ووضّحت الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها كل طرف. وكشف الجميع، هذه المرة، أوراقهم دون تردد.
100
دولة تدعم اقتراح بنما للحد من إنتاج البلاستيك، وتدعو أكثر من 120 دولة إلى معاهدة صارمة
لقد شهدنا بروز تحالف متنوع من الأمم الأكثر تقدمية تشكّل من الجنوب العالمي وجزء من الشمال للضغط من أجل تحقيق أفضل نتيجة ممكنة، أي معاهدة تتضمن أهدافا لتقليل إنتاج البلاستيك، وخاصة أكثر أنواعه ضررا، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، اتبعت الحكومات التي تمثل مؤسسات بتروكيماويات قوية مهمة مُعلنة تتمثل في منع أي محاولة لتقليل إنتاج البلاستيك. وركزت على إعادة التدوير والرسكلة باعتبارها أفضل حل للحد من التلوث البلاستيكي.
أردت بناء تقييم أفضل للجنة التفاوض الحكومية الدولية بشأن التلوث البلاستيكي. وتواصلت لذلك مع تحالف مكافحة التلوث البلاستيكي، وهي منظمة مجتمع مدني أميركية تدعو إلى معاهدة طموحة. وضغطت هذه المجموعة على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر جرأة في مكافحة التلوث البلاستيكي.
وكانت المحادثة التي جمعتني مع أعضاء التحالف، والتي أجريت عبر رسائل البريد الإلكتروني، فرصة لتحديد الأهداف المقبلة التي يجب أن توجه لمفاوضات مستقبلية والسيناريوهات التي قد تظهر خلال الأشهر المقبلة.
واستخلصت أن نتائج المفاوضات النهائية لم تكن ما حلم به كثيرون، لكن على أولئك الذين يريدون اتخاذ إجراءات جريئة للحد من التلوث البلاستيكي ألا يستسلموا لليأس. كان اهتمامي الأول هو تقييم مستوى خيبة الأمل بين النشطاء الذين يدافعون عن معاهدة قوية وطموحة.
وقالت ديانا كوهين، المؤسسة المشاركة لتحالف مكافحة التلوث البلاستيكي ورئيسته التنفيذية، إن “البلاستيك يلوث طوال فترة وجوده. وتعدّ أي معاهدة قوية ملزمة عالميا حيوية لمستقبل صحي للبشرية. نشعر بخيبة أمل من نتيجة المحادثات (تقدم ضئيل أو معدوم في نص المعاهدة)، لكننا لا نزال متفائلين ويلهمنا تعاون البلدان الطموحة وجهودها المتزايدة.”
ولم يتراجع التزام أعضاء الائتلاف، بل يتزايد معه الشعور بالتفاؤل.
وقالت جين فيلا، نائبة رئيس البرامج والاتصالات في تحالف مكافحة التلوث البلاستيكي، إن “المعركة لم تنته بعد. ستستأنف المحادثات في 2025. ويواصل تحالف التلوث البلاستيكي وحلفاؤه دعوة حكومة الولايات المتحدة إلى تبني موقف أقوى في مفاوضات المعاهدة. لن يكون الطريق سهلا. وبينما تعدّ المعاهدة العالمية القوية والملزمة قانونا ضرورية لحماية الكوكب وصحة الإنسان، فإن من المحتمل أن يكون دعم الإدارة الأميركية الجديدة لها أقل.”
وأشارت إلى أن “الأمر السار في محادثات بوسان هو أن أعدادا متزايدة من البلدان تظهر استعدادها لاتخاذ خطوات جريئة وتحث العالم على احتضان ما وصفته المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن بأنه ‘فرصة لا تتاح إلا مرة واحدة في الكوكب’ لخلق معاهدة من شأنها أن تضع نهاية حاسمة لعصر البلاستيك.” لكن ماذا بعد؟ ما الذي يجب أن يهدف إليه النشطاء في المفاوضات القادمة؟
قالت كوهين “سنواصل السعي من أجل التوصل إلى معاهدة تضع حدودا لإنتاج البلاستيك، وتؤكد على حماية الصحة، وتسلط الضوء على احتياجات مجتمعات الخطوط الأمامية، وتحترم حقوق الشعوب الأصلية وأصحاب الحقوق، وتحظر المواد البلاستيكية المضرة والمواد الكيميائية الخطرة، وتعزز أنظمة إعادة الاستخدام الآمنة. نحن فخورون بالوقوف إلى جانب شبكتنا الرائعة من الحلفاء بينما نتقدم نحو عالم أكثر عدلا وإنصافا وتجديدا وخاليا من التلوث البلاستيكي وآثاره الضارة. ومن المؤكد أن أسباب الأمل كانت في محلها.”
المعركة لم تنته بعد. ستستأنف المحادثات في 2025. ويواصل تحالف التلوث البلاستيكي وحلفاؤه دعوة حكومة الولايات المتحدة إلى تبني موقف أقوى في مفاوضات المعاهدة. لن يكون الطريق سهلا
وأضافت “رغم عجز الدول الأعضاء عن التوصل إلى اتفاق خلال الدورة الخامسة للجنة التفاوض الحكومية الدولية بشأن التلوث البلاستيكي، إلا أننا شهدنا طموحا واعدا وتعاونا متزايدا بين غالبية البلدان، ونعلّق أملا على جولة إضافية من المحادثات القادمة. يبقى التأخير أفضل من الاكتفاء باتفاق ضعيف يفشل في معالجة المشكلة كما يتطلب الأمر. والجانب المشرق هو قدرتنا على حشد المزيد من الدعم لمعاهدة قوية تقلل من التلوث البلاستيكي.” ومن المهم أن نذكر أننا نشهد تبلور توافق جديد في الآراء رغم عدم التوصل إلى اتفاق.
وذكر تحالف مكافحة التلوث البلاستيكي في تلخيصه لجلسة لجنة التفاوض الحكومية الدولية بشأن التلوث البلاستيكي “على الرغم من أن عددا قليلا من الدول النفطية مارست ضغوطا، إلا أن غالبية البلدان تتحد لدعم معاهدة قوية. وتدعم أكثر من 100 دولة اقتراح بنما للحد من إنتاج البلاستيك، وتدعم 95 دولة أهدافا ملزمة قانونا للسيطرة على المواد الكيميائية الضارة، وتدعو أكثر من 120 دولة إلى معاهدة ذات آليات تنفيذ صارمة.”
وأمكن ترسيخ تحالف جديد في بوسان حيث تعاونت دول مثل بنما ورواندا مع الدول الأوروبية وغيرها فيما يسمى بتحالف الطموح العالي لمكافحة التلوث البلاستيكي.
كما سعيت إلى اكتساب فهم أوضح للعوامل الحاسمة التي قد تجعل المعاهدة المستقبلية مقبولة على الأقل في نظر أولئك الذين يضغطون من أجل الحد من البلاستيك، وتحديد “الخطوط الحمراء” التي لا يرغبون في التنازل عنها.
وقالت إيريكا سيرينو، مديرة الاتصالات في التحالف، إن “معاهدة البلاستيك الضعيفة تتسم باتخاذ إجراءات طوعية لمعالجة التلوث البلاستيكي، وعدم الالتزام بتخفيض إنتاج البلاستيك العالمي بشكل كبير، وعدم القدرة على تحديد ‘المواد الكيميائية المثيرة للانشغال’ ووقف تصنيع هذه المواد التي تعرض المجتمعات في الخطوط الأمامية للخطر، وهي قضية رئيسية تتعلق بالعدالة البيئية، مع التركيز على إعادة التدوير كحل أساسي، واستبعاد مجموعة واسعة وقوية من التدابير التي تعالج التلوث البلاستيكي عبر دورة حياته السامة بأكملها، من استخراج الوقود الأحفوري إلى الإنتاج والنقل والاستخدام والتخلص منه.” وترى أن “العنصر الحاسم هو التخفيض المطلوب والكبير في إنتاج البلاستيك والمواد الكيميائية المرتبطة به.”
وقالت إن “المعاهدة القوية ستتميز بفرض قيود إلزامية على إنتاج المواد البلاستيكية والمواد الكيميائية المرتبطة بها، وتحديد ‘المواد الكيميائية المثيرة للقلق’ الخطيرة بشكل خاص وتنظيمها بشكل أكثر صرامة، فضلا عن إدراج مجموعة شاملة وقوية من الإجراءات التي تهدف إلى إنهاء التلوث البلاستيكي طوال دورة حياته السامة بأكملها، بدءًا من استخراج مكونات الوقود الأحفوري وحتى الإنتاج والنقل والاستخدام والتخلص منه.”
وأوضحت أن “التعهد الملزم بالحد بشكل خاص من المنتجات البلاستيكية والمواد الكيميائية المثيرة للانشغال لن يكون كافيا دون وضع حد أقصى للإنتاج الإجمالي. بما أن جميع المواد البلاستيكية تسبب التلوث، فمن الضروري تقليل إنتاج البلاستيك بالكامل.”
وتطرق تحليل سيرينو إلى واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل، حيث حثت على منح الأولوية للتخلص من تلك المواد التي تثير قلقا خاصا ولتنظيمها الصارم. وشددت على وجوب تسريع الجهود المبذولة للحد من أضرارها دون تأخير الحاجة إلى معالجة المخاطر الأوسع التي تشكلها جميع المواد البلاستيكية.
إذا لم يتحقق أي تقدم كبير في الجولة القادمة من المفاوضات، فهل سيظل من المقبول للدول الأكثر تقدمية، مثل تلك التي انضمت إلى تحالف الطموح العالي لإنهاء التلوث البلاستيكي، أن تقترح اتفاقية بديلة ملزمة، حتى لو لم تكن معاهدة عالمية شاملة مثل تلك التي يجري تصورها حاليا؟
هل يمكن أن يكون هذا الخيار “المتطرف” الذي لا يمكن تصوره حتى الآن منطقيا حتى لو استمر ملوثو البلاستيك في نهجهم الحالي؟
وقالت سيرينو “ليس هذا بالتأكيد حلا مثاليا، لأن التلوث البلاستيكي يبقى قضية عالمية تديمها مجموعة عالمية من الحكومات والمستثمرين واللاعبين الصناعيين والأنشطة والبنية التحتية. من المحتمل أن يكون ابتكار الدول الأكثر تقدمية اتفاقها الملزم أفضل من لا شيء، طالما تركز على الحد من التلوث البلاستيكي.”
وأضافت أن “مصدر القلق الرئيسي يتمثل في أن بعض أكبر منتجي البلاستيك على مستوى العالم، وأبرزهم الولايات المتحدة والصين، لا يشاركون حاليا في المناقشات ذات الطموح العالي. إن من الضروري أن تنخفض مستويات إنتاج البلاستيك العالمي بشكل موحد. وستكون أي جهود غير مجدية إذا خفضت بعض البلدان إنتاجها بينما واصلت بلدان أخرى التعويض عبر زيادة إنتاجها.”
وفي نفس الوقت، فإن خوض بعض البلدان لهذه الرحلة بمفردها يشكل مخاطر واضحة. والواقع أن هناك مخاوف ملموسة في مناطق مثل أوروبا في هذا الخصوص.
وتشعر جماعات الضغط البلاستيكية بالقلق من أن انخفاض إنتاج البلاستيك في أوروبا يعني أن دولا أخرى مثل الصين سوف تنتهز الفرصة لزيادة إنتاجها.
نجد أنفسنا في معضلة صعبة. ويصعب حاليا أن نرى الكيفية التي ستغير بها الدول النفطية مواقفها التفاوضية الرئيسية. وذكرت سيرينو “نأمل أن يؤدي التوصل إلى اتفاق بين الدول التقدمية إلى تشجيع الدول الأخرى على خفض إنتاجها من البلاستيك، وفي غياب هذا سوف لن يكون لمثل هذا الاتفاق أي تأثير على الإطلاق.”