معاناة متواصلة للحيوانات في رحلات نقلها بأوروبا

تتعرض الحيوانات في عمليات نقلها لظروف قاسية دون إحاطة بها أثناء رحلاتها الطويلة والمضنية، والتي وثقت بعضها جمعيات وناشطون يطالبون بسن قوانين صارمة تحدد مدة الرحلات برا وبحرا وجوا.
برلين ـ بهدف تحسين وتعزيز القوانين المنظمة لنقل الحيوانات الحيّة، تبنّى البرلمان الأوروبي مجموعة من التوصيات استنادا على دراسة خلصت إلى نتائج صادمة، غير أن التعامل مع هذا الملف داخليا يختلف من بلد إلى آخر، وخارجيا الأمر أسوأ.
ويشتكي ناشطون في منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان من صعوبة التأكد من تطبيق مبدإ الرفق بالحيوانات خلال عمليات النقل هذه، ونشروا صورا فظيعة حول ظروف نقل الحيوانات الحيّة.
حيوانات تئنّ من الألم، وأخرى بقوائم مكسورة وهي مضغوطة بين العشرات من الحيوانات الأخرى على ظهر ناقلات في ظروف بشعة.
ويقدّم غابرييل باون من الجمعية الدولية للرفق بالحيوان لدويتشة فيللة الفيديوهات التي جمعها في إطار تقرير استقصائي قام به.
وتظهر أشرطة الفيديو قطيعا من الأبقار مقيدة، ومتروكة تحت أشعة الشمس الحارقة، أو خرفانا تُجمّع بالاستعانة بآلة الصعقة الكهربائية لاقتيادها إلى سفن الشحن، حيث يتمّ نقلها إلى دول كالسعودية ولبنان وإسرائيل.
منذ سنوات يوثّق غابرييل باون وناشطون آخرون، عملية نقل هذه الحيوانات داخل دول الاتحاد الأوروبي وخارجه. وغالبا ما يقومون بذلك خلسة خشية من حدوث صدامات مع رجال الشرطة.
وفي سلوفينيا على سبيل المثال، يقول الناشط إنه أُرغم بالقوة من قبل رجال الأمن على توقيع محضر يورطه، رغم أنه هو الذي التجأ إليهم للبتّ في عملية نقل غير قانونية.
ويستكمل باون روايته قائلا "لم يكونوا يعرفون بوجود قوانين أوروبية بهذا الشأن. كان عليهم إيقاف سائق الشاحنة ومنعه من إتمام رحلته نظرا لحرارة الشمس المفرطة التي أذابت حينها حتى الإسفلت".
تشير التقديرات إلى أن نحو 3.8 مليون حيوان يتم نقلها سنويا بين دول الاتحاد الأوروبي. لكن الحركة الأكبر هي التي تتم بين دول الاتحاد ودول أخرى، فنحو ثلاثة ملايين خروف تقريبا تمّ تصديرها إلى خارج دول الاتحاد، وأهم الدول المستوردة هي إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية.
وتابع ناشطون من منظمة "ملائكة الحيوانات" الألمانية شاحنتين على متن كل منهما أكثر من ثلاثين رأس بقر في نقطة تجمّع بالقرب من سمولينسك على الحدود البيلاروسية، بعد أن غادرتا ولاية براندنبورغ الألمانية.

هيلانا باور وزملاؤها متخصصون في أداء مثل هذه المهمات، طوال أيام وهم يتتبعون مسارات الشاحنات، ليثبتوا أن السائقين لا يتوقفون للمرور عبر مراكز الرعاية، بل يواصلون السير إلى أن يصلوا إلى هدفهم في أوزبكستان.
تصل الحيوانات في النهاية وهي غارقة في روثها ومنهكة تماما. ورافق المخرج إدغارد فيرهاين عمليات نقل كهذه برفقة ناشطين في حقوق الحيوان إلى آسيا وشمال أفريقيا وعبر أوروبا. واستطاع توثيق الظروف القاسية في عمليات النقل.
لجنة برلمانية داخل الاتحاد الأوروبي أخذت على عاتقها طيلة 18 شهرا، دراسة بيانات وتسجيلات وملفات بهذا الخصوص. وقد قدمت هذه اللجنة في شهر ديسمبر النتائج وكانت في مجملها صادمة وتؤكد خروقات كبيرة.
تقول النائب الأوروبية تيلي ميتس "على سبيل المثال تمّ تسجيل رحلات طويلة دون إطعام الحيوانات، تحت أشعة الشمس الحارقة أو البرد الشديد، وفي ظل غياب المراقبة على الطرقات أو غياب العقوبات الرادعة".
بعد مناقشة الدراسة، صادق البرلمان على مجموعة توصيات لتحسين ظروف نقل الحيوانات الحيّة، من أبرزها تقنين مدة النقل عند ثماني ساعات برّا وجوّا، و24 ساعة بحرا. إلى جانب تحديد الأسبوع الخامس كالحدّ الأدنى لعمر الحيوانات للسماح بنقلها. كما تشدد التوصيات على حظر نقل الحيوانات المتقدمة في العمر.
يذكر أن القوانين المعتمدة تعود إلى عام 2005 وهي تستثني النقل البحري، بينما تسمح بنقل الأبقار والأغنام لـ29 ساعة كحدّ أقصى للوصول إلى الهدف المطلوب، أو التوقف وترك الحيوانات في الهواء الطلق لمدة لا تقل عن 24 ساعة مع توفير الأكل والشرب لها.
الإشكالية تكمن في أن القوانين المتبعة حتى وإن تمّ تشديدها داخل الاتحاد الأوروبي، لا تجد لها مرادفا في الدول المستقبلة. كما أن الطرق المتّبعة في بعض الدول لذبح هذه الحيوانات أو قتلها يعتبرها الناشطون “في منتهى الوحشية”، كما يسرد باون.
ويضيف قائلا، إنه شاهد "كيف يتم وخز الثور في عينه لمنعه من الرؤية، قبل أن يتم قطع الأربطة الموجودة على حوافره لإيصال الحيوان الكبير إلى الأرض، ثم يتم طعنه عدة مرات في رقبته. وقد يستغرق ذلك ما يصل إلى 40 دقيقة حتى يقتل حيوان كبير هكذا".
لهذا السبب تدعو جمعيات الرفق بالحيوان إلى منع تصدير الحيوانات الحيّة، والإبقاء على تصدير اللحوم فحسب. لكن اللجنة البرلمانية لم تتبنّ هذا الطرح، لتطالب في المقابل الدول المستقبلة اعتماد قوانين شبيهة تعمل على تحسين ظروف النقل والاستقبال بذات المستوى المعمول به داخل دول الاتحاد.
ويخشى المستفيدون من هذه السوق من أن يؤدي ذلك إلى تقليص قائمة الدول المستوردة بشكل كبير. ولهذا السبب كان من الطبيعي أن تنتقد لوبيات القطاع الفلاحي مُخرجات البرلمان الأوروبي.
وفي ردّ على سؤال تقدمت به دويتشه فيللة، كتبت جمعية "كوبا كوجيكا" وهي تتكون من اتحاد يضم عددا من الجمعيات والمكاتب الفلاحية الأوروبية بأن "القوانين يجب أن تصاغ استنادا على حقائق علمية، وليس انطلاقا من العواطف".