معالجة البيانات بسرعة وفاعلية مهمة الخوارزميات

الأقمار الصناعية ونماذج الذكاء الاصطناعي من أجل مراقبة المناخ.
الأحد 2025/02/16
تنبؤ وفق المعطيات

تساهم الأقمار الصناعية في مراقبة التغيرات المناخية بشكل شامل، بينما تسهم نماذج الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات البيئية ومعالجتها بسرعة وفاعلية، مما يعزز الفهم العلمي للظواهر المناخية ويوفر رؤى قيمة تدعم اتخاذ قرارات أكثر فاعلية للحد من التغيرات المناخية.

بيرن - يعتمد الخبراء على تزايد استخدام الأقمار الصناعية ونماذج الذكاء الاصطناعي للحصول على بيانات دقيقة وموثوقة حول انبعاثات الغازات الدفيئة. وتعتبر هذه الأدوات المفتاح لزيادة سرعة ودقة جمع المعلومات، ما يساهم في تعزيز جهود الدول للحد من الانبعاثات.

ويؤكد غيريت كولمان، الباحث في المختبرات الفيدرالية السويسرية لعلوم وتكنولوجيا المواد “إمبا”، أن مراقبة الأرض عبر الأقمار الصناعية والتقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد الدول على تقييم انبعاثاتها بدقة أكبر، وتحديد مدى انتشارها الجغرافي، ما يساهم في تعزيز جهود مكافحتها.

 وفي حديثه مع “سويس إنفو”، يقول كولمان إن الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة كميات ضخمة من البيانات لقياس انبعاثات الغازات بدقة، من خلال تحديد مصادرها الجغرافية مثل المصانع والمركبات ومحطات الطاقة، بالإضافة إلى تحليل تأثيراتها على تغير المناخ. كما يساهم في تفسير البيانات بشكل يعزز فهم الأبعاد المختلفة لهذه الانبعاثات.

ويمكن أيضا التنبؤ بالتغيرات المناخية باستخدام نماذج التعلم الآلي، ويمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بتغيرات المناخ المستقبلية بناءً على البيانات التاريخية. وهذا يساعد في إعداد إستراتيجيات وقائية واتخاذ قرارات مبنية على التوقعات المستقبلية.

ويشارك كولمان وزملاؤه في مختبرات “إمبا” في دراسات ضمن برنامج “كوبرنيكوس” الأوروبي، الذي يهدف إلى تزويد أقمار مراقبة الأرض بتقنيات لقياس انبعاثات الغازات الدفيئة. ومن خلال ذلك، يتم تزويد الحكومات وصناع القرار عالمياً بخرائط دقيقة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وثاني أكسيد النيتروجين.

◙ الذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف الأنماط المرتبطة بالظواهر المناخية المتطرفة وتحليل تأثيرها على البيئة والمجتمعات
◙ الذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف الأنماط المرتبطة بالظواهر المناخية المتطرفة وتحليل تأثيرها على البيئة والمجتمعات

ويعمل الذكاء الاصطناعي على معالجة وتحليل البيانات الخاصة بانبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان من مصادر مختلفة مثل المصانع، وسائل النقل، والمحطات الصناعية. كما يساعد في تحديد المصادر الرئيسية لهذه الانبعاثات.

ويمكن للذكاء الاصطناعي اكتشاف الأنماط المرتبطة بالظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات، العواصف، والجفاف، وتحليل تأثيرها على البيئة والمجتمعات. وباستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن تحسين استجابة الحكومات والمنظمات في حالات الطوارئ الناجمة عن التغيرات المناخية، مثل التحذير المبكر من الكوارث المناخية، وتوجيه الموارد بشكل أكثر كفاءة.

وشهدت السنوات الأخيرة تطوراً هائلًا في عدد الأقمار الصناعية المخصصة لمراقبة الأرض، حيث ارتفع هذا العدد من حوالي 200 قمر صناعي في 2013 إلى نحو 1200 قمر في 2023، مما يمثل حوالي 20 في المئة من إجمالي الأقمار الصناعية في مدار الأرض. وتتنافس شركات مثل “إكس سبيس”، “بلو أوريجين”، “بلانيت لابز”، و”ماكسار تكنولوجيز” على تطوير تقنيات متقدمة لدفع حدود الإمكانيات الحالية عبر أساطيل من الأقمار الصغيرة التي تقدم صوراً فائقة الدقة وتحليلات متطورة لمراقبة صحة الكوكب ومواجهة التحديات البيئية.

ويتوقع أن يسهم قطاع مراقبة الأرض بأكثر من 700 مليار دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، كما سيعمل على تقليص الغازات الدفيئة بمقدار ملياري طن متري سنوياً، وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر العام الماضي. إلا أن التوسع الكبير في عدد الأقمار الصناعية وتقنيات تحليل البيانات يخلق كميات ضخمة من المعلومات المعقدة، ما يتطلب دقة فائقة في التحليل والتنظيم. وتبرز التقنيات الحديثة مثل تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي وأدوات التنبؤ المتقدمة لتوفير القدرة على معالجة هذه البيانات وتحويلها إلى رؤى عملية بسرعة غير مسبوقة.

وتتطور منصات مراقبة تغير المناخ المعتمدة على تقنيات الاستشعار الأرضي بشكل كبير حول العالم، مثل نظام مراقبة الكربون التابع لوكالة ناسا، وخدمة مراقبة الغلاف الجوي الأوروبية التي تديرها المفوضية الأوروبية بالتعاون مع المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى. ومن خلال برنامج المراقبة العالمية لغازات الاحتباس الحراري الذي أطلقته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يتم تنسيق الجهود الدولية لرصد الغازات الدفيئة، إضافة إلى إشراف المرصد الدولي لانبعاثات الميثان التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة على مراقبة هذه الانبعاثات وتحليل مصادرها وآثارها البيئية.

◙ مراقبة الأرض عبر الأقمار الصناعية والتقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد الدول على تقييم انبعاثاتها بدقة أكبر

وتمكنت تقنيات الأقمار الصناعية الأميركية واليابانية من مراقبة انبعاثات الميثان بدقة على مدار سنوات، حيث أنتجت صوراً واضحة للتسربات الناتجة عن منشآت النفط والغاز، ومناجم الفحم، ومكبات النفايات، ما ساعد في تحسين الفهم حول تأثير هذه الانبعاثات على الغلاف الجوي.

ويؤكد كولمان أن الأبحاث والابتكارات في هذا المجال تتزايد في أوروبا والعالم، حيث يساهم مختبر “إمبا” في هذه الجهود جنباً إلى جنب مع المئات من الباحثين الدوليين. ورغم تقدم الأقمار الصناعية في قياس تغييرات تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال العقد الماضي، إلا أنها لم توفر بعد بيانات شاملة ودقيقة تغطي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم. كما كانت الجهود تركز بشكل أساسي على مراقبة تقلبات الدورة الطبيعية للكربون، مثل امتصاصه وإطلاقه من قبل الغابات والمحيطات.

وفي هذا السياق، تأمل المشاريع الجديدة مثل مهمة مراقبة ثاني أكسيد الكربون التابعة لبرنامج “كوبرنيكوس” في تحسين هذه الوضعية، حيث سيُطلق أول قمرين صناعيين ضمن المهمة في 2026، ليزودا بأنظمة وأجهزة استشعار متقدمة. وستوفر هذه الأقمار صوراً عالية الدقة وتغطية عالمية، مما سيمثل نقلة نوعية في مراقبة انبعاثات الغازات الدفيئة.

والأقمار الصناعية التابعة لبرنامج “كوبرنيكوس” تتميز بوجود جهاز طيفي مدمج لقياس تركيزات ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين والميثان في الغلاف الجوي، بهدف تقديم قياسات دقيقة وغير مسبوقة لانبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية، مع توفير البيانات في وقت قريب من الرصد.

من خلال هذه التقنيات، سيتمكن العلماء من تمييز الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية، مثل احتراق الوقود الأحفوري، عن الانبعاثات الطبيعية. كما ستمكن الأقمار الصناعية من دراسة الغطاء النباتي، مثل كثافة الأوراق على الأشجار، ما يساعد في تقييم قدرة النباتات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

13