"مطعم علي" يتحدى كورونا لإطعام المهاجرين والفقراء

شهرة واسعة اكتسبها "مطعم علي" الذي يقصده عدد من المشردين والمهاجرين غير الشرعيين والطلبة الأجانب ممن تقطعت بهم السبل.
الخميس 2020/05/28
مطعم من تقطعت بهم السبل

تونس- اصطف “علي الهادفي” مع رفاقه الطباخين أمام مطعمه في حي الكبارية، لالتقاط صورة تذكارية احتفاء بانتهاء مهمته في إطعام الفقراء والمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء على امتداد شهر كامل في رمضان وخلال فترة الحجر الصحي.

يتطلع الهادفي إلى الاستمرار في إطعام المحتاجين للعام الحادي عشر في رمضان 2021 بزيادة عدد الوجبات، لكن هذا العام يظل استثنائيا في تقدير علي ومحفورا في الذاكرة.

قال علي من أمام مطعمه في الحي الشعبي الذي يبعد نحو 2.5 كيلومتر عن وسط العاصمة “هذا العام بدأنا في حملتنا مبكرا مع فترة الحجر الصحي الشامل… حاولنا أن نساعد الفقراء وإخواننا من دول أفريقية بتوفير حاجياتهم الغذائية قدر الإمكان”.

اكتسب المطعم شهرة واسعة بين المنظمات الإنسانية في العاصمة والمدن المجاورة لها وبات مقصدا للمشردين والمهاجرين غير الشرعيين والطلبة الأجانب ممن تقطعت بهم السبل.

وجاءت محنة هؤلاء مضاعفة هذا العام لكون الأزمة الصحية العالمية المرتبطة بفايروس كورونا المستجد فرضت قيودا على حركة التنقل على الجميع، ما أعدم تماما فرصهم في الهجرة سرا إلى أوروبا عبر البحر أو تدبير أمورهم اليومية خلال إقامتهم في تونس للدراسة.

ومن بين هؤلاء يقطن توفيق آدم وهو طالب من جزر القمر، مع خمسة من رفاقه في منزل صغير يتكون من حجرتين في حي الكبارية ولم تتسن لجميعهم فرصة العودة إلى بلادهم بسبب إغلاق المجال الجوي وغياب رحلات جوية كما تعكرت أوضاعهم حين نفدت أموالهم.

خدمات راقية
خدمات راقية

يقول توفيق الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة، “نحن هنا خمسة ولكن في هذا الشارع هناك ستة آخرون وإجمالا نحن هنا 11 مهاجرا.. لدينا مشكلة في التموين… لم يكن لدينا ما نأكله خاصة في شهر رمضان. نتلقى الآن وجبات تونسية بشكل منتظم”.

ومع نفاد المال يعتمد توفيق وباقي المقيمين في المنزل على معونات يرسلها أقارب وأصدقاء لهم مقيمون في فرنسا عبر خدمة الويسترن يونيون. لكن المعونات بالكاد تسمح بدفع جزء من أقساط الإيجار المتراكمة. وبوجود “مطعم علي” الذي اشتهر بلقب “كحلة” في الحي، فإن الحصول على وجبة يومية لآدم ورفاقه ضمن لهم حدا أدنى من الطعام.

يقوم علي ورفاقه من المتطوعين بتوصيل الوجبات وقوارير مياه معدنية إلى منزل آدم حيث يقطن عدد آخر من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. كما يرسل وجبات إلى مقر إيواء المهاجرين غير الشرعيين في منطقة الوردية القريبة.

يقول عثمان شو وهو مهاجر من غينيا، ويأتي يوميا إلى المطعم لاستلام وجبته “لا مال لدينا ولا يمكنك إعداد الطعام في المنزل وأنت في مثل هذا الوضع.. نشكر علي ومن معه من المتبرعين على هذه المساعدة الإنسانية”.

اعتاد علي “أن ينصب موائد الإفطار في شهر رمضان على طول الشارع المحاذي لمطعمه ولكن جراء إجراءات الإغلاق بسبب الحجر الصحي العام اضطر إلى تعليب الوجبات حتى يحملها المحتاجون جاهزة.

يقول علي، “بدأنا منذ عام 2011 بوجبات محدودة العدد ومن ثم زاد العدد تدريجيا إلى أن وصلنا إلى 1000 شخص. هذه الحملات الخيرية يمولها أبناء حي الكبارية فقط”.

وأضاف علي “هناك من يأتي بالخضر وهناك من يأتي بالغلال وآخر باللحوم والسكر والخضروات.. يعمل معي خمسة أو ستة طباخين، وإجمالا لدينا 15 عاملا من المتطوعين”.

يعكف الطباخون في المطعم على إعداد الرز والكسكسي والسلطة والدجاج المحمر. وما يتم إعداده يوميا يكفي لتزويد ألف شخص بوجبة كاملة مع قطعة من الفاكهة وقارورة مياه معدنية.

ولكن المطعم لا يكتفي بذلك إذ يزود مراكز أمنية قريبة بوجبات مجانية وكذلك عابري السبيل من الفقراء ومن زائري الحي بشكل عرضي. كما يزود منظمة الهلال الأحمر التونسي بمائة وجبة يوميا لتوزيعها على المشردين والطلبة.

مطعم علي يعمل بمعزل عن الجمعيات والأحزاب السياسية
مطعم علي يعمل بمعزل عن الجمعيات والأحزاب السياسية

وقال رئيس فرع الهلال الأحمر في باردو والمنتفع بمساعدات المطعم، أحمد بوذينة، “نتسلم الوجبات من علي ولدينا مجموعات أخرى تتسلم وجبات من مزودين آخرين… نساعد في المقام الأول المشردين بلا سكن والأجانب، وخاصة الطلبة من أفريقيا جنوب الصحراء”.

تمثل بادرة المطعم اليوم إحدى القصص الإنسانية الرائعة خلال فترة الحجر الصحي بشهادة منظمات المجتمع المدني وأهالي حي الكبارية.

ويعمل ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على تشجيع متطوعين من أجل التبرع بالمال والمؤونة لمطعم علي كحلة حتى يستمر في مهامه الإنسانية وتوسيع نطاقها لتشمل أكبر عدد ممكن من المحتاجين وممن حلت بهم الفاقة.

يعترف أحمد الماجري من بين سكان الكبارية وأحد النشطاء المروجين لمبادرة كحلة، بفضله في ترسيخها قائلا “الشكر لعلي كحلة لإصراره على مد يد المساعدة للعائلات المعوزة ومن هم بلا مأوى ومن دون سند عائلي. المتبرعون في الكبارية أيضا لا يبخلون في توفير المواد الغذائية بمختلف أنواعها”.

ويقول برهان بسيس أحد النجوم المحللين في التلفزيون التونسي، “مطعم علي بات اليوم مرجعا وهو يعمل بمعزل عن الجمعيات والأحزاب السياسية. هو فعلا يستحق الإشادة وهو نجم حقيقي في المجتمع”.

20