مطبات يضعها الصديق والعدو في مسار الكاظمي لفرض الأمن

الكاظمي مستمرّ في حملة التطهير للمناصب العليا في أمن الدولة لاسيّما بعد الضغوط الأميركية الجديدة.
الأربعاء 2020/10/21
جهود للتوازن في توجيه المعركة

بغداد – أدرك رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي بعد اعتراض أجهزة الأمن سلسلة من المكالمات الهاتفية خلال شهر يونيو، قلّة عدد أصدقائه والداعمين له في معركته لتحقيق أمن العراق.

ففي إحدى المكالمات، أصدر أحد القيادات العراقية الرفيعة والذي تربطه صلات متينة بإيران تعليمات لقائد الأمن في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، حيث تقع المباني الحكومية والسفارات الأجنبية، بألا يقف في طريق رجال الفصائل المسلحة الذين سيقتحمون المنطقة، وفقا لما قاله مسؤولان أمنيان عراقيان.

كان رجال الفصائل غاضبين من القبض على زملاء لهم متهمين بإطلاق صواريخ تستهدف الولايات المتحدة. وقال المسؤولان الأمنيان ومصدران بالفصائل إن الفصائل احتجزت خلال المواجهة التي استمرت ساعات عددا من أفراد قوة لمكافحة الإرهاب تلقت تدريبا أميركيا.

وقال أحد المسؤولين الأمنيين إنه اطّلع على نص المكالمة التي دارت وقائعها في 25 يونيو وإن القائد الذي تربطه صلات بإيران حذر قائد فرقة حماية المنطقة الخضراء اللواء الركن شهاب الخيكاني من أن “الصدام سيفتح أبواب جهنم” بين الفصائل والقوات التي تحرس المنطقة.

وأكد المسؤول الأمني الثاني والمصدران بالفصائل المكالمة وقالوا إن قادة الفصائل طلبوا من الخيكاني في محادثات هاتفية أخرى في تلك الليلة أن يتحاشى أي مواجهة مع مقاتليهم.

وقال المسؤولان الأمنيان إن الكاظمي المدير السابق لجهاز المخابرات وحليف الولايات المتحدة الذي كان موجودا في المنطقة الخضراء في تلك الليلة علم بما دار في المحادثات بعد ذلك بأسبوع بعد أن فتح تحقيقا فيما جرى. وأضافا أن ما حدث كان صدمة له ودرسا قاسيا كشف مدى نفوذ خصومه.

وعزل الكاظمي الخيكاني من منصبه على الفور عقب التحقيق وشرع في حملة تطهير واسعة النطاق للمناصب العليا في أمن الدولة لا تزال مستمرة بعد أن أصبح الآن يتعرض لضغوط أميركية جديدة.

بلورت الاتصالات التي اعترضتها أجهزة الأمن العراقية في ليلة 25 يونيو الواقع القاسي أمام الكاظمي. فرغم تأييد واشنطن له لا يمكنه أن يثق أن توقف قوات الحكومة العراقية الفصائل المدعومة من إيران جموح الفصائل خارج مكتبه.

وحددت تلك الأحداث الطابع الذي ستتسم به فترة رئاسة الكاظمي للحكومة والتي شهدت محاولات للإمساك بزمام الأمور وفي الوقت نفسه استرضاء البيت الأبيض الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته والفصائل المعادية للولايات المتحدة التي تتمنى أن يفشل في مهمته.

وعقب توليه السلطة في مايو، بعد أن أصبح ثالث عراقي يُكلف بتشكيل الحكومة خلال عشرة أسابيع، أصبح من الجوانب الرئيسية في سياسته تخفيف قبضة الفصائل المدعومة من إيران على قطاعات كبيرة من قوات الأمن العراقية منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003. غير أن مسؤولي الأمن وقادة الفصائل وكبار الساسة ودبلوماسيين غربيين يقولون إنه يعمل في واقع سياسي صعب يحد من قدرته على إحداث التغيير.

ويقولون إن نهج الكاظمي ربما يفلح لكنهم يتشككون في قدرة حكومته على ترك بصمتها قبل الانتخابات العامة المتوقع أن تجري في أوائل يونيو المقبل.

ووجد رئيس الوزراء نفسه في الآونة الأخيرة مضطرا للتعامل مع تهديد من واشنطن بإغلاق السفارة الأميركية إذا لم يستطع أن يوقف هجمات الفصائل الموالية لإيران الصاروخية التي تستهدف الولايات المتحدة ومطالب الفصائل بإخراج القوات الأميركية وإلا فإنها ستصعد هجماتها على الأهداف الغربية.

وقال دبلوماسي غربي “الأميركيون يريدون أن يواصل الكاظمي حملته بوتيرة أسرع. وهو يقول لا يمكنني ذلك دون الإطاحة بحكومتي أو إشعال حرب أهلية”.

وقال أحمد ملا طلال المتحدث باسم الحكومة العراقية إن رئيس الوزراء نفذ تغييرات كثيرة في قيادة قوات الأمن غير أن توقع الإصلاح الكامل في غضون خمسة أشهر مطلب غير واقعي.

وأضاف “الإجراءات الكبيرة التي أجراها القائد العام للقوات المسلحة السيد الكاظمي لا يمكن وصفها بالبطء” بسبب سوء إدارة النظام الأمني من جانب الحكومات السابقة على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية.

ووصف الحديث الأميركي عن إغلاق السفارة بأنه “خطوة مقلقة للحكومة العراقية” غير أنه أضاف “لا توجد أي ضغوط من أي جهة كانت من أجل تسريع أي خطوة”.

ولم يرد المتحدث على أسئلة محددة عن المكالمة التي جرت في 25 يونيو أو رد الكاظمي عليها.

وتحدث الكاظمي الصحافي السابق، الذي اعتاد أن يخلع ربطة عنقه وهو يصعد طائرات الهليكوبتر ويقوم بجولات في المحافظات المختلفة، بصراحة عن التحديات العديدة التي تواجهها حكومته لكنه تحاشى تسمية فصائل بعينها تقف في طريقه.

وقال في تغريدة على تويتر “لن أسمح لجهات خارجة على القانون باختطاف العراق من أجل إحداث فوضى”.

وردا على أسئلة عن الضغط الأميركي وسجل الكاظمي قال مسؤول بالسفارة الأميركية إن العراق عليه “واجب حماية المقرات الدبلوماسية … لكننا راضون عموما لأن العراق يأخذ خطوات لتقوية أمن البعثات الدبلوماسية في بغداد”.

خطوة جريئة

قرارات جريئة ومدروسة
قرارات جريئة ومدروسة

اختار أعضاء مجلس النواب العراقي الكاظمي رئيسا للوزراء وحظي بموافقة إيران والولايات المتحدة اللتين وقعت بينهما صدامات متكررة في العراق. وكان سلفه استقال العام الماضي بعد أن خرج محتجون مناهضون للحكومة إلى الشوارع بالآلاف مطالبين بوظائف ورحيل النخبة الحاكمة في العراق.

ويحمل المحتجون الفصائل والأحزاب المتحالفة مع إيران مسؤولية الكثير من مشاكل العراق.

ويصور فريق العاملين مع رئيس الوزراء الكاظمي من خلال الرسائل المتواترة على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه قائد عنيد لا يألو جهدا للقضاء على الجماعات الخارجة على القانون.

كانت أولى خطواته الجريئة في استهداف الفصائل هي التي أطلقت شرارة تلك الليلة المتوترة من ليالي يونيو حزيران. فقد أمر جهاز مكافحة الإرهاب الذي تلقى أفراده تدريبا أميركيا باعتقال 14 عضوا من كتائب حزب الله أقوى الفصائل المتحالفة مع إيران ردا على هجمات صاروخية على أهداف أميركية.

وطوق مقاتلون على رأسهم أكبر قادة كتائب حزب الله المنطقة الخضراء بشاحنات البيك أب المزودة بالسلاح واعتقلوا أعضاء من جهاز مكافحة الإرهاب.

ولسحب مقاتلي الفصائل اضطر الكاظمي للجوء إلى خصومه فاتصل بالقادة ذاتهم والزعيم العراقي الكبير الذي تربطه صلات بإيران وهو نفسه الذي علم الكاظمي فيما بعد أنه طلب من الخيكاني عدم التحرك في تلك الليلة.

ولم ينصرف مقاتلو الفصائل إلا بعد الحصول على ضمانات بإطلاق سراح زملائهم. وعلى مدى الأيام التالية تم إخلاء سبيل المحتجزين.

وطلب المصدران اللذان اشترطا عدم الكشف عن هويتهما من رويترز عدم ذكر اسم القيادي العراقي الكبير وقادة الفصائل لأن ذلك سيفضح أمرهما. وأكدت خمسة مصادر بالفصائل وبعض العالمين ببواطن الأمور في الساحة السياسية المطلعين على تلك الأحداث ما رواه المصدران.

ونفى متحدث باسم كتائب حزب الله المشاركة في أي هجمات صاروخية في الآونة الأخيرة على أهداف غربية. وقال إن الكتائب لم تشارك مباشرة في اقتحام المنطقة الخضراء وإن من نفذوا الاقتحام هم أنصار القوات شبه العسكرية التابعة للدولة في العراق.

تعيينات واسترضاء

أعلن الكاظمي في الشهور الأخيرة سلسلة من التعيينات الجديدة في صفوف القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، واختار ضابطا تدرب في أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية لخلافة الخيكاني في قيادة حماية المنطقة الخضراء الشهر الماضي.

ومن التعيينات الرئيسية الأخرى التي أجراها الكاظمي إعادة قائد جهاز مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي وهو من الشخصيات المحبوبة إلى منصبه ووزير الداخلية عثمان الغانمي ويُعتبر الاثنان في الغرب من أصحاب الكفاءات الذين ليست لهم ارتباطات حزبية سياسية.

غير أن ساسة عراقيين ودبلوماسيين غربيين يقولون إن بعض التعيينات كانت استرضاء لأحزاب سياسية من بينها جماعات يحتاج الكاظمي إليها كثقل مواز في مواجهة المعسكر المؤيد لإيران بل وبعض الشخصيات التي تنهج النهج الإيراني.

وينتمي حسين ضيف النائب الجديد لوزير الداخلية إلى حزب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الشعبوي الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، والذي يعارض بصفة عامة النفوذ الإيراني غير أنه ينحاز لإيران عندما يكون ذلك في مصلحته.

أما مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي الذي سبق أن شغل منصب وزير الداخلية فهو عضو في منظمة بدر المتحالفة مع إيران والتي هيمنت لفترة طويلة على وزارة الداخلية.

وقال الدبلوماسي الغربي “الكاظمي يتعرض لضغوط هائلة من كل الكتل السياسية التي تواصل الإصرار على مناصب بعينها. وهو يحاول صدها لكن لا يمكنه تجاهلها بالكامل. ولذا اضطر إلى قبول تعيينات ربما لم يكن يرغب فيها”.

توازن مطلوب

عمل دؤوب
عمل دؤوب

اضطر الكاظمي إلى القيام بموازنات مماثلة في الخارج أيضا، فخلال رحلته الأولى التي زار فيها طهران في يوليو تعهد بعدم السماح باستخدام العراق نقطة لانطلاق أي عدوان على إيران. وشدد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي على المطلب الإيراني برحيل القوات الأميركية عن العراق.

وخلال زيارة إلى واشنطن في الشهر التالي شدد الكاظمي على الحاجة للقوات الأميركية لفترة طويلة لتدريب القوات العراقية وذلك ردا على تأكيد الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة سترحل عن بغداد في نهاية المطاف وأنها ستواصل تقليص قواتها الباقية في العراق وقوامها 5000 جندي.

وأحد المطالب الأميركية الرئيسية من الكاظمي هو إبعاد الفصائل عن المنطقة الخضراء ووقف الهجمات الصاروخية وتفجيرات العبوات الناسفة التي تستهدف الدبلوماسيين والجنود.

وكان تهديد واشنطن الشهر الماضي بإغلاق سفارتها في بغداد إذا استمرت الهجمات خطوة قال الدبلوماسيون الغربيون إنها قد تمهد السبيل أمام ضربات جوية أميركية.

وكانت الولايات المتحدة قد نفذت ضربة أسفرت عن مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني وقائد الفصائل العراقية أبو مهدي المهندس في بغداد خلال يناير الماضي الأمر الذي دفع بالمنطقة إلى شفا الحرب.

وقد أوقفت الفصائل المدعومة من إيران التي تتحرق شوقا للانتقام لمقتل القائدين هجماتها في الوقت الحالي، لعوامل منها التهديد بإغلاق السفارة الأميركية، لكنها تطلب من الكاظمي العمل على رحيل القوات الأميركية وإلا فإنها ستستأنف الهجمات.

وفي الأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن العراق يبذل جهدا أكبر لحماية الدبلوماسيين في المنطقة الخضراء غير أنه امتنع عن التعليق على ما إذا كانت واشنطن لا تزال تفكر في إغلاق السفارة.

ولا يزال عبدالعزيز المحمداوي المكنى (أبو فدك) قائد كتائب حزب الله الذي قاد رجاله عبر المنطقة الخضراء في يونيو يشغل مكتب قائده أبو مهدي المهندس في المنطقة الخضراء وفقا لما قاله مسؤولون بالفصائل.

ومنذ تولى الكاظمي منصبه لم يُقدم أحدا للمحاكمة بتهمة شن الهجمات الصاروخية أو قتل ناشطين مؤيدين للديمقراطية رغم أن ذلك كان من وعوده الرئيسية.