مطبات سودانية وصومالية تعيق نجاح قمة "إيغاد"

فشلت القمة الطارئة لهيئة "إيغاد" في التوصل إلى أي خلاصات بشأن الأزمة السودانية وأيضا الخلاف الإثيوبي - الصومالي. وكان الأمر متوقعا بعد مقاطعة قيادة الجيش السوداني للقمة، وإعلان الصومال عن رفضها لأيّ وساطة ما لم تنسحب أديس أبابا من الاتفاق البحري الذي وقّعته مع أرض الصومال.
الخرطوم - فقدت القمة الاستثنائية للهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا (إيغاد) في أوغندا، الخميس، زخمها السياسي قبل أن تبدأ أعمالها، المخصصة لبحث الأزمة السودانية والخلاف الصومالي- الإثيوبي.
وتعمدت قيادة الجيش السوداني الغياب لتجهض واحدة من المحاولات الإقليمية الرامية لوقف الحرب وقطع الطريق على مبادرة كان يمكن أن يؤدي اكتمالها إلى نتائج إيجابية، قبل أن يعلن الاتحاد الأفريقي عن قرار بتشكيل لجنة ثلاثية رفيعة المستوى خاصة بالسودان، في خطوة تستهدف قطع الطريق على مناورات الجيش ومساعيه للتملص من المفاوضات.
في المقابل، أعلنت الصومال عن رفضها لأية وساطة في الخلاف مع إثيوبيا ما لم تنسحب أديس أبابا من الاتفاق البحري المثير للجدل مع منطقة “أرض الصومال”، في رسالة موجهة للقمة التي انعقدت في كمبالا.
واكتفت “إيغاد” بمحادثات بروتوكولية، ولم يتمكن القادة من الحصول على مخرجات عملية سواء بشأن السودان أو الأزمة بين إثيوبيا والصومال. فمقاطعة قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان لم تتح الفرصة للدخول في عمق أزمة الحرب في بلاده، وكأنه أراد الهروب من لحظة إقليمية يشارك فيها قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
كما أن موقف الصومال الرافض للوساطة، وغياب رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد عن مناقشة مذكرة التفاهم مع “جمهورية أرض الصومال”، التي ستحصل بموجبها على منفذ يصلها بخليج عدن والبحر الأحمر، فرّغ الاستفاضة في مناقشة الخلاف وإجراء محادثات بشأن مضامينه الرئيسية، وبدا الخيار الأكثر واقعية ترحيله.
وقالت وزارة الخارجية الصومالية في بيان نشر على حساباتها الإلكترونية إنه “لا مجال لوساطة ما لم تنسحب إثيوبيا من مذكرة التفاهم غير القانونية، وتعيد التأكيد على سيادة الصومال ووحدة أراضيه”. وكانت الخارجية الإثيوبية بعثت بخطاب إلى سكرتارية “إيغاد”، السبت، عزت فيه عدم حضور القمة إلى تضارب مواعيد عقدها مع ارتباطات أخرى مسبقة بأديس أبابا، والاستعداد للمشاركة في القمة إذا تم تغيير موعدها إلى موعد آخر.
وعلمت إثيوبيا أن حضور رئيس حكومتها في هذه الأجواء يمكن أن يؤدي إلى انقسام داخل “إيغاد”، أو على الأقل يفتح المجال لنقل الخلاف بين البلدين إلى مربع ينكأ جراحا في منطقة مليئة بصراعات ونزاعات، بعضها قابل للتمدد إقليميا.
ويقول مراقبون إن قمة “إيغاد” لم تحصل على إعداد جيد بشأن قضية إثيوبيا والصومال وظهرت مؤشرات تباين في الرؤى الإقليمية حيال آليات التعاطي معها، فهناك دول تتفهم رؤية أديس أبابا وربما تدعمها، وأخرى تنحاز إلى موقف مقديشو، ما وضع عقبات أمام القادة للخروج بنتائج توافقية، فالمسافات البعيدة كانت تستوجب اجتماعات تحضيرية لتهيئة الأجواء للتوصل إلى رؤية مشتركة.
وتعاملت قوات الدعم السريع مع قمة رؤساء “إيغاد” بمرونة لافتة، وقالت إنها منفتحة على أي مفاوضات لا تتعلق بالمصالح الشخصية، ولا ينبغي أن تدور حول أجندة مجموعة بعينها، ويجب أن تتم لتحقيق مستقبل مستدام للسودان وتؤدي لحل شامل. والتقى حميدتي مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيتا ويبر في العاصمة الأوغندية كمبالا، مشددا على استعداده لوقف الحرب وبدء مفاوضات لإنهاء الأزمة.
وكتب على حسابه على منصة “اكس”، الخميس، “شرحت لها أسباب اشتعال الحرب في البلاد، وأكدت لها أننا في سبيل رفع معاناة شعبنا مستعدون لوقف الحرب والدخول في مفاوضات تنهي الأزمة السودانية من جذورها وتحقق الأمن والاستقرار”. وشارك تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك في القمة، بعد أن اجتمع مع رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلة، رئيس الدورة الحالية لإيغاد، ونقل إليه ضرورة إشراك القوى المدنية في المساعي المبذولة لإنهاء الحرب.
وكانت وزارة الخارجية السودانية الموالية للجيش أعلنت تجميد التعامل مع منظمة “إيغاد” فيما يخص ملف الأزمة، واتهمتها بما أسمته “تجاوز الأعراف وانتهاك سيادة البلاد بدعوتها قائد الدعم السريع وإقحام الشأن السوداني في أجندة القمة دون مشورة الخرطوم”. ومع أن الخارجية حاولت إيجاد ذرائع تبرر بها عدم حضور البرهان القمة، إلا أنها منحت الفرصة لخصومه لتأكيد اتهاماتهم بأنه يتهرب من المفاوضات، وأنه يخضع لرؤية فلول النظام السابق التي تفضل الحرب على السلام في السودان.
وقال الباحث والمحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن “إيغاد تقوم على دول القرن الأفريقي، وهذه المنطقة تعاني من مشكلات حقيقية، ودائما ما تأتي حلول بعضها من خارجها، وقد فشلت في إنهاء نزاعات سابقة حاولت حلها من خلال مقاربات عدة، بدءاً من أزمة انفصال جنوب السودان ثم الأزمة الداخلية في دولة جنوب السودان، وأخفقت أيضا في وقف الحرب بين الحكومة المركزية في إثيوبيا وإقليم تغراي”.
وأضاف تورشين في تصريح لـ”العرب”، إنه “لم يكن متفائلاً منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها دخول هيئة ‘ايغاد’ على خط الأزمة السودانية، لأنها تضم دولا ذات مصالح متقاطعة، ما يسهم في تعقيد الأوضاع، وقد تكون سبباً في تفجيرها”.
واتهم قائد الجيش السوداني في مقاطعته الأولى لأنشطة “إيغاد” كينيا بالإنحياز إلى حميدتي، وألمح إلى وجود مصالح تربط الأخير بإثيوبيا، ثم تراجع عن هذا الخطاب، وقام بجولة في كل من كينيا وإثيوبيا، أدت بالبرهان إلى الموافقة على مبادرة “إيغاد” التي لفظها أخيرا وقاطع قمتها في أوغندا، وقرر تجميد العضوية فيها.
وأشار تورشين إلى أن ضعف “إيغاد” يأتي من ضعف الاتحاد الأفريقي، وعليها إعادة النظر في منهجها ووضع ميثاق جديد لضمان فاعليتها على المستوى الإقليمي. واستبعد المحلل السوداني أن يكون لـ”إيغاد”رؤية واضحة في التعامل مع الأزمات التي تواجهها منطقة القرن الأفريقي، وهي “لا تمتلك أدوات ضغط أو ميزانية خاصة بها وتعتمد على أموال الدول، والأنظمة المنضوية تحت مظلتهاغالبيتها شمولية”.
وأعلن الاتحاد الأفريقي قبل انطلاق قمة “إيغاد” تشكيل لجنة خاصة بالسودان، وأن رئيس مفوضيته موسى فكي، عيّن ثلاث شخصيات أفريقية بارزة كأعضاء في لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بالسودان. وتضم اللجنة الممثل السامي للاتحاد لإسكات السلاح محمد بن شمباس رئيسا لها، وعضوية كل من نائب رئيس أوغندا الأسبق سبيسيوسا وانديرا كازيبوي، والممثل الخاص السابق لرئيس المفوضية إلى الصومال فرانسيسكو ماديرا.
وسيعمل أعضاء لجنة الاتحاد الأفريقي مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين، أي جميع القوات المدنية والأطراف العسكرية المتحاربة والجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية بما فيها”إيغاد” والأمم المتحدة والجامعة العربية، لضمان عملية شاملة للاستعادة السريعة لحكومة السودان والسلام والنظام الدستوري والاستقرار في البلاد.
وبهذه الخطوة يسد الاتحاد الأفريقي فراغا محتملا بسبب تقليص دور “إيغاد”، ويقلل من فرص تحويل الأزمة السودانية إلى أي جهة غير أفريقية، وهو ما يمثل تحديا جديدا للبرهان، والذي سيصبح محاصرا بلجنة أشد مراسا من الناحية السياسية.