مصير ضبابي ينتظر لاجئي جنوب السودان بعد عشر سنوات على استقلال بلادهم

الخرطوم – لا يزال لاجئو جنوب السودان في الخرطوم يعانون من أوضاع معيشية سيئة ويحلمون بالعودة إلى ديارهم، رغم مضي عشر سنوات على استقلال بلادهم.
وبعد أن هيأت روزا غبريال نفسها ولملمت أشياءها استعدادا لبدء حياة جديدة في وطنها في جنوب السودان قبل عقد من الزمن، وجدت السيدة السمراء نفسا عالقة في مخيم بائس للنازحين ولا تزال تتطلع إلى العودة إلى الديار حتى اليوم.
وكانت غبريال التي تبلغ من العمر اليوم 71 عاما، فرّت من أطول حرب أهلية في القارة الأفريقية بين شمال السودان الذي تتألف غالبيته من العرب، وجنوبه الذي تسكنه أغلبية مسيحية، في 1983 إلى ما كان يومها منطقة شمال السودان، بعد استقلال الجنوب في يوليو 2011 إثر حرب مدمّرة تسببت في مقتل حوالي مليوني شخص، وظنّت أنها ستعود إلى الجنوب مع أسرتها.
وتقول وهي تجلس أمام كوخ مغطى بالخيش بمخيم للاجئي جنوب السودان في شرق الخرطوم، "جئت إلى الشمال في عام 1983 هربا من الحرب في الجنوب، وكانت من المفترض إعادتي مع آخرين بعد استقلاله".
وتضيف "لكنني لا أزال عالقة هنا منذ عشر سنوات، ولا تبدو للأمر نهاية".
وانفصل جنوب السودان بموجب اتفاق السلام الذي وقعه عام 2005 مع نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي تخللت فترة حكمه الكثير من النزاعات الداخلية والحروب الأهلية.
وخطّطت حكومة البشير لإعادة عشرات الآلاف من مواطني جنوب السودان إلى بلادهم عقب الانفصال، إلا أن هذه الخطة تعطلت على خلفية الصراع الذي نشب على السلطة في دولة الجنوب بين رئيسها سلفا كير ميارديت ونائبه رياك مشار، والذي تحوّل إلى نزاع مسلح في ديسمبر 2013.
إثر ذلك، أسكنت حكومة السودان لاجئي الجنوب في "مناطق مفتوحة" هي عبارة عن أكواخ غير خرسانية، بنيت بشكل عشوائي لا توفّر سوى القليل من الظلّ في حرارة الصيف الحارقة في السودان، وبالكاد تقي من الأمطار الموسمية الغزيرة.
وتعاني الآلاف من أسر جنوب السودان التي تعيش هناك، من نقص حاد في الغذاء والماء والاحتياجات الأساسية.
ويقول إسحق شفيق، المشرف على خمس مناطق مفتوحة في شرق العاصمة السودانية، "بالكاد يحصلون على مساعدات على عكس اللاجئين في المخيمات الأخرى في السودان".
وحسب إحصاءات الأمم المتحدة، يستضيف السودان أكبر عدد من اللاجئين من جنوب السودان، يبلغ عددهم 792 ألف شخص، وقد طلب أكثر من نصفهم اللجوء إلى السودان بعد اندلاع الصراع على السلطة في بلادهم.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إن هناك 37 ألف لاجئ يعيشون في "مناطق مفتوحة" بالخرطوم، تعتبر أوضاعهم "الأكثر سوءا" بين لاجئي جنوب السودان.
ويؤكد شفيق أن أغلب سكان المخيمات يعتمدون على السودانيين، بالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية، لمدهم بالغذاء والماء.
وتردّى الاقتصاد السوداني خلال عهد البشير، خصوصا بعد فقدان عائدات النفط على إثر انفصال الجنوب، وبسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على السودان، الذي اتهمته بإيواء مجموعات إرهابية.
وبعد الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، زاد تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل حكم سلطات انتقالية تفتقر إلى موارد وتتعامل مع تداعيات عقود من إهمال البنى التحتية والفساد والحكم الدكتاتوري. وانعكس ذلك صعوبات بالنسبة إلى لاجئي الجنوب الذين يعتمد العديد منهم على العمل المياوم والخدمة المنزلية لتأمين قوت يومهم.
وتقول كريستينا، البالغة من العمر 46 عاما، وهي أم لستة أطفال وتعيش في المخيم، "زوجي وجد عملا في إحدى المزارع خارج الخرطوم ويقوم بزيارتنا مرة في الشهر".
وتضيف "بخلاف ذلك، ليس لدينا شيء الآن وبالكاد نحصل على مساعدة".
وقرّرت سابينا فيليب، وهي أم لتسعة أطفال، التوقف عن البحث عن عمل عقب فصلها من الشركة التي كانت تعمل فيها في 2011، لكونها من جنوب السودان.
وتقول "نحن لا ننتمي إلى هنا".
ويشاركها اللاجئ غبريال خميس الشعور نفسه، إذ يقول "مشكلتنا أننا نحظى باهتمام ضئيل مقارنة باللاجئين الآخرين في هذا البلد"، مضيفا "حتى اليوم يبقى مصيرنا مجهولا".