مصير المرأة السعودية رهين مزاج ولي أمرها

نيل السعوديات لحقوقهن يحتاج قرارين: أولهما سياسي جريء وثانيهما مجتمعي متفهم.
السبت 2019/02/16
مراقبون: الحراك النسوي السعودي حرّك المياه الراكدة في دول الخليج العربي

المرأة السعودية غير قادرة حتى الآن على السفر إلى الخارج إلا برفقة ولي أمرها، مهما علا شأنها، وقد يكون هذا الولي ابنها الذي يستلم مصروفه الشهري منها، وذلك بسبب نظام ولاية الرجل على المرأة.

الرياض - أعاد الجدل حول تطبيق “أبشر” في اليومين الماضيين، نظام ولاية الرجل على المرأة إلى دائرة الضوء في السعودية.

وبحسب الموقع الرسمي لـ وزارة الداخلية السعودية يتيح تطبيق “أبشر” جملة من الخدمات للمواطنين السعوديين والأجانب أيضا. وتقول بيانات الوزارة إنّ المنصّة تملك أكثر من 11 مليون مستخدم، بين أفراد وشركات.

ويقول وصف التطبيق في كل من متجري أبل وغوغل في السعودية “أبشر يمكنك أن تتصفح بأمان ملفك الشخصي أو ملف أفراد عائلتك أو الأشخاص الذين يعملون لديك، وتنفيذ مجموعة واسعة من الخدمات الإلكترونية عبر الإنترنت”.

لكن ما أثار حفيظة ناشطي حقوق الإنسان هو الجزء المتعلق بإصدار وإلغاء تصاريح السفر وتأشيرات الخروج والعودة أو الخروج النهائي من البلاد.

ويسمح تطبيق “أبشر”، المتوفر للرجال السعوديين بتقييد وتتبع حركة زوجاتهم وبناتهم أو حتى أمهاتهم أو أي امرأة تحت وصايتهم مع الحد من الأماكن التي قد تسافر إليها، وتحديد مدة بقائها في أي مكان.

ويرسل “أبشر” تنبيها إلى الرجل الوصي عند حدوث خرق ما، ما يسمح له باعتراض المرأة قبل سفرها خارج البلاد.

وقالت منظمة حقوقية “إن التطبيق يسلط الضوء على نظام التمييز المثير للجدل في السعودية، حيث لا يُسمح للنساء بالسفر من البلاد دون إذن الوصي الذكر، الذي عادة ما يكون أحد الأقارب، بموجب نظام الوصاية المعتمد”.

وتلقت شركتا غوغل وأبل في الولايات انتقادات عديدة من ناشطين في مجال حقوق الإنسان ومشرعين أميركيين بسبب إتاحة هذا التطبيق.

وهذا الأسبوع أرسل السيناتور الديمقراطي رون وايدن رسالة إلى الشركتين يطلب فيها منهما إزالة التطبيق، وقد جاء فيها “على الشركات الأميركية أن لا تعمل على تمكين أو تسهيل نظام الوصاية للحكومة”.

ورد المدير التنفيذي لشركة أبل تيم كوك، في تصريحات لإذاعة “أن.بي.آر” الأميركية التي تحقق في الواقعة، إنه لم يسمع بالتطبيق مطلقا ولكنه “بكل تأكيد سينظر في الأمر”.

ومن المفارقات أن “أبشر” كان مفيدا أيضا لعدد قليل من النساء اللاتي يحاولن الهروب من السعودية.

وتمكنت بعض النساء من تغيير الإعدادات في التطبيق سرا على هاتف أولياء أمورهن بحيث سمح لهن بالسفر.

ومع ذلك يدعو ناشطون في مجال حقوق الإنسان شركتي أبل وغوغل إلى تعطيل تطبيق “أبشر” بشكل نهائي أو إلغاء الميزات التي تمكن الرجال من تتبع النساء.

وأدانت دانا أحمد، وهي باحثة سعودية في منظمة العفو الدولية، التطبيق، قائلة إن “التنبيهات النصية القصيرة شكلت مثالا آخر على كيفية قيام الحكومة السعودية بإنتاج أدوات للحد من حريات المرأة”. وأضافت أن “تعقب النساء بهذه الطريقة يحد من حركتهن ويبرز مرة أخرى نظام التمييز المزعج بموجب قوانين الوصاية”.

ويتم تطبيق نظام الوصاية في السعودية على النساء منذ عقود بحيث تحتاج المرأة إلى موافقة ولي أمرها في قضايا تخصها، وعادة ما يكون “الوصي” هو الأب أو الزوج وأحيانا العم أو الشقيق أو حتى الابن.

العرف الاجتماعي

السلطات السعودية تدرس مشروع متكامل لمعالجة الأخطاء في نظام ولاية الرجل على المرأة
السلطات السعودية تدرس مشروع متكامل لمعالجة الأخطاء في نظام ولاية الرجل على المرأة 

تُعرف الولاية في الشرع بأنها “سلطة شرعية لشخص في إدارة شأن من الشؤون، وتنفيذ إرادته فيه على الغير من فرد أو جماعة”، وفي الأصل تقع على من يعجز عن التصرف في نفسه وماله، مثل الُقصر والمتخلفين عقليا، وربطها الإسلام بالمرأة

عند الزواج. ويمتد تاريخ نظام الولاية في السعودية، إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الثالثة بعقود طويلة، ولم يكن نظاما مكتوبا.

وتستند السعودية في تطبيق نظام الولاية على تفسير لآية قرآنية، يختلف علماء الدين حول تفسيرها. وتطبق السعودية أحكام “الشريعة الإسلامية”، وتفرض قيودا واسعة على النساء، خصوصا لجهة اللباس والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة.

وفي ظل نظام ولاية الرجل التمييزي، يكون على كل امرأة وصي ذكر -أب، أخ، زوج، أو حتى ابن أو قريب- لديه السلطة لاتخاذ مجموعة من القرارات الحساسة نيابة عنها. تُلزَم النساء بالحصول على موافقة ولي الأمر لاستصدار جواز سفر، أو السفر إلى الخارج، أو الدراسة في الخارج بمنحة حكومية، أو الزواج، أو شراء وبيع العقارات، أو الخروج من السجن أو حتى من المستشفى.

وتتجاوز قوانين الولاية في السعودية الولاية القانونية التي تُلزم المرأة بوجود رجل لينهي إجراءاتها القانونية لتشمل كذلك الولاية الاجتماعية التي لا تستند إلى نصوص شرعية أو قانونية بل تخضع للأعراف والتقاليد، بيد أن أعراف الولاية الاجتماعية، تتجاوز حدود السعودية، فعدا دولة الإمارات التي تُعتبر رائدة في مجال تمكين المرأة، تعاني النساء في الكويت وقطر والبحرين من تبعات الولاية، فتحضر الولاية بشكل كعرف اجتماعي. واحتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى عربيا في تمكين المرأة لعام 2014، حسبما ذكر تقرير سنوي لمؤسسة المرأة العربية.

ويحتج المدافعون عن النظام المقيد للنساء، بأن التعسف في استخدامه نادر الحدوث، وأن هناك من يضخم الأمور لأهداف إفساد المجتمع، وهي حجج يرفضها حقوقيون.

وتنشر منذ 3 سنوات حملة على تويتر تردد صداها عالميا تطالب بإسقاط نظام الولاية.

وأبدت الكاتبة السعودية، سمر المقرن التي لطالما طالبت بإعطاء المرأة السعودية حقوقها، وقد أبدت عدم ارتياحها تجاه تلك الحملة التي تبين في ما بعد أنها مدعومة من جهات خارجية، بحسب وصفها “ليس همها المرأة السعودية وحقوقها، إنما همها أن تدفع هذه المطالب، وتستغل بعض النساء اللواتي يتجرّعن الألم، لتستخدم هذه الحملة ضد المملكة”.

وذكرت المقرن أن ثمة “أنظمة وقوانين مجحفة في حق المرأة في مجتمعنا، ومع فقداننا لأنظمة واضحة تحفظ حق المرأة التي تعاني من تسلط ولي أمرها، فقد اختلط الحابل بالنابل، وصارت كل فتاة أو امرأة للأسف تحمل أجندة مدفوعة أو ترغب في حرية غير منضبطة تهدف إلى الانفلات التام، تخرج في مواقع التواصل الاجتماعي، أو تراسل المؤسسات الإعلامية الأجنبية التي تبحث عن مواضيع الإثارة ضد السعودية، وتدعي كذبا أنها مظلومة”.

ويؤكد مختصون سعوديون، أن هناك رغبة حكومية في الحد من استخدام قانون الولاية، لكنهم يقولون “من الصعب تغيير قانون موغل في القدم، ونابع من موروث شعبي وتقاليد متشددة”.

ويقول منتقدون إن تأثيرهذه السياسات التقييدية على قدرة المرأة على اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها، يختلف من وضع إلى آخر، لكنه يرتبط بشكل كبير بإرادة وليّ الأمر. ففي بعض الحالات، يستخدم الرجال السلطة التي يمنحها لهم نظام الولاية لابتزاز قريباتهم اللواتي يكنّ تحت ولايتهم.

وقالت سعودية مفضلة عدم الكشف عن هويتها إنها عاجزة عن التحرر من زواج لم تعد تريد استمراره، لأن زوجها يرفض الطلاق ويحتجز جواز سفرها، بينما يقيم أهلها في الخارج. وتابعت “يرددها أمامي كل يوم: باتصال واحد مني، لن تعودي قادرة على مغادرة السعودية والالتقاء بأهلك”.

وقالت مي، التي عرفت نفسها على أنها طبيبة تبلغ من العمر 36 عاما، إنها تشعر بالحرج بعد أن أنجبت طفلين وحصلت على شهادة من جامعة هارفارد، لكن لا يزال يجري التعامل معها باعتبارها قاصرا. وقالت على تويتر “أنا مؤتمنة على اتخاذ قرارات يتوقف عليها موت أو حياة المرضى، مؤتمنة على تربية الأطفال… لكنني غير مؤتمنة على اتخاذ قراراتي الخاصة المتعلقة بحياتي. يا للمفارقة! أسقطوا الولاية”.

وأعلنت السلطات السعودية أنها بصدد دراسة مشروع متكامل لمعالجة الأخطاء في نظام ولاية الرجل على المرأة المثير للجدل.

تأتي الخطوة -وفق مراقبين- في إطار جهود المملكة لتخفيف الانتقادات الحقوقية لنظام الولاية.

وفي هذا الصدد، قال النائب العام السعودي، سعود المعجب، لصحيفة “عكاظ” المحلية إن المملكة “تجري دراسة على مشروع متكامل حول الإهمال في الولاية لمعالجة هذه القضية تمهيدا لرفعه إلى الجهات العليا لاعتماده”.

وأضاف المعجب، في ختام ندوة بالعاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي تناولت موضوع الإهمال في الولاية، أن النيابة العامة “لن تدخر جهدا في حماية الأفراد أيا كانوا نساء أو أطفالا أو آباء من تسلط الآخرين من خلال الصلاحيات النظامية في تحريك الدعاوى الجزائية حسب ما تنص عليه الأنظمة تطبيقا للشريعة السمحة وتوجيهات ولاة الأمر”.

وأوضح أن “النيابة العامة -بصفتها أحد أجهزة العدالة في السعودية- استشعرت مسؤوليتها تجاه المجتمع من خلال تبني عدد من البرامج والمشاريع التوعوية والاجتماعية للمساهمة في الحد من تجاوزات ضعاف النفوس الذين تسول لهم أنفسهم ممارسة سلوكيات خاطئة في نظام الولاية”، مشيرا إلى أن ما يصل إلى النيابة من شكاوى حالات قليلة لا تشكل ظاهرة. واستطرد “الشريعة الإسلامية كفلت حقوق الأفراد سواء كانوا ذكورا أو إناثا على حد سواء، وسارت بلادنا وولاة أمرنا على هذا النهج منذ توحيد البلاد من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية”.

التغيير المتأني

طريق السعوديات طويل
طريق السعوديات طويل

إن مكانة نظام الولاية بين القانون والعرف تجعله قضية شائكة أمام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، الذي لمح سابقا إلى أنه يفضل إنهاء هذا النظام، دون أن يؤيد إلغاءه.

ويقود الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) منذ تسلمه منصب ولي العهد في إحدى أغنى دول الشرق الأوسط، حملة إصلاح غير مسبوقة في إطار ما يسمى “رؤية 2030” أدت إلى تغييرات اجتماعية كبيرة في فترة زمنية قصيرة.

ومنذ تعيين الأمير محمد وليا للعهد، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز سلسلة من القرارات لصالح المرأة.

وقال الأمير محمد بن سلمان لمجلة أتلانتيك الأميركية “إذا أجبت بنعم على هذا السؤال، فهذا يعني أنني أسبب مشكلات للأسر التي لا ترغب في منح بناتها الحرية”.

وإلى جانب خطة “رؤية السعودية 2030”، فقد نفذت السعودية سلسلة من الإصلاحات على مدى السنوات الأخيرة لتخفيف القيود المفروضة على المرأة.

ففي يونيو 2016، منحت السعودية المرأة حق قيادة السيارة.

وفي عام 2015، منحت السعودية المرأة حصة نسبتها 20 في المئة في مجلس الشورى، وسمح لها بالترشح لانتخابات المجالس البلدية لأول مرة، وخففت القيود على سفرها دون مرافق في حال تعسف ولي الأمر، إن أحيل الموضوع إلى قاضي الأمور المستعجلة للبت في أمر سفرها. وفي عام 2013 صدر قانون “الحماية من الإيذاء” لحماية النساء والأطفال والخادمات من العنف المنزلي. وفي عام 2008 سمحت وزارة الصناعة والتجارة للمرأة بالإقامة دون ولي أمر في فنادق المملكة، إن كانت تملك هوية شخصية.

من جهة أخرى، وجدت دراسة أنه ليس كل النساء السعوديات معنفات. فقد أظهرت المقابلات التي أجراها الباحثون ومعدو التقرير، صورة أخرى وهي أن “بعض النساء يمتلكن ولي أمر يدعمهن ولا يسيء معاملتهن”. وتضيف “قلن لي إنهن محظوظات لأن ولي أمرهن شخص جيد”.

وتؤكد الكاتبة السعودية ياسمين باقر، المقيمة حاليا بولاية نيويورك، في مقال لها بمجلة “تايم” الأميركية هذا الأمر، فتشير إلى أنها من بين النساء اللواتي لديهن ولي أمر متفهم.

ولطالما تذرعت الشرطة والقضاء في السعودية بالعرف في حظر أمور معينة على النساء. وتنبع أوجه كثيرة من نظام ولاية الرجل من ممارسات غير رسمية وليس من القوانين.

ووضع التقرير العالمي حول الفجوة بين الجنسين لعام 2017، السعودية في المرتبة 138 من بين 144 دولة. والتقرير هو دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي حول أداء المرأة في مجالات الاقتصاد والسياسة والصحة والتعليم.

كان محمد العيسى وزير العدل السابق وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة قد قال إنه لا يوجد سبب لمنع المرأة من الحصول على جواز سفر أو السفر دون موافقة ولي رجل، لكن قبول المجتمع لهذا قد يستغرق وقتا. غير أن بعض السعوديات لا يردن الانتظار.

تقول زهرة (25 سنة) “كلنا نعيش في مساحة صغيرة رسم حدودها آباؤنا وأزواجنا”. وفي يونيو الماضي أعلنت الأميرة السعودية ريما بنت بندر، وكيل الهيئة العامة الرياضية للتخطيط والتطوير، رغبتها في إحداث تغييرات في نظام ولاية الرجل على المرأة. وقالت الأميرة ريما بنت بندر في لقاء تلفزيوني مع شبكة “سي.أن.أن” الأميركية إن “المرأة السعودية اليوم لا تحتاج إلى إذن من الرجل للعمل أو القيادة أو الدراسة”. ولفتت إلى أن ثمة مناقشات تجري حول نظام الولاية، لكنها لا تعرف إطارا زمنيا محددا يمكن البت خلاله في هذا الأمر، غير أنها أكدت إحداث هذا التغيير في المستقبل القريب على كل حال.

ويقول مراقبون إن الحراك النسوي السعودي حرّك المياه الراكدة في الخليج كله، مؤكدين على ضرورة الاستفادة من معايشة جيل نسوي مختلف.

قوانين الولاية في السعودية تتجاوز الولاية القانونية التي تُلزم المرأة بوجود رجل لينهي إجراءاتها القانونية لتشمل كذلك الولاية الاجتماعية التي لا تستند إلى نصوص شرعية أو قانونية بل تخضع للأعراف والتقاليد
قوانين الولاية في السعودية تتجاوز الولاية القانونية التي تُلزم المرأة بوجود رجل لينهي إجراءاتها القانونية لتشمل كذلك الولاية الاجتماعية التي لا تستند إلى نصوص شرعية أو قانونية بل تخضع للأعراف والتقاليد

 

20