مصنع إيراني ينتج الأعلام الأميركية وسط التوترات مع الولايات المتحدة

خومين (إيران) - من النادر أن ترى في أي مكان بإيران أعلاما أميركية، حيث تعد الولايات المتحدة عدوا لدودا، وبالتزامن مع الحرب في غزة تتصاعد التوترات التي تختمر منذ سنوات بين الجانبين.
ولكن في بلدة صغيرة تقع وسط إيران، لا تزال الآلات تنتج الأعلام الأميركية، وتطرز “النجوم والشرائط” التي تزينها بدقة بالغة. ويميل الجو إلى الدفء في قاعة المصنع الكائن ببلدة خومين، حيث يعمل العمال بنظام القطعة.
وزاد عدد الطلبات على الأعلام منذ بداية الحرب في الشرق الأوسط، التي انطلقت بسبب الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل، ورد إسرائيل عليها بقصف غزة.
وفي الكثير من الأحيان تتعرض الأعلام الأميركية للدوس بالأقدام، أو إشعال النار فيها وسط الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية.
في الكثير من الأحيان تتعرض الأعلام الأميركية للدوس بالأقدام، أو إشعال النار فيها وسط الاحتجاجات في إيران
ومظاهر الغضب هذه على الأعلام الأميركية ظلت حتى الآن تجرى في الذكرى السنوية لاندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، ويتخذ رئيس المصنع أبوالفضل خانشاني موقفا يسعى لعدم تضخيم الأمور، عندما يُسأل عن هذه الاحتجاجات، ويقول “يتم تصويرها غالبا في الخارج بصورة مثيرة”.
ويوضح أن إحراق الأعلام هو في المقام الأول “رمز للاحتجاج” ضد السياسة الأميركية.
وتنتج الشركة في بلدة خومين، والتي يعمل بها 120 موظفا، نحو 5.3 مليون علم سنويا، ويشير خانشاني إلى أن الأعلام الأميركية تمثل نسبة ضئيلة للغاية من هذه الكمية.
ويزود مصنعه عددا كبيرا من الزبائن بالأعلام، بدءا من الفنادق ووصولا إلى السفارات.
كما ينتج فريق العمل أعلاما للمجموعات الدينية والسياسية، وفي منطقة أخرى من المصنع يتم إنتاج مئات من الأعلام لصالح ميليشيا حزب الله اللبناني.
وفي نهاية خط الإنتاج تتم صناعة الأعلام الفلسطينية، وتهدر آلات الحياكة بشكل متواصل طوال اليوم.
وتبعد بلدة خومين نحو 300 كيلومتر عن العاصمة الإيرانية طهران، وهذه البلدة الصغيرة هي مسقط رأس قائد الثورة الإمام الراحل روح الله الخميني، الذي كان معارضا بشدة لإسرائيل والولايات المتحدة، حتى قبل اندلاع الثورة عام 1979.
ويسود جو من التقاليد والتراث في هذه البلدة، ويقول خانشاني الذي نشأ فيها وتعلم صناعة الأعلام من أبيه “إن البلدة لم تكن دائما على هذا الحال”.
وأحد الأعلام الخاصة التي ينتجها المصنع هو العلم الإسرائيلي، ومثله في ذلك مثل إيران نفسها لا يعترف خانشاني بالدولة اليهودية، وهذا هو السبب في أن الأعلام التي تحمل نجمة داوود الزرقاء تزخرف عادة بكلمات فارسية تقول “الموت لإسرائيل”.
ويشعر خانشاني بالغضب بسبب الضربات الجوية التي توجهها القوات الإسرائيلية إلى غزة، في أعقاب العملية التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي.
وانتقد خانشاني واشنطن لمعاييرها المزدوجة، عندما يتعلق الأمر بحماية أرواح المدنيين، وتساءل “كيف يفترض أن يفرق المدنيون، الذين تقتل عائلاتهم، بين القصف بالقنابل والإرهاب؟”.
وهو يرى نفسه رجلا منفتحا على العالم، ويقول إن المجتمع الإيراني يتعرض غالبا لانتقادات غير عادلة. ويضيف خانشاني، الذي يتمنى أن يسود السلام في المنطقة، “الإنترنت غيرت العالم، ولم يعد بوسعك أن تصنف الناس على أنهم طيبون أو سيئون”.
ويتابع “لدى إيران علاقات جيدة مع دول المنطقة، غير أنه ينبغي أن تخضع هذه العلاقات للمصالح الإيرانية”.
في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل تم إطلاق الألعاب النارية في ميدان فلسطين بطهران، واحتفل مؤيدو النظام بالهجوم وأعلنوا تضامنهم مع حماس
وفي حين أن المظاهرات ضد السياسات الأميركية كانت جزءا من عقيدة الدولة الإيرانية لأكثر من 40 عاما، فإن العقوبات الأميركية الصارمة تسبب للاقتصاد الإيراني مشكلات خطيرة.
وأدت خطوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب -والمتمثلة في الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران عام 2015، والذي كان يهدف إلى وضع قيود على برنامجها النووي- إلى تبديد الأمل في إمكانية تحقيق تقارب بين طهران والغرب.
وأدى هذا التطور إلى خيبة أمل هائلة في إيران، ومع ذلك ووسط موجات الاحتجاجات كانت الانتقادات في الغالب توجه بشكل متزايد إلى القيادة الإيرانية ذاتها.
وفي أعقاب هجوم حماس على إسرائيل تم إطلاق الألعاب النارية في ميدان فلسطين بطهران، واحتفل مؤيدو النظام بالهجوم وأعلنوا تضامنهم مع حماس.
كما أشادت القيادة الإيرانية بالهجوم بعد وقوعه ببضعة أيام، غير أن الزعيم الديني آية الله علي خامنئي رفض أي تدخل مباشر في الصراع.
ومع ذلك كانت إيران محط أنظار العالم لعدة أسابيع، حيث اتهمت الولايات المتحدة وإسرائيلُ الجمهورية الإسلامية بدعم حماس على مدار سنوات.
وهنا يدور تساؤل حول مدى كراهية الإيرانيين لإسرائيل؟ وفي هذا الصدد يقول المؤرخ آراش عزيزي، في مقال نشره المركز الفكري الأميركي “أتلانتك كاونسل”، “رغم سنوات من محاولات التلقين العقائدي، فإن السلوك المعادي لإسرائيل لم يتجاوز المؤيدين الأكثر صخبا للنظام”.
ويشير إلى أن الدليل على ذلك هو هتافات الآلاف من مشجعي كرة القدم ضد تضامن الحكومة الإيرانية المنظم مع فلسطين، أثناء مباراة لكرة القدم، أقيمت في طهران بعد يوم من هجوم حماس.
وفي تغريدة له على موقع إكس يقول صادق زيباكلم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، “أتمنى أن يتمكن المسؤولون في النظام من أن يشرحوا للمواطنين ما هي الفوائد التي ستجنيها المصالح القومية الإيرانية من هذه الهجمات”.