مصمم لبناني يعود من كندا لأجل عيون سيدات "الشوف"

الإبداع هو الاختلاف، هذا ما ينطبق على مصمم الأزياء اللبناني سليم عزام الذي اختار البساطة والطبيعة لتكونا بصمة علامته في التصميم، فاستعان بسيدات منطقة الشوف المبدعات في فن التطريز ليخرج به من المحلية إلى العالمية.
بيروت - بعد أن حصل سليم عزام على شهادة الماجستير في التصميم التواصلي والبصري من الجامعات الكندية لم يختر عاصمة من عواصم الموضة ليستقر بها، بل اختار العودة إلى قريته في منطقة الشوف لينطلق من الطبيعة والبساطة.
يقول عزام، إنه اختار الأزياء لعشقه فن التطريز، “أنا اخترت الأزياء لأنني اخترت التطريز وأردت أن أعطيه فرصة ثانية حتى يسافر خارج حدود القرى والضيع”.
ويضيف، أنه كان يعشق تفاصيل ضيعته الصغيرة التي نشأ وترعرع بين ربوعها فكانت الزهور الملونة والعصافير التي تحلق في سمائها وطبيعة أرضها الخلابة، بل وملابس نسائها المطرزة يدويا مصادر أساسية في إلهامه عند تصميم تشكيلاته المختلفة.
وبدأ يسلط الضوء على العادات والتقاليد وينقل قصص الضيعة المشوّقة إلى العالم من خلال رسوماته التي خرج بها عن المألوف في عالم تصميم الأزياء، كما أنه اختار أن يهتم بالعجائز والسيدات في قريته بدل أن يهتم بالنجوم من الحسناوات، كما يفعل كل من يريد أن يسجل علامته في عالم الموضة.
عزام يسلط الضوء على العادات والتقاليد وينقل قصص الضيعة المشوّقة إلى العالم من خلال رسوماته التي خرج بها عن المألوف في عالم تصميم الأزياء
يقول عزام “يعد التطريز جزءا كبيرا من هوية منطقة الشوف، تمارس النساء التطريز منذ سنوات طويلة ووجدن أنه وسيلة رائعة ليعبرن بها عن أنفسهن”، ويتابع قائلا، “إنه أمر مهم جدا”.
ويضيف أنه “بسبب الملابس الدينية التقليدية التي ترتديها النساء، فهن لا يتنقلن كثيرا خارج الجبل، لذلك لا يعد هذا النوع من الحرف وسيلة عمل يلجأن إليها فقط للحصول على المال ولكن أيضا وسيلة للتعبير عن أنفسهن”.
في كندا، دخل سليم إلى عالم التصميم من بابه الاجتماعي وليس التسويقي فحسب، ومع عودته إلى لبنان من خلال مؤسسة “ستارتش فاونديشن” الداعمة لمصممي الأزياء اليافعين، التفت إلى عدد كبير من سيدات جبل لبنان الموهوبات في مجال التطريز موضحاً أن “النساء غير العاملات في القرى الجبلية يعتمدن في معظم الأحيان على فن التطريز لكسب المال والرزق، لكنهن مع الأسف لا يجدن طريقةً لتسويق منتجاتهن أو يبعنها مقابل أسعار زهيدة لا تكفي ثمن أتعابهن”.
وافتتح المصمم الشاب أتلييه “سليم عزام” للأزياء في المنطقة ذات الأغلبية الدرزية في جبل لبنان، حيث “تجد تصميمات فريدة من نوعها، تحاك بالكثير من الإبداع وتروي مع كل غرزة وغرزة حكاية سيدات محترفات امتهن الزخرفة فأبدعن”.
يقول المصمم الشاب، إن همه الأكبر كان تأمين فريق العمل لديه والإبقاء عليهن في جو من الإبداع والطمأنينة والهدوء.. حتى يظللن شاعرات بأن الورشة مكان آمن وسعيد بغض النظر عما يحدث في الخارج”.
وتعيد هذه الأزياء المستوحاة من العادات والتقاليد الشاب اللبناني إلى المجتمع الجبلي الذي كبر وترعرع فيه، عندما كان التطريز حكرا على الأغطية والقطع المنزلية، ويوم كان لكل حدث ومناسبة رسومات وتطريزات مختلفة.

يقول سليم، “لا شك أن حياة السيدات تغيّرت كثيراً في ظل هذا العمل” مضيفا، أن “الدورات التدريبية في بيروت كانت خطوة جديدة وجريئة بالنسبة إليهن، والتعامل مع الأقمشة القطنية والرسمات الدقيقة كان تحدياً أيضاً، فالتطريز سابقاً كان يقتصر على شراشف الطاولة أو رسمات الورود التي لا تلبث أن تتكرر، أما اليوم فهن يحققن ذاتهن ويعرضن أفكارهن في كل مجموعة جديدة، فلا عودة أبداً إلى زمن شرشف الطاولة”.
ويشير إلى أن كل قطعة في هذا المكان مشغولة يدوياً ومطرزة بطريقة احترافية مع تصاميم مستوحاة من الطبيعة والورود والعصافير وتراث منطقة شوف.
وأضاف، “التطريز أمر متعب ولكن عندما تقوم بتطريز قطعة معينة تشعر بقيمتها. وهذا العمل يعيدني إلى السنوات الماضية إلى أيام جدتي أو جدة أمي”.
عزام فاز بجائزة “فاشن تراست آرابيا” عن فئة الملابس الجاهزة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن الرحلة لم تنته بالنسبة إليه عند هذا الحدّ، فمشروعه انطلق من الشوف ومن الشروال وروايات قرية باتر، إلا أنه قد يحطّ رحاله في أي مجتمع وأي منطقة، ليحفر في ماضيها وثقافتها وحكاياتها ويستخرج منها قدرات الناس وحرياتهم.