مصممون شباب سعوديون في مهمة خاصة لإنشاء علامة تجارية للأزياء

التصميمات الإبداعية تزدهر في "النهضة الثقافية السعودية".
الأحد 2022/03/27
الأزياء تعكس الإطلالة الثقافية

يبدو إنشاء علامة تجارية للأزياء خاصة بالسعودية مهمة جديدة للمصممين الشباب في السعودية ضمن “نهضة ثقافية” شاملة، خاصة أن المشهد الثقافي لا يكتمل إلا من خلال ارتداء أنماط مستوحاة من الأزياء التراثية التقليدية لتعكس الإطلالة الثقافية.

الرياض – يؤكد خبراء عالميون في مجال تصميم الأزياء وجود فرص كبيرة لنجاح صناعة الأزياء السعودية ونقلها إلى عالم الموضة العالمية، نظراً لكثرة المبتكرين السعوديين في هذا المجال والرعاية التي يتم توفيرها للمصممين الشباب من أجل إنشاء علامة تجارية للأزياء خاصة بالسعودية.

مستقبل صناعة الأزياء

لفت مصمم الأزياء السعودي محمد خوجة إلى أن صناعة الأزياء في المملكة تزدهر في إطار “نهضة ثقافية” شاملة.

وأضاف في محاضرة بعنوان “بناء علامة تجارية للأزياء في مملكة دائمة التغير”، ضمن معرض “نحن الإبداع”، إن “الأبواب كانت مغلقة تقليديًا أمام المبدعين السعوديين في الماضي، لكنها تفتح الآن”.

وتضمن معرض “نحن الإبداع” -الذي حمل شعار “تكنولوجيا ومستقبل صناعة الأزياء”، برعاية “هيئة الأزياء” وبإشراف من شركة “النسيج العربي”- العديد من الفعاليات الهادفة إلى دعم قطاع الأزياء، ومن أبرزها إقامة ورش تدريبية متنوعة في مجال الأزياء، وإتاحة التسجيل في عدة دورات تدريبية مختصة بالأزياء، كما تضمن عرضاً للمشاريع النموذجية المقترحة سواء المشاريع الكبيرة لرجال الأعمال أو مشاريع رواد الأعمال الجدد.

وسعى المعرض لتحقيق العديد من الأهداف، ومن أبرزها المساعدة على إحداث نقلة نوعية للمشاريع القادمة في مجال تصميم الأزياء بالسعودية من خلال توسيع قدرتها على الوصول إلى التقنيات المناسبة للإنتاج، وتمكين رواد الأعمال الجدد من الحصول على المعلومات المناسبة لبدء مشاريعهم الاستثمارية ودعمها، وتمكين الجهات ذات العلاقة بالقطاع من غير المنتجين من الاطلاع على آخر المستجدات والتطورات في أدوات تقنية الأزياء، وعكس هذه المعارف على برامجها وأهدافها المستقبلية.

وقال خوجة “لقد تم التعامل مع المملكة العربية السعودية بشكل أساسي في ما يتعلق بقوتها الشرائية، ولكن نادرًا ما تم التعامل مع إبداعها، وهذا يتغير الآن”. وتابع “نحن محظوظون لأننا نعيش في مثل هذا الوقت المناسب في المملكة العربية السعودية الذي يبدو حقًا وكأنه نهضة ثقافية. لقد بدأت العديد من المبادرات والمشاريع المذهلة في الازدهار، ونحن الآن نشهد بالفعل كل الإمكانات الإبداعية الملهمة للمملكة والمنطقة تتزايد”.

وشدد خوجة على أن النقص التاريخي في القدرة التصنيعية في المملكة “تتم معالجته الآن بشكل متزايد” من خلال مساعدة المشترين وتجار التجزئة الذين “يستثمرون في مصممينا المحليين”.

وأشار إلى أهمية فتح قنوات اتصال وخلق علاقات تعاون هادفة وأصيلة.

واستوحى خوجة من رواية القصص تصاميم أزياء يمكن ارتداؤها، مما أدى إلى استنباط تصاميم فاخرة ومعاصرة للملابس الجاهزة المستوحاة من شعار “يلتقي الشرق بالغرب”. وغالبًا ما تمزج تصاميمه بين مختلف عناصر التراث السعودي، حيث تدمج مجموعته الأولى التفسيرات المعاصرة لأنماط فن القط العسيري. كما أنه يجمع بين حبه للفن المعاصر والأفلام والموسيقى في قطع أثرية تواكب أحدث صيحات الموضة. وقد تم جمع بعض ملابسه نظرًا لأهميتها الثقافية والتاريخية، من قبل مؤسسات مرموقة مثل متحف فيكتوريا وألبرت في المملكة المتحدة والمتحف الوطني للثقافات العالمية في هولندا.

وفي الآونة الأخيرة توسع خوجة في صناعة الأثاث، حيث كان زبونه الأول هو فندق إعمار الذي سيتم إطلاقه قريبًا في أبحر بجدة.

وقال المصمم السعودي الشاب “غالبًا ما أستخدم الموضة كوسيلة لرواية قصة وأنا محظوظ بما يكفي لأن بعض هذه القطع كانت تعتبر جديرة بما يكفي لجمعها وعرضها في المتاحف”. وأضاف خوجة أنه “واثق ويتطلع إلى مستقبل مشرق للغاية لصناعة التصميم السعودية والإقليمية. أشعر بأننا سنحقق على الأرجح أهدافنا المتوقعة بشكل أسرع مما نتخيل”.

استراتيجية هيئة الأزياء

إرث غني بالألوان والتصاميم
إرث غني بالألوان والتصاميم

كانت هيئة الأزياء السعودية أعلنت في مايو من العام الماضي عن انتهائها من تصميم استراتيجيتها لتطوير قطاع الأزياء في السعودية، والمتوائمة مع الاستراتيجية الوطنية للثقافة، والتي ستبدأ الهيئة -على ضوئها- بالعمل على تنفيذ مبادرات ومشاريع تعزز الهوية الوطنية لصناعة الأزياء السعودية، وتخدم المنتمين إلى القطاع من مصممين ومستثمرين ومبدعين في كافة تخصصات هذه الصناعة الوليدة في السعودية.

وأكد الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء بوراك شاكماك، بأن الاستراتيجية تم تصميمها من أجل ضمان إنشاء البنية التحتية الأساسية المناسبة لتطوير صناعة الأزياء السعودية، مضيفاً أن “المملكة العربية السعودية تمتلك إمكانات ومواهب كبيرة تؤهلها لأن تكون مثالاً ممتازاً لكيفية بناء قطاع أزياء مبتكر ومستدام ويعبّر عن أصالة الهوية السعودية، وذلك من خلال الاعتماد على سلسلة القيمة في القطاع، والعمل مع الشركاء على توفير برامج تعليمية وتدريبية، وتطوير ريادة الأعمال، وتعزيز نوافذ ومسارات البيع بالتجزئة، والسعي لدعم وتمكين شركات الأزياء المحلية والارتقاء بعلاماتها التجارية إلى مستوى المنافسة الدولية”.

وصممت هيئة الأزياء استراتيجيتها انطلاقا من دراسة تحليلية لقطاع الأزياء في وضعه الراهن، تضمنت مقارنات معيارية حول سبل تطوير القطاع والنهوض به، نتج عنها تحديد عدة عوامل تمكين، منها: البحوث والإبداع في مجالات الأزياء، وتطوير المنتجات، والتصنيع وسلسلة الإمداد، والتوزيع والتجزئة، والعلامة التجارية والتسويق والتواصل، وإدارة دورة حياة المنتجات، والمُمكّنات.

وقد دعّمت الهيئة تقييمها لصناعة الأزياء في المملكة بآراء مجتمع الأزياء السعودي، وخلصت إلى مجالات محددة ينبغي التركيز عليها لتطوير القطاع، تتمثل في تطوير برامج تعليمية وتدريبية قادرة على تقديم خريجين مستعدين للدخول مباشرة في سوق العمل، وتوفير قنوات لتوزيع منتجات المصممين المحليين، وتوحيد منظومة القطاع بما يُحقق الربط بين المصمم والمستثمر والمستفيد النهائي، إلى جانب رفع كفاءة القطاع ليستوعب المنتجات عالية التصنيع، ويوفر خدمات الدعم وتطوير المنتجات، مع التأكيد على الهوية الوطنية التي تعكس إرثاً غنياً للأزياء السعودية.

وتمتلك هيئة الأزياء رؤية واضحة تتمثل في “الارتقاء بقطاع الأزياء في المملكة من خلال الثقافة، وتعزيز التراث والهوية الوطنيّين، وتلبية الاحتياجات العالمية، وتحقيق الأثر في الاقتصاد الوطني”، فيما تركز رسالتها على “تمكين تطوير قطاع الأزياء وتحقيق ازدهاره ليكون مستداماً وجامعاً ومتكاملاً في مختلف مراحل سلسلة القيمة، وتعزيز المواهب والخبرات والكفاءات المحلية”.

الأزياء التراثية التقليدية

وستعمل هيئة الأزياء وفق ذلك على تنفيذ 20 مبادرة تخدم القطاع وتعمل على تطويره، وتدعم منتسبيه، وهي: وضع اللوائح الداخلية لقطاع الأزياء، وإطلاق جمعية محترفي الأزياء السعوديين، وسرد أعمال هيئة الأزياء وهوية الأزياء السعودية والمصممين من خلال قنوات التواصل والفعاليات، وتفعيل أستوديو لدعم المصممين في تطوير المنتجات، وتشجيع الاستثمار في البحث والتطوير في تقنيات المنسوجات المستدامة والمبتكرة، والمساهمة في تطوير الأحياء الإبداعية بوصفها نواةً للصناعة الإبداعية، وقياس تطور صناعة الأزياء السعودية من خلال جمع البيانات وتقييمها، ودعم معارض الأزياء الوطنية والدولية، وإعداد برنامج إرشادي للمصممين، وتوسيع وإثراء تعليم الأزياء في السعودية من خلال تحديث المناهج الدراسية وتقديم دورات قصيرة وبرامج بشهاداتٍ معتمدة ودروس احترافية حديثة، وإرساء شبكة من المؤسسات المعنية بتطوير المنتجات في القطاع الخاص، ودعم تطوير فرص البيع بالتجزئة للمصممين المحليين، وجذب الاستثمارات لتطوير نظامٍ محليٍّ لتصنيع الأزياء، وعقد الشراكات مع المؤسسات التعليمية الدولية المرموقة، ووضع برنامج للتعاون بين مختلف الجهات والمؤسسات السعودية الأخرى، وتعزيز إمكانية الوصول إلى المواد الأولية ومزودي خدمات التصنيع، وإنشاء شبكة رقمية لتسهيل التواصل بين العاملين في القطاع، وإطلاق برامج احترافية لتطوير العلامات التجارية المحلية، ودعم المشاركة في مؤتمرات ومناسبات الأزياء الدولية، وإنشاء مركز للأزياء من أجل دعم المواهب الناشئة، مع تسهيل الوصول إلى وسائل التصنيع والمعرفة.

الأزياء التراثية التقليدية تجلت بحُلّة معاصرة أضفت تميّزاً على فعاليات "كأس السعودية"، وكانت بمثابة منصة هامة لمواصلة تعزيز التراث والهوية السعودية

وتغطي هذه المبادرات نطاق عمل هيئة الأزياء في المنظومة الثقافية، والمتمثل في صياغة قصة للحفاظ على الهوية السعودية التقليدية والراسخة، والمساهمة في تعزيز ازدهار منظومة ثقافية وتعليمية مناسبة؛ لتمكين وتعزيز التعبير عن التراث والهوية السعوديَّين ومواهب المصممين، بالإضافة إلى دورها الفاعل كجهة معنية بتكامل المنظومة من خلال التنسيق مع أصحاب المصلحة، وتعزيز التحسين المستمر للإطار القانوني، وإقامة شراكات طويلة الأجل مع جهات في المنظومة لضمان النمو وتسريعه، والترويج للقطاع محلياً وعالمياً.

وفي ديسمبر الماضي نظمت هيئة الأزياء معرض “التراث السعودي” الذي يعد من مخرجات برنامج “100 براند سعودي” الذي نظمته الهيئة لدعم وتطوير 100 علامة تجارية سعودية للأزياء من أجل تنمية أسواقها المحلية والدولية بالتدريب والتوجيه والاستشارات.

وقال الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء بوراك شاكماك “في ظل الاعتزاز المتنامي لدى مصممي ومصممات المملكة بتراثهم وثقافتهم، يسر هيئة الأزياء أن تكون قادرة على مشاركة هذا الاعتزاز وتقديم مفاهيم التصميم المذهلة التي يملكها هؤلاء المبدعون من خلال معرض ‘التراث السعودي’ الذي يظهر اتساع وعمق المواهب السعودية في مجال الأزياء، وقد كان من المذهل رؤية المصممين يستمدون الإلهام ليس من تاريخهم وقيمهم المشتركة فحسب، بل من محيطهم الطبيعي. وإننا نأمل أن يلهم المعرض كل من يأتي إليه”.

يذكر أن معرض “التراث السعودي” أقيم بالتزامن مع “مستقبل الأزياء”، الحدث الرائد في المملكة العربية السعودية، والذي تنظمه هيئة الأزياء وتستضيف فيه خبراء الأزياء وكبار الشخصيات والمصممين المحليين والدوليين، عبر بث مباشر من عدة أستوديوهات في مدينتَي الرياض ونيويورك الأميركية.

احتفاء بالمواهب

المرأة

في إطار الاحتفاء بالمواهب المحلية في التصاميم والأزياء تضمنت فعاليات “كأس السعودية” خلال فبراير الماضي الشراكة مع وزارة الثقافة من خلال برنامج هيئة الأزياء 2022 بعنوان “100 براند سعودية” والذي سلّط الضوء على تراث الأزياء التقليدية السعودية.

وتجلت الأزياء التراثية التقليدية بحُلّة معاصرة أضفت تميّزاً على فعاليات “كأس السعودية”، وكانت بمثابة منصة هامة لمواصلة تعزيز التراث والهوية السعودية، وقد حملت تواقيع مصمّمات ومصمّمين سعوديين وعلامات تجارية سعودية متخصّصة في تصميم الأزياء.

وسلط البرنامج الضوء على إرث الأزياء التقليدية الغنية بالألوان والتصاميم التي تعكس روح المملكة وهويتها المتنوعة، وقدمت 100 علامة تجارية سعودية الزي التراثي الفريد، بعرض 15 مصممًا سعوديًا قطعًا لمرة واحدة -مستوحاة من التراث السعودي- خصصت حصريًا لـ”كأس السعودية”.

وتضمنت الفعاليات الثقافية في “كأس السعودية” ركناً للأزياء منبثقًا من مبادرة هيئة الأزياء “100 براند سعودي”، وحضر فيه 23 زيّاً تقليدياً بطابع عصري، بصفتها أعمالاً سعودية، ومن ضمن تلك الأعمال قامت المصممة السعودية نورا حفظي بإعداد زي نسائي استوحته من طفولتها التي أمضتها في المدينة المنورة غرب المملكة، مستنبطة فكرتها من الأبواب والرواشين والأرائك المخملية التي أخذت الصبغة الخضراء، كما هو الحال في لون عملها المزركش، بينما أُخذ عمل دار “جينو” السعودية من زيّ العرضة السعودية بمعايير حديثة، والمكوًّن من “الصاية” و”المرودن”.

وبالإضافة إلى إنشاء علامة تجارية للأزياء خاصة بالمملكة، يحاول قطاع تصميم الأزياء السعودية الاستفادة من سوق الأزياء المحتشمة التي تعرف رواجا كبيرا لدى الأوساط الغربية، وتحظى باهتمام بالغ لدى مصممي الأزياء الغربيين، سعيا وراء جني الأرباح الطائلة.

وتستهدف الموضة الزبائن من جيل الألفية من المسلمين واليهود المحافظين والمسيحيين الإنجيليين.

ويتوقع أن تصل قيمة سوق الأزياء المحتشمة التي تغطي الكتفين والفخذين والساقين -بحلول عام 2022- إلى 373 مليار دولار، مقابل 254 مليار دولار في 2016، وفقا لتقرير “وضعية الاقتصاد الإسلامي العالمي 2017 – 2018” الذي نشرته وكالة رويترز.

17