مصطفى الكاظمي خيار مثالي لرئاسة الحكومة إلا عند المالكي والعامري

الأحزاب الشيعية تخشى تكرار نموذج فشل عادل عبدالمهدي.
الجمعة 2021/10/08
طموح البقاء على نفس الكرسي

يدرك مصطفى الكاظمي أن تسميته لفترة ثانية لا يمكن أن تمر إلا عبر بوابة مراكز القرار في طهران وعدم اعتراض واشنطن. ويحتاج إلى قبول مبدئي من مرجعية النجف ومباركتها.

بغداد - يدفع رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي بقوة لإنجاح الانتخابات التشريعية المؤمل إجراؤها الأحد المقبل لاختيار أعضاء مجلس النواب وبالتالي تشكيل حكومة جديدة. ويأمل الكاظمي في أن يستثمر نجاح الانتخابات في تجديد ولايته في رئاسة الحكومة، بالتنسيق مع قوى داعمة له في مقدمتها التيار الصدري برئاسة رجل الدين مقتدى الصدر.

ومع أن الكاظمي يواجه رفضا من قبل تحالف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتحالف الفتح برئاسة هادي العامري الذي يجمع ميليشيات الحشد الشعبي، إلا أنّ التفاهمات السياسية مع الصدريين والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني وتحالف “تقدم” برئاسة رئيس البرلماني الحالي محمد الحلبوسي، تساعد الكاظمي للبقاء في موقعه. وكشفت مصادر إعلامية ضمن فريق الكاظمي أنهم يعملون ويضعون الخطط الحكومية باعتبارهم مستمرّين في عملهم في الحكومة الجديدة.

وعزت المصادر في تصريح لـ”العرب” استمرارية العمل، إلى القبول السياسي والشعبي بالكاظمي بوصفه الخيار المثالي المستقل في رئاسة الحكومة الجديدة. وقالت إن تحقيق التيار الصدري نسبة جيدة في المقاعد سيكون في صالح الكاظمي بوصفه خيار الصدريين لترأس الحكومة.

وتعتمد تسمية الكاظمي، مرشحا مستقلا لرئاسة الوزراء على فشل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، التي سيُعلن عنها في أول جلسة لمجلس النواب وتسمية مرشحها، وفشل هذا المرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات أعضاء المجلس لمنح الثقة لحكومته الجديدة.

 

المرشح لرئاسة الوزراء يحتاج إلى قبول مبدئي من مرجعية النجف ومباركتها، على الرغم من تصريحات ممثليها بعدم التدخل في الشؤون السياسية للبلد

وعادة ما تلجأ القوى الفائزة بعدد غير كاف من المقاعد البرلمانية إلى تحالفات ما بعد الانتخابات لتشكيل الكتلة الأكبر التي يتاح لها اختيار رئيس الحكومة المقتصر على الشيعة وفق المحاصصة الطائفية.

وسيؤدي الفشل “المتوقع” في تشكيل الكتلة الأكبر إلى اللجوء إلى خيار مرشح “توافقي” من خارج الكتل السياسية، مع احتمال أكبر لإعادة تسمية الكاظمي. وقال المحلل السياسي العراقي شاهو القره داغي "إن الكاظمي عمل على عدة جهات لضمان اختياره وتجديد ولايته للمرة الثانية في حال عجزت القوى السياسية الشيعية عن اختيار شخصية توافقية مناسبة لهذا المنصب”.

وأضاف القره داغي مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات الاستراتيجية في تصريح لـ”العرب”، “هناك خشية لدى بعض الأطراف الشيعية من تكرار نموذج عادل عبدالمهدي الذي فشل في إدارة المشهد وتسبب بالكثير من المشاكل”.

وأشار إلى أن الكاظمي عمل أيضا على تحويل العراق إلى ساحة لتقارب القوى الإقليمية ومحاولة تحويل العراق إلى وسيط لمعالجة المشاكل وبالتالي إعطاء إشارات إلى أطراف خارجية أيضا بضرورة بقائه خلال المرحلة القادمة لاستكمال هذه الخطوات والحفاظ على التهدئة النسبية الموجودة داخل الساحة العراقية التي على ما يبدو هو خيار القوى الدولية أيضا.

وعزا القره داغي سبب عدم ترشح الكاظمي وتراجعه عن دعم الحزب الذي تم تأسيسه من قبل المقربين منه يعود إلى وجود توافقات لإعادة اختياره من جديد مقابل هذا الانسحاب وضمان دعم الصدريين له في المرحلة القادمة.

وفي بداية وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء كان الرأي السائد أنه جاء ممثلا للحركة الاحتجاجية التي أرغمت سلفه عادل عبدالمهدي على الاستقالة بعد عجزه عن حماية المحتجين وتقديم المسؤولين عن قتلهم إلى القضاء.

لكن الكاظمي هو الآخر فشل في تمثيل المحتجين وحماية الناشطين الذين زادت عمليات استهدافهم بعد استلامه السلطة، مع عجز واضح عن القبض على الجهات التي تقف خلف منفذي عمليات الاغتيال.

وقد يكون الكاظمي رئيس الوزراء الوحيد الذي مرت فترته، رغم قصرها (2020 – 2021)، ورغم مهامها المحددة، دون صِدام “حقيقي”، أو خلافات عميقة مع كتلة نيابية أو أكثر.

شاهو القره داغي: توجد توافقات لإعادة اختيار الكاظمي رئيسا للحكومة

وأجاد الكاظمي خلق حالة توازن بين علاقاته الوثيقة بإيران وقادة “الفصائل المتنفذة” في الحشد الشعبي من جهة، ومن جهة أخرى علاقاته بعيدة المدى مع الولايات المتحدة التي تفاوض معها على الانسحاب من العراق استجابة لإرادة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران.

ويدرك الكاظمي وغيره أن تسميته لرئاسة الوزراء لا يمكن أن تمر إلا عبر بوابة مراكز القرار في طهران وعدم اعتراض واشنطن.

ويحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى قبول مبدئي من مرجعية النجف ومباركتها، على الرغم من تصريحات ممثليها بعدم التدخل في الشؤون السياسية للبلد.

لكن الكاظمي سيواجه تحدي القدرة على إقناع الكتل والأحزاب السياسية الأخرى التي ساهمت في تمرير تسميته لرئاسة الوزراء في مايو 2020، وإعادة تسميته لهذا المنصب لأربع سنوات قادمة.

وباتت هذه الكتل والأحزاب على قناعة بأن الكاظمي في حقيقته سيكون مرشحا عن الكتلة الصدرية دون إعلان رسمي.

في مقابل ذلك هناك احتمالات لزيادة فرص التجديد للكاظمي من خلال الدعم الإقليمي والدولي له، بعد أن أثبت نجاحه في خلق موازنة في علاقاته الشخصية، وعلاقات العراق مع كل من الولايات المتحدة وإيران، وهما فاعلان رئيسيان في تسمية مرشحي رئاسة الوزراء، كما حصل في الدورات الانتخابية الأربع السابقة.

ومن بين أكثر الإشكاليات تعقيدا في مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية، المقررة الأحد، التنافس الحاد والخلافات بين الكتل السياسية “الشيعية” في مجلس النواب الجديد على تسمية المرشح لتولي منصب رئاسة الوزراء، السلطة التنفيذية الأعلى التي تستحوذ على الجزء الأكبر من قرار الدولة.

ودفعت الانقسامات المجتمعية بين المكونات الأساسية بعد غزو العراق عام 2003، باتجاه فرض نظام ديمقراطي “شكلي” يقوم على “التوافق الضمني غير المعلن” بين رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية في توزيع الرئاسات الثلاث؛ الجمهورية والوزراء ومجلس النواب.

ودون إجراء إحصاء سكاني لتثبيت نسبة كلّ مُكوّن من مجموع سكان العراق، اعتمدت الولايات المتحدة بالاتفاق مع رؤساء الأحزاب الرئيسية من كل المكونات بعد الغزو مباشرة، توزيع الرئاسات الثلاث على اعتبار الشيعة العرب الأغلبية، وتكون حصتهم رئاسة السلطة التنفيذية، وهي الرئاسة الأهم.

أما رئاسة الجمهورية، وهو منصب “شرفي” محدود الصلاحيات، فيعود للأكراد، ورئاسة السلطة التشريعية (مجلس النواب) فللعرب السُنّة.

وأجرى العراق أربع انتخابات تشريعية بين 2006 و2018، وكان من المقرر أن تكون الانتخابات الخامسة في مايو 2022، لكن الحركة الاحتجاجية التي انبثقت في أكتوبر 2019 احتجاجا على سوء تقديم الخدمات في مجالات الطاقة الكهربائية والصحة، وارتفاع نسبة البطالة وتفشي الفساد، أفضت إلى إجراء انتخابات “مبكرة” في العاشر من أكتوبر الجاري.

وأرغم المحتجون رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، على تقديم استقالته في الثلاثين من نوفمبر الماضي، احتجاجا على فشل القوات الأمنية في حماية المحتجين، ومقتل العشرات منهم من قبل الميليشيات الشيعية دون تقديم المسؤولين عن قتلهم إلى القضاء أو محاسبة الجهات التي تقف خلفهم.

ويسبق موعد الانتخابات جدل واسع بين الكتل الشيعية التي تروج كل منها، لأغراض التنافس الانتخابي وكسب الجمهور، على أنها الكتلة التي ستشكل الحكومة الجديدة.

وستتجه القوائم الانتخابية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات باتجاه تشكيل تحالفات من قوائم انتخابية مختلفة وصولا إلى تشكيل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” المخولة بتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء.

وبحسب تفسير المحكمة الاتحادية العليا، فإن “الكتلة النيابية الأكثر عددا”، وفق الدستور، تعني الكتلة النيابية التي تشكلت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر، وأصبحت مقاعدها بعد أداء اليمين الدستورية، “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” من بقية الكتل الأخرى.

مرشح خيالي

ولنيل ثقة مجلس النواب، يحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى تصويت الأغلبية المطلقة على أسماء الوزراء بشكل منفرد، أي نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائد واحدا (165+ 1).

وأبدت كتل سياسية عدة رغبتها في تسمية مرشحها لرئاسة الوزراء في مرحلة ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات. ومن بين هذه الكتل؛ ائتلاف دولة القانون، الذي يرأسه نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، لدورتين متتاليتين (2006 إلى 2014)، وتحالف “الفتح” الذي يرأسه هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر (الجناح العسكري والحليف الأوثق لطهران). بالإضافة إلى مرشح لم يُعلن عن اسمه للتيار الصدري، ويرجح أن يكون الكاظمي.

وتروج الكتلة الصدرية إلى أنها من سيفوز بأكبر عدد من المقاعد ما يؤهلها لتسمية مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة، لكنها تراجعت في الأيام الأخيرة، متبنيةً الدفع باتجاه “المرشح المستقل”، بعد إدراكها صعوبة تخطي مرحلة الحصول على أصوات الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب في حال نجحت بتشكيل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء، وهو احتمال وارد.

الكتلة الصدرية تروّج إلى أنها من سيفوز بأكبر عدد من المقاعد ما يؤهلها لتسمية مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة لكنها تراجعت في الأيام الأخيرة

وعلى الرغم من التوقعات بحصولها على عدد من المقاعد أكبر من القوائم الشيعية الأخرى، فإنه من الصعب على الكتلة الصدرية تشكيل تحالف يؤهلها للوصول إلى 166مقعدا اللازمة لمنح الثقة للحكومة الجديدة، لأسباب أهمها ثبوت فشل وزراء التيار في إدارة شؤون وزاراتهم، خاصة البنك المركزي ووزارات الصحة والموارد المائية والكهرباء، وهي الوزارات الأسوأ أداءً.

بالإضافة إلى الاتهامات التي وُجهت لسرايا السلام التابعة للتيار الصدري بقتل المحتجين في ساحة الحبوبي بالناصرية جنوب العراق في فبراير 2020 واتهامات مماثلة بتخريب ساحات اعتصام أخرى في بغداد ومحافظات وسط العراق وجنوبه.

ويعتقد قادة في التيار الصدري أن حكومة ما بعد الانتخابات المبكرة ستكون لرئيس وزراء مستقل.

لذلك من المتوقع أن يواصل التيار الصدري دعمه لتسمية “مرشح مستقل” قريب منه أو من مؤيديه لحرمان الكتل النيابية المتنافسة من فرصة تشكيل الحكومة مستقبلا.

ولا يشترط الدستور أو قانون الانتخابات أن يكون رئيس الوزراء عضوا في مجلس النواب، أو رئيسا لحزب أو حركة أو تيار سياسي.

ولأسباب تتعلق بالخلافات “الحقيقية” بين القوائم الانتخابية الشيعية الرئيسية الأربعة، (الكتلة الصدرية، وتحالف الفتح، وائتلاف دولة القانون، وتحالف قوى الدولة الوطنية)، فسيصار إلى تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا، من تحالف أو أكثر من تحالف وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء في المرحلة الأولى، ولكن في مرحلة لاحقة يبدو متعذرا الحصول على النصاب القانوني، أي “الأغلبية المطلقة” من عدد أعضاء المجلس الجديد (165+ 1) لمنح الثقة لحكومة رئيس الوزراء الجديد.

3