مصر والأونروا كانتا مع خطة ترامب بشأن غزة قبل أن تكونا ضدها

القاهرة - أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن دعوته لنقل سكان غزة إلى مصر في الخامس من فبراير 2025، لكن خطته في الواقع عمرها 72 عاما.
وفي عام 1953، وقعت مصر ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على خطة لإعادة توطين 120 ألف لاجئ من غزة.
وفي عام 1955، قدم الجانبان نتائجهما: بتكلفة 200 مليون دولار (2.4 مليار دولار في عام 2025)، ستصبح بلدة القنطرة المصرية، الواقعة شرق السويس وعلى بعد 130 ميلا جنوب غرب غزة، موطنا جديدا للاجئين.
وستحول مصر المياه من نهر النيل للسماح بالزراعة واقتصاد مستدام ذاتيا. ولكن انتقاما لرفض الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تمويل بناء سد أسوان، انسحب الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر من خطة غزة وسيناء.
في عام 1953 وقعت مصر والأونروا على خطة لإعادة توطين 120 ألف لاجئ من غزة وهي الخطة التي يعيد ترامب طرحها
ومنذ ذلك الحين، طواها النسيان إلى حد كبير، باستثناء سجلات التاريخ الفلسطيني المنقح، التي تعيد “حق العودة” إلى التاريخ. وفي هذا النهج المنقح، أحبط أهل غزة مؤامرة إعادة التوطين في سيناء بـ”انتفاضة مارس 1955.”
وكان أصل تلك الانتفاضة ــ ما أطلق عليه المعاصرون “ثورة 1955” ــ يكمن في “الشيوعيين، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والمستقلين” الذين عقدوا اجتماعاتهم “في مقر نقابة المعلمين التابعة للأونروا.” وتضمنت مطالبهم “إلغاء مشروع إعادة التوطين في سيناء؛ وتدريب وتسليح الفلسطينيين في المخيمات.”
ووعدت مصر، التي كانت آنذاك صاحبة السيادة على قطاع غزة، “بإنهاء مشروع إعادة التوطين في سيناء،” ولكنها سرعان ما حنثت بوعدها.
وبدلاً من ذلك، نفذ نظام عبدالناصر اعتقالات جماعية وألقى بزعمائه الشيوعيين وجماعة الإخوان المسلمين في السجن، حيث ظلوا هناك حتى يوليو 1957. كما قامت القاهرة بتفكيك نقابة المعلمين التابعة للأونروا في غزة.
وواصل عبدالناصر مشروع إعادة توطين الغزيين في سيناء، ووقع على الخطة المشتركة مع الأونروا في يوليو 1955. وفي نهاية المطاف انسحب عبدالناصر من خطة إعادة التوطين لسببين: أولاً، كان محبطًا من إدارة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور لسحب تمويلها لسد أسوان. وثانيًا، كان يخشى أن يستخدم الشيوعيون على اليسار والإسلاميون على اليمين هذه القضية للتغلب عليه.
ونتيجة لهذه المؤامرات المحلية، ظل 120 ألف لاجئ عالقين في شريط بلا موارد بدلاً من الانتقال إلى مكان قابل للاستمرار اقتصاديًا، على بعد أقل من 150 ميلاً إلى الجنوب.
ويقول حسين عبدالحسين، الزميل الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن التنافس والشعبوية العربية كلف الفلسطينيين غالياً لفترة طويلة. فبدلاً من إعادة توطين أولئك الذين غادروا إسرائيل بعد عام 1948 في أماكن ذات إمكانات للنمو، وعدتهم الفصائل العربية المختلفة بـ “العودة” التي تركتهم في حالة بؤس لأكثر من سبعة عقود. وهذا هو البؤس الذي يريد ترامب إنهاؤه.
وفي عام 2020، قال ترامب إن الفلسطينيين “يستحقون حياة أفضل بكثير، ويستحقون الفرصة لتحقيق إمكاناتهم غير العادية. لقد وقع الفلسطينيون في فخ الإرهاب والفقر والعنف، واستغلهم أولئك الذين يسعون إلى استخدامهم كبيادق لتعزيز الإرهاب والتطرف.” ووعد “بإيجاد مسار بناء.”
وفي عام 2025، يدرك الرئيس الأميركي أنه يجب أن يوقف أولئك الذين يريدون أن يكون سكان غزة ضحايا دائمين يمكنهم استخدام ضحيتهم ضد إسرائيل.
وفي حين رد العديد من اليسار واليمين في الولايات المتحدة بغضب على اقتراح ترامب، فإنهم لا يدركون كيف كانت خطة مماثلة ذات يوم الخيار الأفضل لإنهاء النزاع.
ولو نجحت خطة مصر والأونروا في عام 1955، لكان من الممكن إعادة توطين الغزيين في منطقة ساحلية تبلغ مساحتها 365 ميلاً مربعاً، أي ما يعادل ضعف ونصف مساحة قطاع غزة، مع موارد مائية واقتصاد قابل للاستمرار يعتمد على الزراعة والخدمات، نظراً لقرب القنطرة من قناة السويس وبورسعيد.
ولكن لم يفت الأوان بعد لإحياء الخطة. فإذا جمع العالم نحو عشرة مليارات دولار، فإنه يستطيع أن ينفق ملياري دولار لبناء مدينة في سيناء تتمتع ببنية أساسية حديثة تشمل محطات تحلية تعمل بالطاقة الشمسية ومطار تحت السيادة المصرية. ولا يزال بوسعها أن تستفيد من ميناء بورسعيد، في حين يستطيع المانحون الدوليون استخدام الثمانية مليارات دولار لاستئجار الشريط الصغير من مصر لمدة 99 عاماً. لماذا الاستئجار؟ لأن المفكر الإسرائيلي ميكا جودمان يزعم في كتابه “المأزق 67” أن التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين أسهل ما دامت هذه التسوية لا توصف بأنها “نهائية”. وفي الوقت نفسه، تستطيع القاهرة أن تستخدم الأموال لتجديد احتياطياتها المستنفدة من النقد الأجنبي.
وعندما ينعم الفلسطينيون بميزة الإدراك المتأخر، فقد لا يجدون أن القومية المتشددة والتضحية بالذات هي الخيار الأفضل لهم.