مصر تنضم إلى حماس في عرقلة هدنة لا تشمل الممرين

القاهرة - قادت التصرفات الإسرائيلية المتشددة في المفاوضات حول صفقة الأسرى والمحتجزين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة إلى اختلاق أزمات مع الدول الثلاث الراعية للوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، وهي مصر والولايات المتحدة وقطر، بما ينعكس سلبا على عملية التفاوض التي تتنقل بين القاهرة والدوحة.
ودفعت مواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن التمسك بالسيطرة على ممري فيلادلفيا في جنوب غزة، ونتساريم في وسطها، إلى وضع مصر وحماس في كفة واحدة لجهة رفض هذه السيطرة على الممرين، لأن هذه الخطوة تعني عرقلة التوصل إلى هدنة عمليا، وتحوّل القاهرة من وسيط إلى طرف مباشر في رفح.
وتولدت قناعة لدى مصر وقطر وحماس، وبعض الدوائر الأميركية الرسمية وغير الرسمية، أن نتنياهو لا يريد المضي قدما في التوقيع على صفقة تحرمه من الاستمرار في الحرب، وعلى قناعة بعدم وجود ما يضطره حتى الآن إلى تقديم ما يعتقد أنه تنازلات لحماس بعد أن نجحت إسرائيل في تقويض قوتها العسكرية.
ويتمسك نتنياهو بعدم الخروج من محور فيلادلفيا بذريعة منع تهريب الأسلحة من مصر إلى غزة، على الرغم من إعلان القاهرة منذ سنوات طويلة أنها قضت على المئات من الأنفاق وأنهت ظاهرة التهريب تماما عبر الحدود المصرية، والتي مثلت ضررا بالأمن القومي عندما جرى تهريب متطرفين من غزة إلى سيناء.
وجاء التشبث بالبقاء في محور نتساريم بحجة منع انتقال مسلحي حماس من وسط غزة وجنوبها إلى شمالها، بينما هناك تقديرات قالت إنه لا يزال في شمال غزة نحو خمسة آلاف مسلح، وثمة تقنيات حديثة تملكها إسرائيل يمكن استخدامها لمعرفة هويات من يريدون المرور، ما يعني أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يضع عراقيل من أجل الاستفادة من الوقت، وتعطيل عقد صفقة يعتبرها لا تحقق نصرا كاملا له حتى الآن.
وجدد نتنياهو الخميس تمسكه بالسيطرة على محور فيلادلفيا، وعرض في اتصال هاتفي أجراه معه الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء الأربعاء، “خريطة توضح بالتفصيل المواقع التي ستبقى فيها القوات الإسرائيلية على طول فيلادلفيا”.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الاتصال جاء لإنقاذ المفاوضات، وسيرسل بايدن مبعوثه للشرق الأوسط بريت ماكغورك إلى القاهرة لضمان انعقاد المفاوضات واستمرار الاتصالات، مؤكدة أن نتنياهو لم يغير موقفه من السيطرة والتواجد في فيلادلفيا.
وقالت الهيئة “طالما يوجد إصرار على نشر القوات على طول المحور فلن يكون هناك اتفاق. الخيار المطروح في الغرف المغلقة يتعلق بخفض القوات وليس بموقعها”.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن مصر رفضت خريطة قدمها لهم نظراؤهم الإسرائيليون في محادثات وقف إطلاق النار بشأن غزة، تظهر أن إسرائيل قلّصت بعض قواتها، لكنها ما زالت تنشرها على طول ممر فيلادلفيا، وأخبرت الإدارة الأميركية تل أبيب أن هذه الخريطة غير قابلة للتنفيذ.
ويقول مراقبون إن القاهرة تمسكت بضبط النفس في التعامل مع دخول القوات الإسرائيلية ممر فيلادلفيا ومعبر رفح والسيطرة عليهما منذ مايو الماضي، ووجهت تحذيراتها بشأن المخاطر التي سوف تنجم عن ذلك، حفاظا على استمرار العملية التفاوضية وحرمان نتنياهو من قلب الطاولة، لكن بعد إعلان عزمه البقاء فترة طويلة أو قصيرة، بدأت مصر تتعامل مع الموقف بصرامة كبيرة.
هناك قناعة لدى مصر وقطر وحماس، وبعض الدوائر الأميركية الرسمية وغير الرسمية، أن نتنياهو لا يريد المضي قدما في التوقيع على صفقة تحرمه من الاستمرار في الحرب
ويضيف هؤلاء المراقبون أن نتنياهو رفع سقف مطالبه في ممري فيلادلفيا ونتساريم ليس كمناورة هذه المرة لتقديم تنازلات أقل، بل لأنه يريد البقاء للإيحاء بأن التهديدات من القطاع لم تنته، مع أن رئيس الأركان هارتسي هاليفي، ثم وزير الدفاع يوآف غالانت اعترفا بأن المهمة العسكرية في رفح حققت أهدافها، وأكد الأول أن خروج القوات يتوقف على قرار المستوى السياسي، وتحدث الثاني عن نقل قوات إلى شمال إسرائيل.
وأكدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، مساء الأربعاء، تمسكهما بشروط المقاومة لعقد أيّ اتفاق مع إسرائيل، بما يشمل الوقف الشامل للحرب على القطاع والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي وبدء إعمار غزة وإنهاء الحصار وإبرام صفقة تبادل جادة.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور إن موقف مصر واضح في مسألتي ممر فيلادلفيا ومعبر رفح، ولا تهاون أو مساومة فيهما، ولا بد أن تكون السيطرة كاملة للسلطة الفلسطينية أو أيّ جهة فلسطينية مناسبة تستطيع تحمل هذا العبء، لأن التواجد الإسرائيلي في هذه المنطقة سوف ينكأ جراحا أمنية مع القاهرة لا لزوم لها، ويفجر مشكلات سياسية بشأن ضرورة التمسك بالاتفاقيات المبرمة بين مصر وإسرائيل.
وأضاف لـ”العرب” أن عراقيل نتنياهو لا تنتهي للهروب من التوقيع على الصفقة، لكنه لن يعلن ذلك صراحة ليبدو حريصا على استعادة الأسرى وعدم التضحية بهم بعد اتهامات طالته من أسرهم له بالتفريط فيهم وعدم الحرص على عودتهم أحياء، ويريد استنزاف الوقت كي تداهم الانتخابات الإدارة الأميركية الحالية، وحرمان الحزب الديمقراطي من ورقة سياسية (الصفقة) تفيده، قد تسبب ضررا لرهانه على نجاح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.
وحذرت مصر وقطر الولايات المتحدة من أن فرصة قبول حماس بالمقترح الأميركي الجديد لوقف إطلاق النار “ضئيلة”، وذلك بعد أيام من إعلان الحركة أن نتنياهو يضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق، وأن المقترح الأميركي الجديد “يتماهى مع شروطه”.
ويستجيب المقترح الأميركي المعدل لشروط نتنياهو في رفضه لوقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الشامل من غزة، ومواصلة احتلال ممرّ نتساريم ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا، وتم وضع شروط جديدة في ملف تبادل الأسرى وتراجع عن بنود أخرى، ما يحول دون إنجاز صفقة التبادل.