مصر تمهد لموجة غلاء استجابة لوصفة صندوق النقد

القاهرة - تتجه الحكومة المصرية نحو تخفيض قيمة الدعم المقدم لخدمات الطاقة والكهرباء والدواء الأيام المقبلة، وفقًا لتفاهمات سابقة مع صندوق النقد الدولي، قد تصطدم بمخاوف متزايدة هذه المرة من صعوبات تحمّل شريحة من المواطنين ارتفاعات جديدة في أسعار السلع والخدمات، ما دفع الحكومة لاتخاذ قراراتها تدريجيا وتمريرها على مراحل متباعدة لتخفيف حدة وقعها على المصريين.
وأكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أن الدولة لن تتحمل مئات المليارات من الجنيهات بسبب الدعم أكثر من ذلك، ويجب أن يكون الدعم معقولاً، ولا سبيل لإصلاح المنظومة سوى بالتحرك تدريجيًا لزيادة أسعار الكهرباء والوقود، وبعض أصناف الأدوية، معترفا بمحاولات تهريب الدواء إلى الخارج لارتفاع أسعاره في دول مجاورة.
ويرى مراقبون أن رؤية الحكومة التي قدمتها بعد حلف اليمين الدستورية وقبل أن تحظى بثقة البرلمان تبرهن أنها مضطرة للحديث عن الزيادات في الأسعار، لأنها تواجه ضغوطات من صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الأجنبية حيال الالتزام بإصلاح منظومة الدعم، في وقت تخشى فيه من تشويه صورتها، وانطلاقتها التي ستأتي عقب زيادة الأسعار تبرهن على عدم تغيير سياساتها الاقتصادية.
ووضعت الحكومة في اعتبارها ردة فعل المواطنين على الزيادات الجديدة في الأسعار، لأن المتضررين انتظروا تغيير الحكومة لاتباع سياسات مغايرة، أو على الأقل تجميد ملف تحريك أسعار السلع والخدمات إلى حين استقرار معدلات التضخم وانخفاضها بعد أن وصلت إلى زيادة كبيرة قبل تعويم سعر الجنيه في مارس الماضي.
وقال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط إن الحكومة أظهرت مبكراً نواياها بشأن زيادة أسعار المحروقات، ما يضيف أعباء ضخمة على المواطنين الذين يعانون من مشكلات اقتصادية مزمنة، مع تدني القدرة الشرائية للجنيه، ما يجعلها في موقف حرج تحاول الخروج منه بأقل الخسائر السياسية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تأجيل تقديم قيمة الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد للقاهرة ترك انطباعات بأن ذلك يرجع إلى عدم التزامها بشروطه، ويبقى التخويف من آثار تكرار مشكلات شح العملة ورقة يتم تصديرها للرأي العام للقبول بإجراءات الحكومة.
وتبدو توجهات الحكومة هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة، حيث تتحسب من ردة فعل فئة من المواطنين، تسرّب إلى وجدانها قدر من الإحباط واليأس، وتخشى من تأثيره على حالة الاستقرار الأمني والسياسي، وهي مرغمة على هذه القرارات. وأشار الخراط في حديثه لـ”العرب” إلى أن الواقع لا يُبشّر بوجود مؤشرات على أن الحكومة الجديدة تتبع توجهات اقتصادية مغايرة كثيرا، ومن الممكن أن تحدث انفراجة، لكن الوضع ربما يصبح أكثر صعوبة بالنسبة إلى الاقتصاد الذي يعتمد على قرارات متراكمة.
وتكمن أزمة الحكومة في أن تكرار حديثها عن الإصلاح الاقتصادي وعوائده على المواطنين لم يصبح ذا قيمة ملموسة، ولا يقنع قطاعا كبيرا من المواطنين، إذ يرون أن الأعباء تتضاعف بشكل مستمر بلا أفق منظور لتحسين أوضاعهم المعيشية، بالتالي فالتمهيد للقرارات وتجزئة الإجراءات غير مأمونة العواقب، مع تراجع قيمة الجنيه وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وما يترتب على ذلك من تغييرات اجتماعية قد تتسبب في المزيد من ذوبان الفوارق بين الطبقتين المتوسطة والفقيرة.
وقد لا يحقق الارتكان على ضغوط صندوق النقد الدولي وتصديرها كمبرر لتمرير خفض دعم السلع والخدمات الأهداف المرجوّة منها، في ظل قناعة شعبية بأن الاعتماد على قروض الجهات المانحة أدى إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية على نحو أكبر، وما تحقق في السابق من معدلات نمو عقب التعويم الأول للجنيه في عام 2016، بدأ يتبخر بفعل أخطاء في سياسات الحكومات المتعاقبة أو بسبب حروب ونزاعات خارجية.
وقال خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة إن الحكومة لا توجد أمامها بدائل سوى تخفيض قيمة الدعم للخدمات التي تقدمها لاستكمال طريق الإصلاح الاقتصادي، ولا يعد ذلك تبريرا لقراراتها الأيام المقبلة، لكن هذه الحلول المتاحة حاليًا مع إخفاقها في ملفات اقتصادية عديدة قادت إلى تراجع قيمة الجنيه وزيادة تكاليف الإنتاج بشكل كبير.
◙ رؤية الحكومة التي قدمتها بعد حلف اليمين الدستورية تبرهن أنها مضطرة للحديث عن الزيادات في الأسعار لأنها تواجه ضغوطا من صندوق النقد والجهات المانحة
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن قرار تعويم سعر الجنيه في مارس الماضي لا بد أن تتبعه إجراءات صارمة لضبط منظومة الدعم، وأن لتر السولار الذي كانت تكلفته 1200 جنيه حينما كان سعر البرميل 80 دولارا بات الآن يكلف الحكومة أكثر من 4000 جنيه، ما يستوجب التدخل لضبط الأمر بما لا يؤثر سلبا على باقي جوانب الموازنة العامة (الدولار يساوي 48 جنيها مصريا).
ولفت إلى أن تخوف الحكومة يكمن في ارتفاع معدلات التضخم بعد تراجعها نسبيا، لأن رفع أسعار السولار يؤدي إلى زيادة في أسعار النقل سواء أكان يرتبط بحركة الأفراد أو البضائع كما أن الزراعة التي تشكل عاملا مهما في الاقتصاد تعمل بآلات يتم تشغيلها بالسولار، والوضع ذاته بالنسبة إلى باقي منتجات الطاقة، لكن بصورة أقل، ومن المتوقع أن تبقى الزيادات في حدود 10 في المئة وفقًا لآلية تسعير المنتجات البترولية.
وكشف المتحدث باسم الحكومة المصرية محمد الحمصاني أن تحريك أسعار السولار سيكون بنسبة قليلة والمواطن محدود الدخل سيتحمل جزءا بسيط منها. واستقبلت مصر شحنة أولى من الغاز والمازوت مؤخرا، وستكون هناك كميات كبيرة لتلبية احتياجات قطاع الكهرباء، ومن المنتظر الحصول على باقي الشحنات خلال الأسبوع الثالث من يوليو الجاري، ومن ثم وقف تخفيف أحمال الكهرباء.
وتسعى الحكومة للتسويق لخطة وقف أحمال الكهرباء بما يخفف من تأثيرات قرارات خفض معدلات دعم الخدمات الرئيسية، وتهدف إلى التأكيد على أن الوصول إلى معدلات طبيعية للدعم ينعكس إيجابًا على الخدمات التي يتلقاها المواطنون، على أن تتبع ذلك زيادة في رواتب العاملين في الدولة والقطاع الخاص، بما يسهم في امتصاص الزيادات الجديدة.