مصر تغلق أمنها الخاص في وجه الشركات الأجنبية

قوبل قانون تنظيم عمل شركات الأمن والحراسات الخاصة، الذي صدر مؤخرا في مصر، بترحيب واسع لمحاولته سدّ الطريق أمام شركات الأمن الأجنبية، التي بدأت تزدهر في سنوات ما بعد ثورة يناير 2011، بما تمثّله من خطر على الأمن القومي المصري.
وعلى الرغم من موجة الترحيب، إلا أنّ الأمر لم يخل من تحفّظ جاء بسبب قَصر الحق في إنشاء هذه الشركات على رجال الجيش ووزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة، وهو ما يكرس انحياز الدولة لمؤسساتها السيادية على حساب مؤسسات المجتمع المدني.
عادل عمارة، اللواء السابق بجهاز المخابرات العامة المصرية ورئيس شعبة الأمن والحراسات الخاصة بالغرفة التجارية، هو أحد المرحّبين بالقانون الذي أصدره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يقول إنّه يُعالج ثغرات عديدة في قطاع الأمن الخاص، بعضها كان يمسّ جوهر الأمن القومي المصري، مشيرا إلى أنّ عدد الشركات الحاصلة على تراخيص ومسجلة بالغرفة التجارية لا يتجاوز العشرات، من أصل 250 شركة أمن وحراسات خاصة تعمل في مصر، معظمها غير مسجل بالغرفة وتمارس أنشطتها من دون تراخيص قانونية.
واعتبر عمارة في تصريح لـ”العرب” أنّ قصر السماح لرجال الجيش والشرطة والمخابرات العامة بتأسيس شركات حراسات خاصة، أمر طبيعي باعتبارهم ينتمون إلى جهات سيادية مُلزمة بالحفاظ على الأمن القومي، بالتالي لا يمكن أن تُقدم على أيّ تصرف يمس من سلامته على عكس الشركات الخاصة والأجنبية التي لا يعرف أحد أجندة ولاءاتها.
وأشاد بما نصّ عليه القانون من “إلزام الشركات الخاصة بتوفيق أوضاعها، بما يضمن كفاءة عناصرها، ويخضع أفرادها والأسلحة المستخدمة للرقابة”، حيث يلزم الشركة بالحصول على ترخيص من وزارة الداخلية، بعد استيفاء عدة شروط، في مقدمتها أن يكون الحد الأدنى لرأس مال الشركة عند التأسيس 300 ألف جنيه (حوالي 50 ألف دولار)، وأن يكون لها مقر ثابت، وأن يلتزم أفراد الأمن العاملين فيها بتلقي مستوى تدريبي في معاهد متخصصة لهذا الغرض، وإجراء تحريات عن فرد الأمن الخاص، للتأكد من سلامته جنائيا وعدم انتمائه إلى تنظيمات متطرفة، قبل أن يحصل على رخصة ممارسة العمل الخاص وحمل سلاح.
ترحيب أمني بقانون تنظيم عمل شركات الأمن الخاصة وقصر إنشائها على رجال الجيش والشرطة والمخابرات
وقد ثار جدل واسع حول هذه المسألة، خلال العام الذي وصل فيه الإخوان المسلمون إلى الحكم، إثر محاولة الجماعة تمرير مشروع قانون يسهم في توسعة نشاط عمل شركات الأمن والحراسات الخاصة، الأمر الذي اعتبره خبراء في حينه محاولة لخصخصة قطاع الأمن، بالتوازي مع محاولات الإخوان المتكررة إضعاف وزارة الداخلية، واستبدال عناصرها بميليشيات موالية لها، مستترة خلف شركات الحراسات الخاصة.
وأوضح عمارة أنّ الاهتمام بكفاءة العنصر الأمني داخل الشركات الخاصة وإلزامه بالحصول على ترخيص، يُعالج أزمة قائمة حاليا، تتمثل في أنّ الشركات الخاصة تعتمد على أفراد غير مؤهلين، يحملون عصيّا في بعض الأحيان، ولا يوفرون خدمة حقيقية، وليس لديهم قدرة على التعامل مع طبيعة تطور الجريمة أو قدرة على الاشتباك، ومن ثمة فإن القانون يحدد ماهية الحارس والكفاءة التي يجب أن يتمتّع بها، قبل الحُصول على ترخيص ممارسة المهنة، وهو ما يسهم في دعم منظومة الأمن.
ولفت إلى أنّ القانون سوف يُلزم الشركات بهياكل تنظيمية، ومُستوى كفاءة مُرتفع، وسيخلقُ تنافسا بين الشركات في تقديم خدمات أفضل، لاسيما في ظل النمو المتوقع لسوق الحراسات الخاصة، مع سعي الدولة إلى جذب استثمارات جديدة في قطاعات السياحة والصناعة وخلق مجمّعات عمرانية جديدة.
وكلّ ذلك سوف يتطلب حراسات بدرجة كفاءة عالية، لمواجهة تطور الجريمة، من العنف العادي إلى الإرهاب المنظّم، والتي تستهدف تعطيل الاستثمار وقطاع السياحة. وشهدت شركات الأمن والحراسات الخاصة رواجا، في ظل حالة الانفلات الأمني التي شهدتها مصر، في السنوات التالية لثورة 25 يناير 2011، وسط توقعات بمزيد من النمو فيها، مع توسع النمو العمراني والاستثماري، حيث يلجأ سكان المدن الجديدة والمستثمرين، إلى الحراسات الخاصة لتأمين مقرات الشركات والمساكن الفاخرة (الفيلات)، والمجمعات السكنية والسياحية الجديدة.
فاروق حمدان، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أكّد بدوره في تصريحات لـ”العرب”، أنّ منح الجيش والشرطة والمخابرات حق تأسيس شركات أمن وحراسات خاصة، يستهدف وضع هذه الأخيرة تحت رقابة مؤسسية، لضمان احترافية العاملين فيها، ولما لذلك من دواع أمنية حاسمة، فعمل شركات خاصة في مجال الأمن والحراسات خارج رقابة الدولة، وما يستتبع ذلك من توافر معلومات لأفرادها، يتطلب ضمان عدم اختراقها من قبل تنظيمات وجماعات داعمة للإرهاب.
|
وقال اللواء حمدان إنّ هنالك شركات توفّر حراسات خاصة لمنشآت حساسة قد تكون مستهدفة، مؤكدا على ضرورة أن تتوافر في عناصر الحراسة درجة عالية من الكفاءة الأمنية والقتالية، إلى جانب منع استهداف الجماعات الإرهابية لقطاع السياحة، وهذا يتطلب شركات أمن على درجة عالية من الحرفية، علاوة على أجهزة الأمن النظامية المنتشرة في الشوارع، وأن تكون تحت رقابة وإدارة المؤسسات الأمنية الرسمية لتبادل المعلومات وتلقي التوجيهات.
وقد مارست شركات الأمن والحراسات الخاصة دورها في مصر بقدر من العشوائية، منذ ظهورها قبل أكثر من أربعة عقود، ودون قانون منظم لعملها، حيث كانت تعتمد على تراخيص ممارسة النشاط من وزارة الداخلية، ممثلة في مدير أمن المحافظة التي تمارس فيها نشاطها، ووفق القرار الجمهوري رقم 68 لسنة 1970 بشأن الحراس الخصوصيين، الذي يعطى مالكي العقارات والمحلات الصناعية والتجارية، حق استئجار خدمات أفراد يتولون أعمال الحراسة، وينظم سبل الحصول على ترخيص للحارس الخاص من مدير الأمن، ويناقض ذلك القانون رقم 100 لسنة 1971، وقرار رئيس الجمهورية رقم 26 لسنة 1977، اللذين يعطيان جهاز المخابرات العامة دون غيره حق منح تراخيص الحراسات الخاصة.
وشدد الخبير الأمني إبراهيم عبدالمنعم، من جهته، على أن القانون الجديد يغلق ثغرات أمنية متعددة، كان يمكن أن تسهل على الإرهابيين الوصول إلى أهداف اقتصادية ودبلوماسية، ناجمة عن كون فرد الأمن الخاص غير مؤهل، حيث كانت الشركات في السابق توظف شبابا غير محترفين، يعملون من دون تأمين صحي ولا اجتماعي، ويتم تسريحهم من العمل دون حقوق.
بينما يُلزم القانون الحالي، وفق رأيه، من يعمل بالأمن الخاص بحمل رخصة حارس خاص، يرتهن الحصول عليها بكفاءة ودرجة تأهيل معيّنة، وتلتزم الشركة التي يعمل فيها بالتأمين عليه، وكفالة حقوقه المالية والوظيفية. وأضاف عبدالمنعم أنّ مصر تشهد توسّعات في المشروعات السياحية والعمرانية والصناعية بالظهير الصحراوي، غرب وشرق غالبية محافظات الجمهورية، وهذا يتطلب حراسات خاصة للشركات ومعدات البناء وللمشاريع، التي تعتبر هدفا محتملا للإرهاب، تؤمّنها وتؤازر مجهودات الجيش والشرطة.