مصر تضع حدا أقصى للحبس الاحتياطي في السجون

التعديلات تلزم أجهزة الشرطة بضمان حقوق المحكوم عليهم وحرياتهم وإخضاع جميع مراكز الاحتجاز للإشراف القضائي.
الأحد 2024/03/10
تعديلات تفوق مطالب المعارضة

القاهرة - عكس الاستقرار البرلماني في مصر على تعديل قانون الإجراءات الجنائية وتخفيض مدد الحبس الاحتياطي، وجود توجه رسمي لسد الفجوات في ملف السجناء، ووقف استمرار ثغرة تنفذ منها المعارضة للضغط على النظام المصري، وتحجيم توظيف حكومات ومؤسسات غربية له بهدف الابتزاز السياسي أحيانا.

واستقرت اللجنة البرلمانية المعنية بتعديل القانون، الخميس، على تخفيض مدد الحبس الاحتياطي لتكون في الجنح أربعة أشهر بدلا من ستة، وفي الجنايات اثني عشر شهرا بدلا من ثمانية عشر، والتوصل إلى حد أقصى للحبس الاحتياطي في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد لتصبح سنتين بدلا من المدد المفتوحة.

ووضع نص خاص يحجّم نفوذ أجهزة الشرطة في عمليات القبض والتفتيش ودخول المنازل، وأصبح الأمن مطالبا بالحصول على إذن قضائي مسبب لاتخاذ هذه الإجراءات، احتراما لحقوق الأفراد وحرياتهم، كضمانة دستورية لعدم الاستهداف مع تنظيم المنع من السفر ليكون بنصوص محكمة، وليس بقرار أمني.

وظل إطلاق يد الأمن في الملف الحقوقي وعمليات التفتيش والاعتقال منغصا سياسيا للقاهرة، وكثيرا ما تسببت وقائع ضبط نشطاء في ضغوط عليها، ما استدعى وضع حد لتلك الأزمة، بحيث تكون الهيئة القضائية السلطة الوحيدة المعنية.

وتلزم التعديلات الجديدة أجهزة الشرطة بضمان حقوق المحكوم عليهم وحرياتهم، وإخضاع جميع مراكز الاحتجاز للإشراف القضائي للتأكد من مطابقتها لمبادئ حقوق الإنسان، وتكون هناك عمليات تفتيش ومراجعة دورية لأوضاع السجون، كضمانة لتطبيق المعايير الدولية.

مدحت الزاهد: الإجراءات الاحترازية للحبس الاحتياطي من الضروري عدم تطبيقها على سجناء الرأي
مدحت الزاهد: الإجراءات الاحترازية للحبس الاحتياطي من الضروري عدم تطبيقها على سجناء الرأي

وأكد مصدر سياسي في القاهرة لـ”العرب” أن التعديلات القانونية الخاصة بملف السجناء شارك في إعدادها عدد من الرموز الحقوقيين وممثلين عن المجتمع المدني، لضمان خروج النصوص بتوافق بين الحكومة والأصوات المختلفة معها، لغلق الملف كليا.

وانتهت المرحلة الأولى من الحوار الوطني في نوفمبر الماضي بإجماع القوى المؤيدة والمعارضة للسلطة على حتمية إنهاء ملف الحبس الاحتياطي، وتعديل النصوص المرتبطة به، وبعدها امتنعت المعارضة عن المشاركة في المرحلة الثانية من الحوار لعدم إنهاء قضية السجناء.

وتقوم فلسفة الحبس الاحتياطي على اتخاذ ما يلزم لعدم هروب المتهم من الجريمة التي يجري التحقيق فيها، لكن القانون المطبق لا يضع حدا أقصى لاستمرار حبس المتهم دون محاكمة أو إدانة، بينما تتمسك المعارضة بوضع سقف زمني للحبس الاحتياطي.

وتحمل التعديلات التي أجراها البرلمان على نصوص الحبس الاحتياطي في القانون، استجابة واضحة لقوى المعارضة، ما يوحي أن الحكومة بدأت تتعامل باهتمام مع ملف السجناء واقتنعت بأنه لا ميزة أمنية أو سياسية تعود عليها من استمرار متاجرة خصومها بقضية الحبس الاحتياطي.

وأصبحت هناك قناعة لدى النظام المصري بصعوبة استمالة المعارضة للحوار الوطني مجددا، لأن أهم مطلب لهم غير قابل للتنفيذ، بما يشير إلى وجود تلكؤ رسمي في التعاطي معه، مع أن الرئيس عبدالفتاح السيسي تعهد بالاستجابة لمخرجات الحوار، ولو تطلب الأمر تعديلات تشريعية.

ويرى مراقبون أن إدخال تعديلات على قانون العقوبات تفوق مطالب المعارضة، وتمسّ صميم حقوق الإنسان في قضايا تتعلق بالضبط والتفتيش والمنع من السفر والحبس، وهو ما يعكس أن التيار الذي يدعم الإصلاحات السياسية في الدولة صوته بات قويا، وأن النظام عليه استباق خصومه بخطوات.

وتمسكت اللجنة البرلمانية بألاّ تكون تعديلات قانون الحبس قاصرة على النشطاء والسياسيين وسجناء الرأي، بل يتم تطبيق النصوص الجديدة على كل من تتم محاكمتهم في تهم مختلفة دون انتقاء أو إقصاء، ما يتجاوز مطالب المعارضة التي كانت تختزل الأمر في التركيز على أوضاع السياسيين والنشطاء.

وحمل التحرك البرلماني استجابة أخرى للمعارضة بتطبيق نظام إلكتروني في عمليات الحبس الاحتياطي والتتبع، وهو مقترح طرح من قبل ويتعلق بتفعيل “السوار الإلكتروني” الذي يوضع في قدم المتهم وتزويده بإمكانات تقنية ليقضي فترة الحبس الاحتياطي بعيدا عن السجن، ويكون تحت رقابة الأمن طوال نظر القضية.

وهناك أصوات داخل السلطة مقتنعة بأن أيّ زخم سياسي تريد الدولة تحقيقه يرتبط بمدى الاستجابة للمطالب المدنية التي لن تؤثر على الأمن القومي، وعلى رأسها ملف السجناء، فالكثير منهم خرج ولم يثر أزمات، وتتطلب مصداقية النظام غلق هذا الملف.

◙ فلسفة الحبس الاحتياطي تقوم على اتخاذ ما يلزم لعدم هروب المتهم من الجريمة التي يجري التحقيق فيها، لكن القانون المطبق لا يضع حدا أقصى لاستمرار حبس المتهم دون محاكمة أو إدانة

ويرتبط التحرك الجاد لإنهاء ملف السجناء بوجود رغبة ملحة لدى الرئيس السيسي لبداية عهد جديد بالتزامن مع الولاية الثالثة له في الحكم التي يفترض أن تبدأ أوائل أبريل المقبل، حيث يؤدي القسم الدستوري رئيسا للبلاد، ويتم غلق أيّ ثغرة تنفذ منها ضغوط داخلية وخارجية تتعلق بوضعية حقوق الإنسان والحريات.

وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الاشتراكي، أحد أحزاب الحركة المدنية المعارضة، إن التعديلات البرلمانية على قانون الحبس الاحتياطي ليست كافية لغلق الملف، معقبا “ينبغي فورا ألا يتمّ تطبيق الحبس الاحتياطي على سجناء الرأي، والنشطاء السياسيين إلى حين النظر في قضاياهم بشكل نهائي، لأنهم لا يمثلون خطورة على المجتمع مثل القاتل أو المجرم أو السارق”.

وأضاف لـ”العرب” أن الإجراءات الاحترازية للحبس الاحتياطي من الضروري عدم تطبيقها على سجناء الرأي، ولا يجب استمرار التعامل مع المعارضين السياسيين على أنهم خطر على الأمن، وإدراجهم ضمن قوائم الإرهاب، وحل ملف الحبس الاحتياطي جذريا في حاجة إلى إرادة سياسية وليست قانونية فقط.

وأخفقت الحكومة المصرية على مدار السنوات الماضية في الدفاع عن نفسها بشأن الأرقام المغلوطة عن المحتجزين قسريا والمحبوسين على ذمة قضايا دون محاكمات، واقتنعت بأن سياسة الدفاع بالكلام لن تكفي لوقف التحريض أو الانتقادات من قبل منظمات حقوقية، والمطلوب اتخاذ إجراءات عملية.

ويدرك النظام المصري أن مجابهة التحديات تتطلب وحدة الجبهة الداخلية بلا إثارة منغصات سياسية وحقوقية، ما يؤكد أن التحركات البرلمانية الأخيرة تأتي في سياق إيمان السلطة بحتمية غلق الثغرات كخطوة مهمة نحو تلاقيها مع المعارضة.

4