مصر تسعى لتنقية الأجواء قبل انتخابات الرئاسة

تسعى مصر لتخفيف حدة الضغوط السياسية والاجتماعية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية، من خلال تنقية الأجواء وإجراء إصلاحات سياسية تعد عودة المعارض ممدوح حمزة أحد مظاهرها.
القاهرة - فتحت عودة المعارض المصري البارز ممدوح حمزة إلى القاهرة المجال للمزيد من التوقعات والتكهنات حول الاتجاه نحو إصلاح سياسي واسع في البلاد، قبل عام تقريبا على إجراء انتخابات الرئاسة، ووسط تصاعد الحديث عنها مؤخرا، وانطلاق دعوات تطالب المعارضة بالاستعداد لتجهيز مرشح مدني يخوض غمارها.
وأعرب حمزة فور وصوله إلى مطار القاهرة مساء الأحد عن التفاؤل بحدوث “انفراجة” سياسية في مصر، مشيرا إلى أن “مسؤولا أمنيا التقاه في المطار وأبلغه بأن مصر ترحب بأولادها وتفتح لهم ذراعيها ليعودوا إلى بلادهم لتستفيد منهم”.
جاءت عودة حمزة، الذي غادر مصر منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة، بعد أن أصدرت جهات التحقيق القضائية قرارا برفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول، الخميس، إثر إدانته غيابيا بحكم قضائي بتهمة “التحريض على العنف ونشر أخبار كاذبة”.
تزامنت عودة المعارض، الذي لطالما صنفته وسائل إعلام محلية على أنه “إرهابي”، مع تزايد الانتقادات الموجهة للحكومة بسبب ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات كبيرة وصعوبة في الأوضاع المعيشية، وظهور ملامح تململ من تأخر انطلاق الحوار الوطني وعدم استجابة الحكومة لمطالب المعارضة بشأن الإفراج عن سجناء الرأي.
أرادت الرسالة التي وجهها قادة أمنيون لحمزة فور وصوله إلى القاهرة التأكيد على أن الفترة المقبلة سوف تشهد انفراجة سياسية يمكن أن تقود إلى إصلاح حقيقي طال انتظاره، ما يساهم في تهدئة قوى معارضة تعتقد أنها أمام “خدعة حكومية”، وهو ما انعكس على تصعيد مطالبهم إلى حد المناداة بالإفراج عن سجناء تنظيم الإخوان.
وجدت الحكومة المصرية أن النكوص عن تعهدها بنجاح الحوار الوطني والخروج بتوصيات تتحول إلى قرارات لتنفيذها على الأرض، قد يفضي إلى زيادة حدة الغضب في الشارع، ومن المهم توصيل رسائل من وقت إلى آخر تعزز تبنيها خطوات إصلاحية.
قال المقرر المساعد للمحور السياسي بالحوار الوطني مصطفى كامل السيد لـ”العرب” إن أطرافا معارضة ضاعفت ضغوطها للإفراج عن عدد كبير من سجناء الرأي الفترة الماضية، بما يمهد الأجواء لانطلاق الحوار بصورة عملية، غير أن الحكومة تلكأت في الاستجابة، لافتا إلى أن عودة ممدوح حمزة تأتي في سياق تقديم الحكومة إشارة طمأنة.
وتوقع في تصريح لـ”العرب” أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من الإفراجات عن سجناء رأي معروفين، وإتمام خطوات الإفراج عن الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة بعد انقضاء فترة عقوبته (الاثنين)، ما يشير إلى تغير في سياسة النظام تجاه أصحاب المواقف المستقلة، وهو أمر لم يكن معهودا من قبل.
وشدد كامل السيد على أن ما يمكن وصفه بأنه “استقبال استثنائي” للمعارض ممدوح حمزة بقاعة كبار الزوار في مطار القاهرة يبرهن على أن هناك اتجاها رسميا مغايرا نحو القوى المدنية المعارضة، يأتي ضمن الحرص على تصفية الأجواء في الداخل والتخفيف من حدة الاحتقان الذي سببه تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، كي تتمكن الحكومة من مواجهتها بشكل يدعم تحمل المواطنين للأعباء الهائلة الملقاة عليهم.
وعقب دخوله مطار القاهرة نشر ممدوح حمزة مقطع فيديو عبر حسابه على فيسبوك أعلن فيه دخوله بسلام وبترحيب من المسؤولين، قائلا “ما حدث اليوم (الأحد) يجعلني متفائلا جدا، وما فهمته وأسعدني جدا أن هناك انفراجة وبالتأكيد لن تقتصر عليّ”.
يؤكد سياسيون أن حسابات الحكومة المصرية مع أطراف خارجية تدعمها في أزمتها الاقتصادية الراهنة تقتضي الانفتاح على أصوات معارضة عديدة، وسيرها ببطء في هذا الملف يجعلها تدرس بتأن النتائج المترتبة على ما أقدمت عليه من خطوات بشأن إطلاق سراح عدد من السياسيين المعارضين أو السماح بعودة آخرين من الخارج، بينهم السياسي عمرو حمزاوي، والمخرج خالد يوسف.
وأفرجت الحكومة المصرية الشهر الماضي عن رجل الأعمال صفوان ثابت بعد أكثر من عامين وهو قيد الاعتقال بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية (الإخوان)، ثم أعلن عن رفع اسمه من قوائم الإرهاب قبل أيام، وهي خطوة تعزز فكرة الانفتاح والإصلاح.
وأكد مصطفى كامل السيد، وهو أيضا أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة، لـ”العرب” أن ما يحدث له ارتباط وثيق بانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل، ويرتبط بترتيبات يجري الاستعداد لها لإعلان نجاح مصر تماما في مواجهة الإرهاب وتصفية الأجواء لمواجهة الأعباء الاقتصادية، بما يدعم حظوظ تقدم الرئيس عبدالفتاح السيسي للترشح في الانتخابات القادمة بأريحية.
عودة حمزة جاءت بعد أن أصدرت جهات التحقيق القضائية قرارا برفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر
واعتاد ممدوح حمزة توجيه اتهامات لإذعة النظام الحالي، والدفاع عن فترة حكم تنظيم الإخوان في السلطة، واعتذاره عن المشاركة في ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي أسقطت حكم الإخوان، وهو مؤشر على أن القاهرة قد تتجه نحو السماح بممارسة معارضة قوية من الداخل، وقطع أوصال الصلة بين القوى المدنية وجماعة الإخوان التي تحشد من الخارج لتأليب الرأي العام على الرئيس السيسي، مستفيدة من تردي الأوضاع الاقتصادية.
وأوضح عضو مجلس النواب المصري عن حزب التجمع اليساري أحمد بلال أن عودة معارضين عملية تحظى بترحيب واسع من الأحزاب والقوى السياسية، غير أن التقييم الإيجابي يتوقف على مدى إتاحة كافة وسائل الحرية والتعبير أمامهم من عدمه، وما جاء على لسان ممدوح حمزة عقب عودته يبعث برسالة جيدة تفيد بأن الدولة تستعد لتهيئة المناخ لانطلاقة عملية مناسبة للحوار الوطني.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أهمية أن يشعر المجتمع بوجود تغيير ملموس على الأرض، وأن هناك قضايا عدة بحاجة إلى التطرق إليها لتبرهن الدولة على أنها جادة في خطواتها، على رأسها حرية الحركة أمام الأحزاب للتواصل مع المواطنين بلا قيود.
وأظهرت مؤسسات مصرية رسمية قدرتها على ضبط ترمومتر ارتفاع حرارة الأصوات المعارضة وتهدئتها، ما يجعل النظام أكثر انفتاحا على خيار استيعاب شخصيات مناوئة موجودة داخل السجون أو خارج البلاد، لكن ذلك يبعث ببوادر قلق لقوى معارضة مازالت أمام أفعال لا تعبّر عن طموحها للإصلاح السياسي الحقيقي.