مصر تخلط الأوراق في سوق الاقتصاد الحر

القطاع الخاص يخشى مزاحمة الحكومة مع زيادة الاحتياطي الإستراتيجي من السلع الأساسية.
الاثنين 2024/04/01
أسعار بضاعتك لا تعكس الواقع!

أجبرت الضغوط الشعبية الحكومة المصرية على التحرك لكبح الأسعار عبر سعيها لزيادة الاحتياطي الإستراتيجي من السلع بنحو 20 في المئة، لتدخل في مواجهة مع القطاع الخاص الرافض للخطوة بسبب عدم قدرته على منافسة القطاع العام الذي اعتاد احتكار الكثير من السلع.

القاهرة - خلطت مصر الأوراق في سوق الاقتصاد الحر بعد قرارها زيادة تملكها للسلع، ما يجعل اليد الطولى للقطاع الحكومي، ويُمّكن السلطات من إغراق الأسواق بالبضائع، مع صعوبة دخول القطاع الخاص السباق، أو مجاراة الحكومة التي تملك إمكانيات وفيرة.

وتعني السوق الحرة أو اقتصاد السوق ترك الأسعار وفقا للعرض والطلب بشكل أساسي مع توفير ظروف المنافسة وتحريرها من أية قيود أو تدخلات حكومية، سواء بأولوية الاستيراد أو الاستحواذ على سلع بعينها.

وتهدف الحكومة من وراء الخطة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتوفير مخزون إستراتيجي من السلع الأساسية لضبط الأسواق والسيطرة على الأسعار التي فاقت طاقة شريحة كبيرة من المواطنين.

هشام كمال: ضغط الحكومة على القطاع الخاص لن يُحدث استجابة
هشام كمال: ضغط الحكومة على القطاع الخاص لن يُحدث استجابة

وأكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي عزم حكومته أن تتولى جهات تابعة للدولة مسؤولية توفير المخزون الإستراتيجي للسلع لمواجهة ارتفاع الأسعار.

ومن المهم وجود دور للدولة في الاقتصاد خلال فترات الأزمات، وتهدف من تدخلها في هذه اللحظات إلى إعادة ترتيب السوق وعدم الدخول في منافسة مع القطاع الخاص.

ويُسمح بتدخل الحكومة في الأسواق إذا كان الاقتصاد الكلي في حالة عدم توازن لفترة طويلة وفق الاقتصاد الكينزي، نسبة إلى العالم جون ماينرد كينز مؤسس هذه النظرية.

وتؤكد السلطات أنها لا تعمل ضد القطاع الخاص، لكنها تسعى لضبط الأسواق وقت الأزمات، ما دفع مدبولي إلى مطالبة الوزراء بتحديد الاحتياجات الفعلية المطلوبة من السلع الحيوية، تمهيدا لبدء إجراءات استيرادها.

ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكومة منذ أيام بتخصيص مبالغ مالية لشراء السلع الأولية وتوفيرها بالأسواق، في مسعى لإحداث التوازن.

وقال السيسي إن “الهدف من الاقتصاد الحر والسوق الحرة منح الفرصة للجميع، وهو ما أدى إلى تراجع دور الحكومة”، مؤكدا تشجيع مؤسسات الدولة على الدخول في مسألة السلع لإحداث التوازن في السوق.

ويستبعد خبراء أن تتأثر علاقة مصر بالمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، جراء الخطوة، خاصة مع زيادة الأسعار بحدة خلال الفترة الماضية، فيما تسعى السلطات لمجابهتها بالتزامن مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي الأخيرة.

وحسب اتفاق مصر مع صندوق النقد فإن الحد الأقصى للاستثمارات الحكومية سيصل إلى 20 مليار دولار، ضمن برنامج يهدف إلى إفساح المجال للقطاع الخاص.

ومن شأن استمرار ارتفاع معدلات التضخم أن يترتب عليه تراجع المبيعات وانخفاض الإنتاج، ما يؤدي إلى تقويض النشاط الاقتصادي وهبوط المؤشرات، وأبرزها تراجع الناتج المحلي الإجمالي.

الهدف من وراء الخطة هو اتخاذ إجراءات سريعة لتوفير مخزون إستراتيجي من السلع لضبط الأسواق والسيطرة على الأسعار

وأوضح عضو اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية هشام كمال أن الحكومة تضغط على القطاع الخاص من جهتي زيادة استيرادها أو رفع نسبة الاحتياطي من السلع الإستراتيجية، ومطالبتها بخفض الأسعار بنسب تحددها.

وقال لـ”العرب” إن “بعض التجار بدأوا حاليا فتح اعتمادات لاستيراد السلع، والتي لن تقل عن ثلاثة أشهر لدخولها الأسواق المحلية”، مثيرا تساؤلا بشأن قدرتهم على خفض الأسعار مع الاستيراد بأسعار الدولار الحالية بالبنوك والتي تعد مرتفعة.

وتوقع كمال عدم انسياق التجار وراء المطالب الحكومية بخفض الأسعار، لأنهم يُدركون حجم التكاليف التي زادت بعد تحرير سعر الصرف وزيادة أسعار الوقود.

وأوضح تجار أن تهديد السلطات باستيراد السلع حال عدم إقبالهم على خفض الأسعار خطوة نحو تقويض عمل الشركات الخاصة، فضلا عن الضغط على الدولار بصورة أكبر.

كما لفتوا إلى أن الأمر يستغرق وقتا لن يقل عن ثلاثة أشهر، وفي النهاية لن تتمكن الحكومة من توفير السلع بالتخفيضات التي تخطط لها.

وتقدمت لجنة التجارة الخارجية بشعبة المستوردين في الاتحاد العام للغرف التجارية بمذكرة لوزارة المالية، طالبت فيها بخفض سعر الدولار الجمركي عن بعض القطاعات إلى مستويات يتراوح فيها بين 35 و38 جنيها. وترمي اللجنة من وراء ذلك إلى التغلب على الكلفة الجمركية المرتفعة عليها بعد رفعه إلى 49.5 جنيها عقب تحرير سعر صرف العملة.

وركزت المذكرة على قطاعي الأغذية ومستلزمات الإنتاج، بينما السلع والمنتجات تامة الصنع تتم محاسبتها بسعر الدولار المعلن على شاشات البنوك.

ويبرر تجار صعوبة الانقياد لتعليمات السلطات بالضغوط التي تعرضوا لها عندما احتدمت السوق الموازية للعملة وتكدست البضائع في الموانئ وتعطلت أنشطتهم، لكنهم لم يتوقفوا عن دفع الأجور للعاملين مع التزامهم بمختلف المصروفات الأخرى.

ويرى محللون ضرورة أن تبادر الدولة بتقديم محفزات للتجار والمستثمرين حال رغبت منهم في توفير السلع بأسعار مخفضة، كأن تقوم بإعفاء السلع والخامات المستوردة من الرسوم الجمركية، لاسيما في قطاعي الأغذية والأدوية.

ياسر عمارة: القرار خطوة ضرورية مع اتساع هامش ربح التجار
ياسر عمارة: القرار خطوة ضرورية مع اتساع هامش ربح التجار

وذكر الخبير الاقتصادي ياسر عمارة أن خطوة الدولة لضبط الأسعار مهمة في ظل الأوضاع الراهنة، خاصة مع اتساع هامش ربح بعض التجار وعدم مراعاة الظروف الصعبة لفئة كبيرة من المواطنين.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الدولة تحرص على إفساح المجال أمام القطاع الخاص، لكن جشع بعض التجار والمستوردين هو السبب الرئيسي في قرارها بزيادة الاحتياطي الإستراتيجي من السلع.

وأكدت وزارة التخطيط أنه اتساقا مع وثيقة سياسة ملكية الدولة، فإن المستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات الكلية خلال العام المالي المقبل إلى 50 في المئة، مقارنة بنحو 36 في المئة مستهدفة بالعام المالي الجاري، و25.5 في المئة خلال العام المالي الماضي.

ولفت عمارة إلى أن التضخم لم يتأثر برفع أسعار الفائدة بنحو 6 في المئة منذ التعويم الأخير للجنيه، لأنها مازالت متأثرة بسعر الصرف وقت احتدام أزمة السوق السوداء للعملة.

ورغم حديث الحكومة عن خفض الأسعار كشفت تصريحات بعض المسؤولين عن رفع الشركات الحكومية أسعار تسليم السكر الحر للقطاع التجاري بنسبة 33 في المئة، ليصل سعر الطن للتسليم الفوري إلى 675 دولارًا بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتعويم الجنيه.

ورفعت الحكومة مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى 14 مليار دولار، منها 3 مليارات دولار لدعم السلع التموينية و3.2 مليار دولار للمواد البترولية، لارتفاع أسعار النفط عالميا وتأثير تغير سعر الصرف.

كما زادت حجم نفقات المعاشات إلى 4.5 مليار دولار، وتم رصد نحو 484 مليون دولار لدعم الصادرات، وحوالي 842 مليون دولار لبرنامج تكافل وكرامة.

11