مصر تحشد أئمة المساجد لمواجهة التطرف الإلكتروني

الحكومة ترفض تحول شبكات التواصل إلى منابر بديلة للمستبعدين من الخطابة.
الاثنين 2024/11/11
تحرك مصري حتى لا تبقى التوعية الدينية حبيسة المساجد

تتخذ معركة مصر مع التطرف أشكالا مختلفة وأساليب متعددة، ومنها المواجهة على الفضاء الإلكتروني حيث ينشط بقوة دعاة التشدد، بعد أن ضاقت بهم السبل في الفضاء العام والمساجد.

القاهرة – بدأت الحكومة المصرية التحرك على نطاق أوسع لمواجهة التطرف الإلكتروني على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال توظيف أئمة المساجد عبر صفحاتهم الشخصية، ليكونوا أكثر حضورا في نشر التعاليم الدينية الوسطية بدلا من ترك الساحة لبعض العناصر المتشددة التي تحاول تعويض خسارة حرمانها من اعتلاء منابر المساجد، لجذب الناس إليها عبر المنصات الاجتماعية.

وكلّف وزير الأوقاف أسامة الأزهري أئمة المساجد بالحضور المؤثر والقوي على شبكات التواصل لتكريس الخطاب المستنير، مؤكدا أن الصفحة الشخصية للإمام يجب أن تكون منبرا يهدف إلى تحقيق المحاور الإستراتيجية التي تعمل عليها وزارة الأوقاف وعلى رأسها التصدي للتطرف بمواجهة فكرية جادة لدحض مفاهيم المتطرفين.

وترمي الأوقاف المصرية من وراء الخطوة إلى تفكيك منطلقات التيارات المتشددة، ومحاربة الإرهاب والتكفير والعنف، ومواجهة التطرف اللاديني المتمثل في تراجع القيم والأخلاق، مثل مواجهة الإلحاد والإدمان والتنمر والتحرش، بحيث يتم التركيز على القضايا الدينية ومعالجة ملفات اجتماعية تلامس الخطاب الديني.

منير أديب: يجب أن تكون الدعوة الإلكترونية مرتبطة باحتياجات الناس
منير أديب: يجب أن تكون الدعوة الإلكترونية مرتبطة باحتياجات الناس

وأظهر ذلك التحرك حجم مخاوف السلطة في مصر من استمرار خطورة التطرف في الفضاء الإلكتروني دون أن توضع له خطة مواجهة تقوم على الطعن في الأفكار والرؤى والفتاوى، ما يفسر بدء خوض معركة غير تقليدية مع التيارات التي ضاعفت نشاطها بقوة على الشبكة العنكبوتية، واستغلال الفراغ الذي تركته الهيئات المعنية بإدارة الخطاب الديني.

غابت وزارة الأوقاف وأئمتها عن ممارسة دور دعوي إلكتروني في السنوات الماضية، مقابل تركيز باقي المؤسسات الدينية، مثل الأزهر ودار الإفتاء، على الفتاوى فقط، ما تسبب في تراجع نشر الدعوة الوسطية وفُسح المجال لجماعات وعناصر متشددة تعبث بعقول بعض المواطنين وتحاول تجنيدهم بخطاب رجعي أمام تضييق الخناق عليها في المساجد والساحات العامة.

وفرضت المتغيرات المعاصرة والحاجة إلى التركيز على التطرف الرقمي أن تكون هناك مساحة أوسع للدعوة الإلكترونية، لكن تظل العبرة بتدريب أئمة المساجد والدعاة على برامج رقمية تسهل مهمتهم في مواجهة العناصر التي تدير استقطاب الناس إليها، رقميا، بخطاب احترافي يقوم على دغدغة المشاعر والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور وإجادة استخدام شبكات التواصل.

ويرى مراقبون أن التوجه الدعوي نحو جمهور المنصات الاجتماعية خطوة تأخرت كثيرا، لكنها تحتاج إلى جهود مضاعفة كي يُكتب لها النجاح وتحقق أهدافها لمقاومة عمليات الاستقطاب والتجنيد التي تقوم بها تيارات متشددة في الخفاء تتعمد استقطاب متصفحي منصات التواصل ورواد المساجد أمام إحكام القبضة الأمنية عليها.

وتخطط وزارة الأوقاف لاستثمار صفحات الأئمة للتواصل مع الجمهور ونشر الدعوة من خلال تقنيات تكنولوجية يتدرب عليها خطباء المساجد، بحيث تكون لديهم أدوات المواجهة والرد بشكل احترافي على طروحات المتطرفين، لأن الدخول في معركة تقليدية معهم سيقود إلى خسائر تشوه صورة الخطاب الدعوي برمته، لأنه يستخدم أدوات عفا عليها الزمن.

وترفض الحكومة والمؤسسة الأمنية أن يتحول الفضاء الإلكتروني إلى منابر بديلة عن المساجد تسيطر عليها عناصر منتمية إلى تيارات تم إقصاؤها من دور العبادة على مستوى الإمامة والخطابة، مثل الإخوان والسلفيين، كي لا تحقق لهم انتصارا معنويا وتظهر كأنها عاجزة عن إحكام القبضة على المجال الدعوي بما يخلف تداعيات سلبية.

oo

ويخشى متابعون أن يكون سعي وزارة الأوقاف لمواجهة المتطرفين إلكترونيا محاولة لتبرئة نفسها من تهمة التخاذل التي تطاردها، بتأخرها عن الدعوة الإلكترونية، في حين سبقتها دار الإفتاء بإنشاء مرصد الفتاوى التكفيرية المختص في رصد وتفنيد ما يبثه المتطرفون رقميا، كما سبقها الأزهر بإنشاء مرصد لتتبع ما ينشره المتشددون والرد عليه بلجان متخصصة.

وقد لا يكون من السهل على أئمة المساجد كسب المعركة لصالحهم على المدى القريب، لكونهم يواجهون عناصر بينها وبين السلطة عداء مطلق وتتحرك بشكل شبه جماعي وفق خطة لها أهداف محددة تستهدف نشر التطرف الفكري والثقافي والتشكيك في الخطاب الرسمي وتغذية الاحتقان الطائفي وضرب علاقة المسلمين بالأقباط.

ويكمن جزء من المشكلة في أن الإمام المنتمي إلى مؤسسة دينية حكومية لا يمتلك حرية التحرك واستقلال الرأي بما يجعله قادرا على مواجهة العناصر المتطرفة على الفضاء الإلكتروني، حيث اعتاد أن يكون مكبلا بقائمة من المحظورات بعضها ديني والآخر سياسي، ويُحظر عليه التطرق إلى بعض القضايا الجدلية والخوض في ملفات وموضوعات تلامس الدين والأمور السياسية.

يتناقض ذلك مع خطط المتطرفين إلكترونيا لكونهم يتعمدون إثارة موضوعات جدلية من زوايا سياسية لاستقطاب أكبر عدد من الجمهور لمتابعتهم، في حين يحاصر الداعية الإلكتروني التابع للحكومة برؤية تتفق مع توجهات وزارة الأوقاف في حسمها للموضوعات الدينية والاجتماعية الجدلية لتكون متسقة مع الدولة، ما يشكك في الخطاب الرسمي الإلكتروني.

قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة منير أديب إن نجاح الدعاة على الفضاء الإلكتروني يرتبط بمواجهة الحجة بالحجة، لأن المبارزات الكلامية لن تُفضي إلى نتائج ما لم تكن مرتبطة بأسانيد صحيحة تفضح أصحاب التوجهات الشاذة وتقنع متصفحي الشبكات الاجتماعية بأسلوب هادئ ورصين ووسطي بعيدا عن الانجرار إلى معارك جانبية تستهدف الإنهاك المعنوي.

وأضاف أديب في تصريح لـ”العرب” أنه من المهم أن تكون الدعوة الإلكترونية مرتبطة بتطلعات المواطنين وتلامس احتياجاتهم الملحة من الخطاب الدعوي، خاصة أن القضايا التي تثار لم تُحسم، لأن المتطرفين يجيدون استقطاب الناس بملفات مثيرة تستقطب هواة البحث عن حسمها دينيا، والأهم أن يتوافر لدى الداعية الإلكتروني أسلوب جذاب وطريقة بسيطة في الإقناع دون مبالغة.

pp

كما أن اتباع أئمة الأوقاف لنفس نهج الخطاب المستخدم على منابر المساجد عند مواجهتهم الفكر المتطرف بالفضاء الإلكتروني، يعرضهم لخسائر مسبقة، لأن بعض المواطنين هربوا إلى دعاة الشبكات الاجتماعية بحثا عن خطاب دعوي يلبي احتياجاتهم بعيدا عن تقليدية الخطاب الرسمي، ما يفرض على وزارة الأوقاف أن تترك مساحة لأئمتها ليكونوا أكثر استقلالية وتحررا.

ومن السهل أن يكتشف المتابع لحسابات بعض أئمة المساجد على الشبكات الاجتماعية مدى ما يعانونه من غياب الحد الأدنى للتحرر الفكري والديني عند الرد على حجج المتشددين، حيث يلتزمون بما يُملى عليهم، وليسوا مستقلين في الرأي والتوجه، خشية أن يتعرضوا للمساءلة القانونية إذا خرجوا عن النص، لذلك يضطرون في أحيان كثيرة إلى التحدث بنبرة تبدو منسجمة مع الخطاب الرسمي.

وهناك توجه معلن نحو تدريب آلاف الأئمة والوعاظ على التقنيات التكنولوجية لتسهيل مهمة التواصل مع متصفحي الإنترنت بطريقة عصرية، وتكون لديهم القدرة على مبارزة أصحاب الفكر المتطرف بنفس الأسلوب في الانتشار والإقناع، لكن المعركة على الفضاء الإلكتروني لا تكون فيها العبرة بمن يتحدث وعلى ماذا تدرب، بل في مضامين حديثه وتوجهاته التي يحاول نشرها.

وتظل الإشكالية الأكثر تعقيدا بالنسبة إلى وزارة الأوقاف المصرية أنها مهما حشدت أئمتها لمواجهة التطرف الإلكتروني بشكل احترافي، سيكون من الصعب إخفاء تبعيتهم للحكومة، وهذه ثغرة يستغلها متطرفون للتشكيك في نوايا وأهداف الأئمة الرسميين، ما يفرض منحهم حرية الحركة في الرأي والشجاعة في المواجهة كي لا يتصدون للتطرف الإلكتروني بعقلية الموظف الحكومي البيروقراطي.

7