مصر تحاول استعادة نشاطها الأفريقي من بوابة جنوب القارة

سد النهضة والحرب في السودان جرسا إنذار لحث القاهرة على تعديل دفتها.
الخميس 2023/06/08
جولة استطلاعية

جولة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التي تستهدف الجنوب الأفريقي تشير إلى مساع للخروج من النسق التقليدي لسياسة القاهرة التي منحت بعض الدول خصوصية كبيرة في التعاون معها وغالبيتها في منطقة حوض النيل، مقابل تهميش بقية دول القارة.

القاهرة - اعتادت القاهرة في السنوات الأخيرة أن تطرق أبواب بعض الدول الأفريقية التي لها مصالح حيوية مباشرة معها، خاصة في منطقة حوض النيل التي زادت أهميتها في السياسة المصرية عقب تصاعد حدة الخلاف مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ما خلق انطباعات بأنها لا تولي اهتماما كافيا بما هو أبعد من هذه المنطقة.

وبدأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جولة، الثلاثاء، تشمل ثلاثة دول، هي: أنجولا وزامبيا وموزمبيق، وجميعها تقع في منطقة الجنوب الأفريقي.

وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي إنها تأتي في إطار حرص على تكثيف التواصل والتنسيق مع الأشقاء الأفارقة وتعزيز العلاقات مع دول القارة في مجالات مختلفة.

تهدف الجولة إلى عقد سلسلة من المباحثات الثنائية وبحث آليات تعزيز أوجه التعاون الثنائي، وكيفية التعامل مع مشاغل القارة الأفريقية، ومناقشة مستجدات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وسبل التعاون لبلورة أطر العمل الأفريقي لدفع عملية التنمية وتعزيز الاندماج الاقتصادي في القارة.

أبدت مصر في خطابها الرسمي اهتماما كبيرا بالقارة الأفريقية مؤخرا، غير أن غالبية الاتفاقيات والتفاهمات الأمنية والاقتصادية ومشروعات التعاون ركزت على دول بعينها تجعل لها مردودات على التوجهات الرامية إلى تعزيز العلاقات معها.

وأدت هذه المسألة إلى شعور دول كثيرة لم تحظ باهتمامات كافية من الدولة المصرية بأنها مرفوضة أو شبه منبوذة من قبلها، أو على الأقل لا تحتل أولوية في أجندتها القارية إلا بالقدر الذي يخدمها وفي توقيتات متفاوتة.

ظهرت عيوب هذه السياسة في عدم دعم الكثير من الدول الأفريقية موقف مصر في أزمة سد النهضة، وظهور ما يصب في صالح موقف إثيوبيا في غالبية الاجتماعات التي عقدها الاتحاد الأفريقي بشأن وساطته التي أصرت عليها أديس أبابا لحل الأزمة.

التدقيق في عناوين القضايا التي جرت مناقشتها في أنجولا يكفي للتأكد بأنها عامة وفضفاضة

وقاد شعور القاهرة بعدم الحياد الأفريقي إلى نقل أزمة سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، والذي أعادها إلى الاتحاد الأفريقي مرة أخرى بلا جدوى حقيقية.

ومع أن رئاسة دورات الاتحاد خلال السنوات الأربع الماضية تفاوتت بين دول من شرق وغرب وجنوب القارة، إلا أن جميعها أخفقت في التوصل إلى اتفاق يؤيد وجهة النظر المصرية ويتفهم أبعادها المصيرية.

قالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن اندلاع الحرب في السودان وعدم قدرة القاهرة على المساهمة فعليا في وساطة أو تنسيق قوي مع الجانب الأفريقي، الذي يحاول القيام بدور مؤثر يتناسب مع دوره السابق في الأزمة السياسية التي اندلعت عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، أشعرا مصر بالقلق، وأن تصوراتها الإيجابية التي طرحتها نحو القارة على مدار سنوات لم تحقق أهدافها.

وأضافت المصادر ذاتها أن اختيار الرئيس السيسي لثلاث دول في الجنوب الأفريقي ينطوي على محاولة للخروج من النسق التقليدي لسياسة القاهرة، التي منحت بعض الدول خصوصية كبيرة في التعاون معها وغالبيتها في منطقة حوض النيل.

وتشير هذه الجولة إلى إعادة ترتيب الأوراق بالشكل الذي يمنح مصر قدرا من التنوع، والسعي إلى استدعاء فترة رواج سابقة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث كانت القاهرة قبلة لغالبية القادة الأفارقة بلا تفرقة بين شمال وجنوب، وشرق وغرب.

ويقول مراقبون إن المقارنة بين ما حدث في زمن سابق وما يجري الآن في غير محلها، لوجود الكثير من الاختلافات في الأفكار والأهداف والتوجهات والزعامات والأجواء العامة في القارة والتربيطات الإقليمية والحسابات الدولية، ناهيك عن التحولات في الأوزان النسبية للدول الأفريقية.

ولم تسر التغيرات التي حدثت بالقارة في صالح مصر التي تجني خسائر من العزوف الطويل عن الانخراط في هموم القارة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الأسبق حسني مبارك بأديس أبابا في منتصف التسعينات من القرن الماضي.

Thumbnail

وعندما حاول الرئيس السيسي إعادة الاعتبار لسياسة بلاده مع القارة الأفريقية وتصويب مساراتها كانت مخاوفه منصبة على كيفية تجاوز التحديات التي يمثلها سد النهضة، فمنح جزءا كبيرا من اهتمامه لفك ألغازه العصية، وهو ما انعكس سلبا على ملفات أخرى مهمة وترك شعورا بأن القاهرة غير مكترثة بما يدور بعيدا عن هذا السد.

وجدت دوائر أفريقية في الوسط والجنوب في توقيع مصر اتفاقيات عديدة مع بعض دول حوض النيل دليلا على تهميشها، واقتنعت بأنها لا تحظى بأهمية كبيرة في أجندة القاهرة، الأمر الذي يحاول السيسي تصحيحه بجولة جديدة اختار فيها ثلاث دول ليست لها علاقة بمصالح مباشرة مع بلاده ليقول إن مصر ليست بعيدة عن القارة.

وعقد الرئيس السيسي جلسة مغلقة مع رئيس أنجولا جواو لورينسو، الأربعاء، أعقبتها مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة أن أنجولا تلعب دورا مهما في تسوية النزاعات الإقليمية من خلال مؤتمر دول البحيرات العظمى ومنطقة الجنوب والوسط في القارة.

يكفي التدقيق في عناوين القضايا التي جرت مناقشتها في أنجولا للتأكد بأنها عامة وفضفاضة، وأن الغرض منها إثبات الحضور، فلا توجد إمكانيات اقتصادية تدعم فرص القاهرة للاستثمار في أنجولا، ولا تملك هذه الدولة أو زامبيا وموزبيق قدرات تساعد على المساهمة في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر.

ويشارك الرئيس المصري خلال زيارته لوساكا في أعمال القمة الثانية والعشرين لتجمع السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا)، الخميس، والتي ستشهد تسليم الرئاسة الدورية للتجمع من مصر إلى زامبيا، وتركز على سبل دفع عملية التنمية وتعزيز الاندماج الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء بالتجمع.

وإذا لم تتمكن مصر من البحث عن مساحات سياسية مقنعة مع القارة الأفريقية من دون تفرقة بين أقاليمها المترامية، سوف تظل تصوراتها أسيرة لرؤى ضيقة وتقديرات لم تسفر عن نتائج عملية تخدم مصالحها المتباينة في الدول القريبة والبعيدة منها، والتي تحتاج وقتا لبلورتها والثقة فيها، ووقتا آخر للحصول على مكاسب منها.

6