مصري يصون مهنة أجداده في محل ساعات عمره قرن

محل بابازيان يعدّ اليوم من الأماكن النادرة في القاهرة التي تصلح فيها ساعات تعمل وفق الآليات القديمة.
السبت 2021/03/13
جهود متواصلة للحفاظ على المهنة وأدواتها وزبائنها

لم يكتف ساعاتي مصري من أصل أرمني بإتقان مهنة جده بل عمل على صون إرث من الساعات والأدوات الصامدة داخل محل يفوق عمره 118 عاما. وقاد شغف هذا الرجل بتصليح الساعات إلى تجميد الزمن داخل مكان كان من بين زبائنه يوسف وهبي وفؤاد المهندس.

القاهرة – حوّل المصري الأرمني أشود بابازيان متجرا عائليا لتصليح الساعات عمره نحو 118 عاما وكان من زبائنه يوسف وهبي وفؤاد المهندس وعبدالمنعم إبراهيم، إلى ما يشبه المتحف حفاظا منه على المهنة وأدواتها من الاندثار.

ويحاول الساعاتي أشود داخل متجره في القاهرة المقام منذ عام 1903 في أسفل بناية شيّدت على طراز هوسمان الفرنسي، حيث يبدو الزمن كأنه متوقف، الحفاظ على تقليد عائلي متوارث منذ عقود.

ويزخر المحل الصغير، الذي يشبه المتحف والواقع في ميدان العتبة، أحد أكثر ميادين العاصمة المصرية ازدحاما وضجيجا، بساعات جيب قديمة وأخرى بسوار تعود إلى عقود غابرة، وبإعلانات اصفرّ ورقها بمرور الزمن تشهد على العصر الذهبي للمكان العريق.

وتوجد تحت طاولة البيع العتيقة التي لا تزال صامدة منذ ما يزيد على قرن في أدراج خشبية قطع غيار لكل أنواع الساعات وماركاتها.

وتحتل ساعات حائط من طرازات مختلفة يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر كامل مساحة جدران المحل. وهي مملوكة لزبائن أتوا بها لإصلاحها أو إلى أشود نفسه الذي يجمعها ويرفض بيعها.

وداخل مكتبه الصغير الزاخر بالمحفوظات من كتب وساعات رقاصية شتى، يجلس أشود البالغ من العمر 64 عاما حارسا لذاكرة المكان.

وتشهد على ذلك صورتان بالأبيض والأسود معلقتان فوق كرسيه، الأولى لجده نرسيس المعروف بـ”فرنسيس” وهو مؤسس المحل، والثانية لوالده سركيس.

ويعدّ محل بابازيان اليوم من الأماكن النادرة في القاهرة التي تصلح فيها ساعات تعمل وفق الآليات القديمة. ويقول الساعاتي مرتديا كنزة من الصوف وسروال جينز “لدي قطع غيار تعود إلى أيام جدي”.

Thumbnail

وفي العام 1893، هجر نرسيس بابازيان الجيش العثماني وقفز في سفينة لا يعرف وجهتها ووجد نفسه في مدينة الإسكندرية الساحلية شمال مصر، بحسب ما يؤكد حفيده أشود.

وافتتح نرسيس بعد عشر سنوات، محل الساعات الخاص به في القاهرة والذي لا يزال يحمل اسمه على واجهته الخارجية.

واكتسب الجد شهرة تمكن بفضلها من استقطاب الكثير من المشاهير من العصر الذهبي للسينما المصرية الذين كانوا من زبائن المحل من بينهم يوسف وهبي وفؤاد المهندس وعبدالمنعم إبراهيم.

وأضاف أشود أن العائلة المصرية المالكة في عهد الملك فاروق (آخر ملوك مصر) كانت تستدعي والده في القصر الملكي لاختيار ساعات، متابعا أنه “بعد الثورة كان الضباط (الذين أطاحوا بالملكية عام 1952) يأتون. كانوا أصدقاء لوالدي وكانوا يعشقون الساعات”.

ولم يعد زبائن المحل اليوم من السياسيين أو المشاهير، لكنهم كثر وأوفياء للمحل و”غالبيتهم أصبحوا أصدقاء”، وفق أشود الذي يقول “ليس لدينا زبائن من المارة الغرباء”.

ومن بين الزبائن الأوفياء طلعت فرغلي (71 عاما) وهو تاجر يتردد على المحل منذ العام 1965، مشددا على أن الساعاتي “موثوق فيه للغاية ونحن نسميه الخواجة (كلمة دارجة في مصر تطلق على الأجنبي)”.

أما أحمد المليجي (62 عاما) فهو من هواة جمع ساعات الحائط وبدأ في اقتنائها اعتبارا من العام 1984 ويمتلك الآن 35 منها.

وأوضح المليجي “كنت أمر أمام محل أشود وكنت مولعا بالساعات على الجدران. وذات يوم قررت أن أشتري واحدة ومنذ ذلك الحين لم أتوقف”.

واستقبلت مصر أعدادا كبيرة من الأرمن لاسيما من المتخصصين في الحرف اليدوية مثل صناعة المجوهرات اعتبارا من القرن التاسع عشر. لكن عددهم حاليا لا يتعدى بضعة آلاف، وفق تقديرات عدة.

ولم يبدِ ولدا أشود حتى الآن اهتماما بمواصلة مهنة الأسرة، لكنه لا يستبعد أن يغيّرا رأيهما لاحقا، قائلا “لا أحد يعلم” ما قد يحصل.

Thumbnail
24