مصريون يخاطرون بحياتهم من أجل الهجرة إلى أوروبا

الهواجس الاقتصادية تشكل أحد أهم وأبرز أسباب مخاطرة الشباب المصري بأرواحهم أملا في العبور إلى الضفة الأخرى للمتوسط. ورغم تعزيز مراقبة السلطات الأمنية المصرية لموانئها لا يزال المصريون في طليعة المهاجرين غير الشرعيين ما يحتم إعادة النظر في المقاربة المعتمدة في مكافحة الظاهرة.
القاهرة - تشكل الظروف الاقتصادية السيئة وحالة التردي الاجتماعي سببا رئيسيا في لجوء الكثير من الشباب المصري العاطل عن العمل إلى ترك البلاد والبحث عن فرصة عمل في مكان آخر من خلال امتطاء قوارب الموت والمغامرة في البحر المتوسط. وتبذل السلطات الأمنية المصرية المقيدة باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، مقابل الحصول على دعم مالي، جهودا كبيرة لمحاصرة الهجرة غير الشرعية عبر موانئها وتمكنت إلى حد كبير من القضاء على الظاهرة، لكن الشباب اليائسين غيّروا تكتيكاتهم واتخذوا من الموانئ الليبية منطلقا لرحلة البحث عن مستقبل أفضل.
ويجادل خبراء أن الحلول الأمنية بمفردها تظل قاصرة عن مكافحة الظاهرة أو تطويقها ما لم تكن مرفوقة بأبعاد تنموية داخلية تتيح للشباب البقاء في بلدهم. ويؤكد هؤلاء الخبراء على ضرورة دعم الشباب المصري في بلده وفتح آفاق اقتصادية واجتماعية أمامهم بدل إنفاق الأموال على المقاربة الأمنية التي تثبت فشلها يوما بعد يوم. وبين أزمة اقتصادية حادة وآفاق مستقبلية قاتمة، يختار عدد متزايد من المصريين الشباب طريق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا مخاطرين بحياتهم في عرض البحر المتوسط.
وفي سيناريو يتكرر، تستقل مجموعات الشباب الراغبين بالهجرة أحد قوارب الصيد لمحاولة الوصول إلى السواحل الأوروبية. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، غرق العشرات كانوا على متن قارب صيد قبالة سواحل اليونان. ففي ليل 13- 14 يونيو الماضي، غرق زورق صيد قديم ينقل عددا كبيرا من المهاجرين أبحر من ليبيا فقضى فيه 82 شخصا على الأقل وفقد المئات، في واحد من أكبر حوادث غرق مراكب الهجرة إلى أوروبا.
وقال والد أحد المصريين الذين كانوا على متن القارب لوكالة فرانس برس "آخر مرة تحدثت فيها مع ابني كانت مساء السابع من يونيو، حينها قال لي إنهم سيبحرون" بعد يومين. وتابع الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه “أنا لا أعرف سوى أنه كان على متن قارب متجه إلى إيطاليا كما يفعل العديد من أصدقائه في القرية”، في إشارة إلى ابنه البالغ من العمر 14 عاما. وقال بأسى "لم نتوصل إلى شيء حتى الآن ولم يتواصل أحد معنا منذ 15 يوما".
هجرة الأطفال
كانت المنظمة غير الحكومية منصة اللاجئين في مصر Refugees Platform in Egypt أشارت إلى أن من بين المفقودين في غرق المركب، 13 مفقودا من قرية النعامنة في محافظة الشرقية بدلتا النيل، وجميعهم من الذكور وتتراوح أعمارهم بين 13 و35 عاما بينهم تسعة أطفال دون سن 18.
وتفيد السلطات أن 43 مصريا نجوا من غرق المركب. إلا أن المنصة تلقت عشرات المكالمات من عائلات الضحايا بشأن أيّ معلومات حولهم. وقال نور خليل المدير التنفيذي للمنصة إن أكثر من 40 عائلة من قريتين بمحافظة الشرقية طلبت المساعدة.
وأنقذ أكثر من 100 من ركاب القارب من مياه البحر، بحسب بيانات الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن المركب كان مكتظا بما يتراوح بين 400 و750 راكبًا بينهم أطفال ونساء. وأوضح خليل "ليست لدينا أرقام محددة للمصريين الذين كانوا على متن القارب والسلطات لم تكشف عن عدد المصريين المفقودين".
وكان الإعلامي المصري البارز عمرو أديب أعلن عبر برنامجه على فضائية "إم بي سي مصر" أن 200 مصري تقريبا كانوا على متن الزورق. لكن حتى الآن لا يزال الأب يجهل مصير ابنه. وقال "كل ما فعلته هو الذهاب إلى (جمعية) الهلال الأحمر وقدمت لهم بياناته وأجريت تحليل الحمض النووي لتقديم العينة لوزارة الخارجية".
وأكدت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في تقرير صدر في 16 يونيو الماضي “منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، لا يزال وسط البحر المتوسط هو الطريق الأكثر نشاطًا إلى الاتحاد الأوروبي". وأشارت إلى أن "أكثر من 50 ألف عملية رصد (لمهاجرين غير نظاميين) أبلغت عنها سلطات وطنية". إلا أن بعض الراغبين بالهجرة ينجحون في الوصول إلى وجهتهم.
◙ ثلث من وصل إلى سواحل إيطاليا في عام 2022 من أطفال، بمفردهم أو منفصلين عن ذويهم، كانوا مصريين
والعام الماضي مثّل المصريون واحدا من كل خمسة مهاجرين وافدين إلى إيطاليا بهذه الطريقة، بحسب بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، والتي أوضحت أن ثلث من وصل إلى ايطاليا في عام 2022 من أطفال، بمفردهم أو منفصلين عن ذويهم، كانوا مصريين. وأرجعت الوكالة أسباب بحث المصريين عن الهجرة إلى "العوامل الاقتصادية والبحث عن عمل"، خصوصا في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها مصر بسبب نقص النقد الأجنبي وارتفاع معدل التضخم.
وكذلك لفتت إلى أنه "من المحتمل أيضا أن يكون وضع حقوق الإنسان في البلاد عاملا مؤثرا للعديد من المهاجرين المصريين الراغبين في السفر إلى الاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى قلق المنظمات الحقوقية "بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، وسوء أوضاع السجون، وحالات الاختفاء القسري". وتؤكد السلطات المصرية أنها تقف في الصفوف الأمامية لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى الشواطئ الأوروبية، لكنها تحتاج إلى التمويل للاستمرار في القيام بهذه المهمة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف مصر بأنها أحد "أهم شركائها (فرنسا) الإقليميين"، مثمّنا دورها "في إرساء دعائم الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط والقارة الأفريقية، وجهودها في مكافحة الهجرة غير الشرعية"، حسب بيان للرئاسة المصرية بشأن زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى باريس في شهر يونيو الماضي.
عسكرة الحدود ليست حلا
وأطلقت مصر إستراتيجية 2016-2026 لـ"تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية"، حسب هيئة الاستعلامات المصرية. ومنذ العام 2016 لم يبحر أيّ مركب على متنه مهاجرون غير نظاميين من السواحل المصرية. وفي أغسطس 2022، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تمويل قدره 80 مليون يورو لمصر من أجل "إدارة الحدود"، خصوصا عمليات “البحث والإنقاذ ومراقبة الحدود البرية والبحرية".
بفعل تزايد التهديدات والتحديات الأمنية برزت مقاربات وتصورات للباحثين المهتمين بقضايا الهجرة وهي تستجب لم لمتغيرات المجتمعات، ومعالجة الاحتياجات الأمنية، ما أدى إلى ربط مفهوم الأمن الإنساني المهتم بجميع الجوانب الأمنية للفرد، بما فيه الأمن الصحي الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، بأمن الدول أي ما يدخل في المقاربة الكلاسيكية المهتمة بالأمن المادي القومي والعسكري.
ورأى خليل أن "عسكرة الحدود ليست حلا"، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن هو "انتقال المعضلة (إلى مكان آخر)، المصريون الآن يعبرون إلى ليبيا"، لبدء رحلتهم من الساحل الليبي.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت في 12 يونيو الماضي عبر بيان عن "قلقها إزاء الاعتقال التعسفي الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، حيث اعتقلت السلطات الليبية الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من الشوارع ومن منازلهم أو في أعقاب مداهمات لما يزعم بأنها مخيمات ومستودعات للمُتّجِرين بالبشر".
وفي هذا الصدد أشار خليل إلى تشديد "العقوبات المفروضة على المهربين وما يمتلكه خفر السواحل من أسلحة"، وعدم تمكن المراقبين الحقوقيين من الوصول إلى هذه المناطق. ورأى أن رحلات الهجرة ستستمر "ما دام الجيل الجديد غير قادر على التعبير عن رأيه أو فتح آفاق اقتصادية في مصر".