مصريون يتبارون بالعصا في مهرجان التحطيب

تناقل المصريون لعبة التحطيب الشعبية الشهيرة عن أجدادهم الفراعنة، ومازالوا يمارسونها بحماس، حتى اليوم. ويحتفون بها في مهرجان بلغ دورته الثالثة عشرة.
الأقصر - على وقع دقات الطبول ونغمات المزمار البلدي انطلقت مساء الإثنين عروض المهرجان القومي للتحطيب في نسخته الثالثة عشرة، والذي تستضيفه في شهر ديسمبر من كل عام ساحة معبد الأقصر الفرعوني وسط مدينة الأقصر التاريخية جنوبي مصر.
وبحسب بيان لإقليم جنوب الصعيد الثقافي، فإن المهرجان يتبارى فيه أشهر ممارسي لعبة التحطيب الشعبية الشهيرة التي تعرف أيضا بلعبة “العصا” بصعيد مصر، حيث يدخل المشاركون في المهرجان من لاعبي التحطيب في مبارزات بالعصي داخل دائرة يحيط بها الجمهور.
ويشهد المهرجان الذي يجري وسط جمهور كبير من المصريين والسياح، على مدار ثلاثة أيام، عروضاً فنية لتسع فرق للفنون الشعبية هي بني سويف والمنيا وملوي وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر للفنون الشعبية، بالإضافة إلى فرقة النيل للموسيقى والغناء الشعبي وفرقة الأقصر للآلات الشعبية. ويحتفي المهرجان هذا العام بشخصية مؤسسه الفنان الراحل عبدالرحمن الشافعي.
يُذكر أن لعبة التحطيب التي جرى تسجيلها ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، هي اللعبة الشعبية الأكثر انتشاراً في نجوع وقرى ومدن صعيد مصر، ومن الفنون الموروثة من الحضارة المصرية القديمة.
ويعد التحطيب، أو لعبة العصا، من أشهر الرقصات الفرعونية، التي سجلتها جدران مقبرة “خرو. إف” في غرب الأقصر، وقد تناقل المصريون تلك اللعبة عن أجدادهم الفراعنة، ومازالوا يمارسونها بحماس حتى اليوم.
ولعبة العصا هي لعبة قتالية تحولت إلى لعبة استعراضية خلال العقود الماضية، وأصبحت تقام لها مسابقات خاصة تجمع العشرات من اللاعبين المحترفين من جميع المحافظات بوجود محكمين أو شيوخ اللعبة، وهي لعبة مستمدة من الأصول الفرعونية القديمة.
وقد صور الفراعنة هذه اللعبة على جدران معابدهم وكانوا يهتمون بتعليمها للجنود، ويختلف نسبيا شكل وخطوات اللعب الآن عما سبق. كما أن العصا المستخدمة في اللعب في عصور الفراعنة، والتي وجدت نقوش لها على جدران معابد الأقصر، تتكون غالبا من نبات البردي المعجون الذي لا يؤذي الخصم أو المنافس.
وللعبة التحطيب ارتباط وثيق برياضة الفروسية على وجه التحديد إذ تقوم على التقاء فارس بفارس مما يجعلها تقترب أيضا في مظهرها العام من عوالم المنافسات الرياضية، إذ تمثل الرياضة مصدرا أوّل لعناصر هذه اللعبة وعاملا فاعلا في طريق نشأتها ويحتاج الراقص أو لاعب العصا إلى قوة الرد وسرعة المبادرة عند النزول إلى حلقة التحطيب التي تتكون من فرقة للمزمار ولاعبين يمسك كل منهما بعصا.
وإضافة إلى المتفرجين هناك “العوال” الذي يدير الحلقة، وداخل حلقة التحطيب تجد المكر والمغامرة والعزة والخداع والبطولة في آن واحد.
وبالرغم من أن لعبة التحطيب هي رقصة تروح عن النفس وتبهج الروح فإنها تؤدي إلى الموت أيضا، فإذا غاب الراقص عن مراقبة منافسه لجزء من الثانية أثناء الرقص داخل الحلقة يمكن أن يقوم المنافس الآخر بمفاجأته بضربة عصا في أي جزء من جسده. والمهارة هنا لمن يسد ضربات منافسة ويبادر بضربات راقصة متوالية. وأطرف ما في ضربات رقصة العصا -أو لعبة التحطيب- أنها ضربات ذات وقع راقص.وتعد الموالد الشعبية، للشيوخ والعارفين وأقطاب الصوفية، موسما رائجا لهواة لعبة التحطيب، والذين يتوافدون من كل قرى ومراكز صعيد مصر، لممارسة لعبتهم وسط ساحات باتت منصة دائمة للمتبارين من عشاق لعبة التحطيب.
ولفت الفنان أحمد الشافعي، مخرج المهرجان القومي للتحطيب في دورته الثالثة عشرة بالأقصر، إلى أن المهرجان القومي للتحطيب ذو هوية خاصة، إذ يتناول لعبة التحطيب التي تم توارثها منذ الفراعنة حتى الآن، وكيف تم استلهام استعراض العصا، الاستعراض الأشهر في كل فرق الفنون الشعبية، من لعبة التحطيب.
وأضاف أن لعبة التحطيب كانت لعبة للدفاع عن النفس، وكانت للدفاع عن الفرد والجماعة، وتظهر فيها حرفية اللاعب ومدى مهاراته، والعصا تمثل جزءًا من شخصيته، يزهو بالعصا فرحةً ونصرًا وفخرًا واعتزازًا وقوة وأدبًا وصحة… وهذه هي لعبة التحطيب.
وأشار إلى أنه تم استلهامها لكي تُقدم في استعراض العصا، “الذي نقدمه كهيىٔة قصور الثقافة من خلال فرق الهيئة من المحافظات المختلفة”. وتابع “نُقدم في استعراض العصا التحطيب، كما تعلمنا، وهذا هو الجديد الذي يتم في المهرجان”. وأوضح أن المهرجان بدأ عام 1990، وأقيمت عدة دورات ثم توقف لفترة لكنه عاد بشكل مستمر منذ عام 2017.