مصريون يبحثون عن أضاح زهيدة الثمن في دول أفريقية

عيد الأضحى مناسبة للتراحم بين مختلف شرائح المجتمع، ويوم يتذكر فيه الغني الفقير بصدقة من اللحم تنسيه حرمانه، لكن الارتفاع الجنوني لأسعار الأضاحي جعل العديد من المصريين ميسوري الحال يتجهون إلى دول أفريقية يقدمون فيها أضاحيهم للفقراء من المسلمين لأن أسعار الخراف والعجول هناك مناسبة.
القاهرة- بحث العديد من المصريين عن حلول واقعية وغير تقليدية للتعامل مع ارتفاع أسعار اللحوم المحلية قبل حلول عيد الأضحى المبارك، ولجأوا إلى بدائل تمكنهم من الحفاظ على هذه الشعيرة الدينية، بما يتماشى مع أوضاعهم الاقتصادية في ظل انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وكانت بعض الدول الأفريقية التي لديها فائض من الثروة الحيوانية الحل المناسب للبحث عن أضاح زهيدة الثمن.
راجت منشورات دعائية على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا تؤكد وجود جمعيات أهلية ومؤسسات خيرية وأصحاب ثروة حيوانية في دول أفريقية، تعرض ذبح الأضاحي بمقابل مادي لا يتجاوز ثلث ثمن الأضحية في مصر.
وتجاوبت مع الدعاية شريحة واسعة من المواطنين المصريين الراغبين في الأضحية، وبدأت الأضاحي خارج البلاد تتصدر المشهد هذا العام هربا من جنون أسعار الخراف والعجول محليا.
وتأثرت أسعار اللحوم في مصر بارتفاع أسعار الأعلاف وتكدسها في الموانئ لأشهر طويلة ما تسبب في أزمة عدم توفيرها، وسط اتجاه الحكومة المصرية إلى إجراءات تحد من الاستيراد لتخفيف الضغط على الدولار ومحاولة الحفاظ على حد أدنى من تماسك الجنيه الذي جرى تخفيضه ثلاث مرات مؤخرا، وفقد جزءا كبيرا من قيمته، وهو ما أدى إلى بلوغ سعر كيلو اللحوم الحمراء حوالي 350 جنيها (11 دولارا تقريبا).
أضحية عبر الفيديو
قال محمد سعيد، وهو موظف خمسيني بأحد الجهات الحكومية، لـ”العرب” إنه اتجه هذا العام لجمعية أهلية تتولى عملية ذبح الأضاحي في دول أفريقية، وتشرف على عملية توزيعها على الفقراء المسلمين هناك، وتواصل مع الجمعية التي أعلنت عروضها لشراء خراف وأبقار وماعز، وحددت له موعدا أقصاه السادس عشر من يونيو الجاري لحجز الأضحية.
لم يتعامل الرجل من قبل مع الجمعية ولا يملك ضمانات يمكن من خلالها التأكد من أنه لن يخضع لعملية نصب، لافتا إلى أن صفحة الجمعية على موقع فيسبوك تظهر أنها قامت بعمليات ذبح أضاح سابقة وتوزيع الصدقات وغيرها من الأعمال الخيرية في تنزانيا ومالاوي، وحصل على وعد بأن يكون الذبح في أول أيام عيد الأضحى، وتقوم الجمعية بإرسال فيديو يتضمن عملية الذبح باسمه وتوزيع اللحوم على الفقراء.
وبرر الموظف المصري اتجاهه إلى جمعية لديها نشاط خيري في أفريقيا بأنه سعى للحفاظ على شعيرة سنوية حرص عليها منذ أداء فريضة الحج قبل خمس سنوات، لكنه أضحى غير قادر على مجاراة أسعار الأضاحي في مصر بعد أن وصل سعر الخروف الصغير إلى تسعة آلاف جنيه (320 دولارا)، واختار أن يدفع مبلغ 1500 جنيه فقط (50 دولارا تقريبا) مقابل تحقيق الهدف ذاته.
لدى سعيد قناعة بأن فقراء الدول الأفريقية لا يقلون حاجة عن فقراء مصر، وقد يكونون أكثر حاجة منهم، خاصة أن الجمعية التي تعامل معها أقنعته بأن الملايين من المسلمين في مالاوي لا يجدون قوت يومهم ولا أحد يهتم بهم كأقلية في بلد فقير أصلا.
واتجه محمد سيد، وهو موظف بإحدى شركات القطاع الخاص، إلى إحدى المزارع المصرية في أفريقيا التي سوقت لمواشيها من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وهذه هي المرة الأولى التي يتجه فيها للخارج للتبرع بأضحية العيد، حيث تأثر بعدد من جيرانه الذين قاموا بذبح أضاح في كينيا وتنزانيا ومالاوي السنوات الماضية، ولديهم معرفة بمزرعة الحيوانات التي تتولى ذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء.
وأوضح لـ”العرب” أن المزرعة التي أرسل لها قيمة الأضحية لها حضور في دول عديدة وتترك حرية اختيار المكان لصاحب الأضحية وأرسلت معلومات بشأن الحالة الاقتصادية لكل دولة ومنطقة تتواجد فيها، وتتولى عملية الذبح والتوزيع وتصويرها للمتعاملين معها، وتتعهد بإرسال جزء من الأضحية عبر شركات شحن تابعة لها، لكن ذلك سيكون نظير مقابل مادي أعلى لتحمل تكاليف الشحن والتبريد.
وأشار إلى أن سعر البقرة بالكامل في دولة مثل تنزانيا يصل إلى 11 ألف جنيه (380 دولارا)، وهو نفس سعر السهم الواحد “السبع” إذا كان سيقوم بعملية الذبح في مصر بجانب مصاريف الجزار ومشكلات توافر مكان للذبح وصعوبة الوصول إلى المجازر التي تكتظ بالمواطنين في أول أيام العيد وتشوبها مخالفات نتيجة عدم النظافة أحيانا، ويتضاعف الثواب إذا قمت بتوزيع لحوم بقرة كاملة على العشرات من الفقراء.
وأكد رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة يسري الشرقاوي أن أفريقيا بها جميع محاور وآليات ومدخلات العملية الإنتاجية الزراعية، بما فيها إنتاج الأعلاف التي تؤثر بشكل قوي في إنتاج اللحوم البيضاء والحمراء، وتتمتع بتوافر السلالات القابلة للتسمين التي يمكن أن تعطي قدرا مرتفعا من اللحوم، كما أن 80 في المئة من أبناء القارة يحترفون الزراعة، ما يفسر الاعتماد عليها كسلة للغذاء واللحوم.
وأضاف لـ”العرب” أن أغلب دول القارة تملك فرصا جيدة في الإنتاج الزراعي، إلا أن هناك دولا تتوافر فيها إمكانيات أكبر دون غيرها ويمكن أن تزدهر فيها لحوم ومنتجات زراعية بشكل أكبر مثل موريتانيا وتشاد وزمبابوي وأوغندا، فضلا عن المغرب في شمال القارة الذي يملك أدوات إنتاجية متطورة في هذا القطاع.
الخطاب الديني
تخاطب الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تدعي ذبح الأضاحي في بلدان أفريقية الرأي العام المحلي في مصر من زاوية دينية وتتجاهل الأبعاد الاجتماعية التي يمكن أن تتربت على اتجاه قطاعات واسعة نحو الخارج لذبح الأضاحي، وتأثيرات ذلك على شريحة واسعة من الفقراء ينتظرون توزيع اللحوم عليهم سنويا.
ردت دار الإفتاء المصرية على سؤال أحد متابعي صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك حول ذبح الأضحية في غير البلد الذي يسكن فيه المضحي، فقالت “يجوز شرعا سواء كان الذابح هو المضحِّي أو نائبه أو وكيله، ولا حرج في ذلك شرعا”.
وقالت مسؤولة قسم التسويق بمؤسسة “سعي الخير” وهي جمعية أهلية مسجلة في مصر، تحدثت إلى “العرب” شريطة عدم ذكر اسمها، إن الجمعية انتهت من حجز ذبح ألف خروف و200 بقرة في ثلاث دول أفريقية، هي تنزانيا ومالاوي وكينيا، وإن الإقبال على الجمعية تضاعف هذا العام، وتتلقى الجمعية يوميا العشرات من الاتصالات رغبة في الاشتراك، وقلصت الجمعية عملها في مصر، وتتواجد هذا العام فقط في محافظتي أسيوط، في جنوب مصر، والوادي الجديد في جنوب غرب البلاد.
◙ شهد العام الحالي تراجعا في الإقبال على الأضاحي بنسبة تصل إلى 80 في المئة مقارنة بالأعوام الماضية
وأوضحت أن حجز الأضاحي اكتمل في مصر، لكنه جاء في مرحلة تالية للدول الأفريقية، وتولت الجمعية ذبح الأضاحي وتوزيع الصكوك في غالبية المحافظات، ومع ضعف الإقبال في العامين الماضي والجاري قررت التوسع خارجيا، وجاء الإقبال على الماعز في صدارة اهتمامات المصريين، ولا يزيد سعره عن 1200 جنيه (42 دولارا) ثم الخراف ووصل سعرها إلى 1700 جنيه (65 دولارا).
وكشفت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) في نوفمبر الماضي أن 93.1 في المئة من الأسر خفضت استهلاكها من اللحوم والطيور.
وحسب تقديرات شعبة القصابين (الجزارين) في مصر شهد العام الحالي تراجعا في الإقبال على الأضاحي بنسبة تصل إلى 80 في المئة مقارنة بالأعوام الماضية، فيما زادت أسعار المواشي هذا العام بنسبة مئة في المئة عن العام الماضي.
ووفقا لبيانات وزارة الزراعة، هناك حوالي 7.5 مليون من قطعان الماشية، منها نحو 4.5 مليون من الأبقار والجاموس و3 ملايين من الأغنام والماعز، وبلغ الاستهلاك السنوي نحو 1.3 مليون طن من اللحوم الحمراء، تستورد منها 40 في المئة.
ملاذ للحكومة والمواطنين
تعد بعض الدول الأفريقية ملاذا للمواطنين، وتوسعت الحكومة المصرية في استيراد اللحوم الفترة الماضية لحل أزمة ارتفاع أسعار اللحوم المحلية وتعاقدت وزارة التموين مع خمس دول، هي السودان وجيبوتي وتنزانيا وأوغندا في أفريقيا، والهند في آسيا، لاستيراد اللحوم الحية قبل أيام على عيد الأضحى لطرحها بأسعار مخفضة للمواطنين يتراوح سعر الكيلو بين 160 جنيها (5 دولارات) و220 جنيها (7 دولارات)، مقارنة بـ350 جنيها (11 دولارا) وأكثر لدى محلات الجزارة.
وأوضح أستاذ الموارد المالية بجامعة القاهرة عباس شراقي أن الوضع الطبيعي لتوفير الثروة الحيوانية يبقى في المراعي الطبيعية التي تتواجد في دول تتساقط عليها الأمطار بكثافة، ويظهر ذلك في دول شرق القارة، مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا والسودان وجنوب السودان ومالاوي والكونغو الديمقراطية، وفيها تكون تكلفة المواشي زهيدة للغاية.
93.1
في المئة من الأسر خفضت استهلاكها من اللحوم والطيور
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن دول شمال أفريقيا تلجأ إلى هذه البلدان لتوفير احتياجاتها من اللحوم في ظل عدم منطقية مبدأ الاكتفاء الذاتي، وتحديدا مصر التي تعد دولة جافة وتعاني شحا في المياه، وبحاجة إلى 15 مترا مكعبا من المياه لكل كيلوغرام من اللحوم، وتبقى المشكلة في طعم اللحوم بين مواش تتغذى على الحشائش في المراعي الطبيعية وأخرى تتناول الذرة، وهو أمر لا يتم النظر إليه في الأضاحي.
ولا يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم في البلدان الأفريقية 60 جنيها (دولارين) في حين تصل الأسعار في بعض محال الجزارة بمصر إلى 400 جنيه (13 دولارا).
من هنا يظهر الفرق الكبير في الأسعار، والتوسع في إنشاء مزارع مصرية داخل دول أفريقية، ما يساهم في زيادة الاتجاه نحوها للاعتماد عليها في الحصول على الأضاحي، وإذا توافرت سبل النقل السهل مستقبلا سوف يزداد الاقبال على أفريقيا.