"مصانع الأضواء المطفأة" فاتحة الثورة الصناعية الرابعة

طوكيو – “مصانع الأضواء المطفأة” مصطلح حديث يشير إلى مصانع المستقبل التي ستعتمد في تشغيلها على الذكاء الاصطناعي، وستكون جميع آلات المصنع مبرمجة لتعمل ذاتيا، دون الحاجة إلى عمال يديرونها، وبذلك فلا حاجة لتشغيل الأنوار.
وتعتبر شركة صناعة الروبوتات اليابانية “فانوك” واحدة من أوائل مصانع الأضواء المطفأة التي تعمل منذ عام 2001 دون إشراف بشري تقريبا.
ويقول مديرها غاري زيويول “لا يقتصر الأمر على إطفاء الأنوار فحسب، بل نوقف تكييف الهواء والحرارة أيضا”.
وتعتبر شركة “دونغان سيتي” المتخصصة في صناعة الهواتف في الصين، واحدة من أكثر الشركات طموحا وأحدثها تقنيات دون أياد بشرية، فكل معدات التشغيل وشاحنات النقل ومعدات المستودعات تعمل بواسطة الروبوتات التي يتحكم فيها عن بعد من خلال نظام التحكّم المركزي.
الثورة الصناعية الرابعة هي عنوان القرن الحالي حيث أصبح الروبوت السيد الحاضر في جميع مجالات الإنتاج مشرفا على جميع المراحل من التخطيط إلى تسليم البضاعة، هذه الثورة لا تهدد البشر في عملهم كما يعتقد البعض، ولكنها تفرض على الإنسان أن يطور مهاراته ليواكب التطور المتسارع للتكنولوجيا
ومع ازدياد انتشار تقنيات البرمجة والرقميات واستخدامها في مختلف القطاعات الصناعيّة، من السيارات إلى الإلكترونيات إلى الأدوية وغيرها، يتوقع المراقبون أن تنمو الكفاءة العامة للصناعات على مدى الأعوام الخمسة المقبلة بمعدل 7 أضعاف، مما يبشر بقفزة هائلة على صعيد نوعية وكمية الإنتاج، أطلقوا عليها تسمية الثورة الصناعيّة الرابعة.
وتعمل هذه الروبوتات المتقدمة في مختبرات البحث والتطوير التي تعتبر ضرورية للإنتاج، وتتم عبر الصناعيين والمصممين والكيميائيين والمهندسين الذين يقومون باختبار الفرضيات باستمرار، حيث يعد الاختبار والتكرار هما جوهر البحث والتطوير، وتنفق الشركات الكبرى المليارات من الدولارات كل عام عليه.
أساليب تقنية ورقمية
تستخدم الشركات عدة أساليب تقنية ورقمية من أجل تحسين عملية البحث والتطوير، والحد من الغموض عند البدء بعملية الإنتاج، منها الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد لتسريع تطوير الإنتاج عبر القطاعات.
وتتصدر عملية تسريع تطوير المنتجات اهتمام الشركات التي تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد، وفقا لمسح صناعي حديث، علما أن 57 بالمئة من أعمال الطباعة ثلاثية الأبعاد تتم في المراحل الأولى لتطوير أي منتجٍ جديد، حيث تتم بواسطتها رؤية نماذج أولية توضح كيف سيبدو المنتج المستقبلي، كما تعمل الروبوتات على أتمتة العملية الفيزيائية للتجارب، وتقليل نسبة الأخطاء لدى مجموعة كبيرة من القطاعات.
وبما أن الدارات الإلكترونية أصبحت أصغر من أي وقت مضى، فإن العمل على مقياس النانو يتطلب دقة تتجاوز القدرة البشرية، مما يجعل من الروبوتات الخيار المفضل لدى شركات تصنيع الرقاقات الإلكترونية مثل أنتل وسامسونغ.
وفي الوقت الذي يعتمد فيه جميع المصنعين تقريبا على برامج التصميم الحاسوبية، في عمليات التصميم الأولية، يمكن للواقع المعزز والافتراضي أن يلعب دورا أكبر في دعم عملية التصميم.
وبمجرد الانتهاء من تصميم المنتج، فإن الخطوة التالية هي التخطيط لكيفية صنعه، وهو الأمر الذي يتطلب عادة تجميع شبكة من موردي قطع الغيار وصانعي المواد الأساسية، ولكن العثور على الموردين واكتساب الثقة تعد عملية صعبة ومستهلكة للوقت. وقد يكون التصنيع اللامركزي أحد التغييرات الوشيكة التي تساعد الشركات المصنعة على التعامل مع الطلب على طلبات قطع الغيار، حيث يوظف التصنيع اللامركزي شبكة من المناطق الموزعة جغرافيا باستخدام منصات توزيع عالمية، مثل “كسومتري” و”ماكتايم” التي تقدّم خدماتها عبر الإنترنت، وتفي بطلبات القطع عبر شبكاتها المتصلة مع ورش العمل، والتي تعتمد في عملها على شبكة اللوجستيات لتأمين الطلبات على مستوى العالم.
وتهدف تقنية “البلوك تشين”، وهي عبارة عن برنامجٍ تقني لتخطيط موارد المؤسسات، إلى توحيد البيانات من عمليات الشركات المختلفة وأصحاب المصلحة المشتركة في بنية بيانات عالمية.
وتقوم العديد من الشركات العملاقة اليوم بتجريب مشاريع البلوك تشين، وغالبا ما تهدف على وجه التحديد إلى الحد من تعقيدات قواعد البيانات، وعندما يتعلق الأمر بتتبع مصادر قطع الغيار والمواد الخام، فإن البلوك تشين يمكنها إدارة التدفقات المتباينة إلى المصنع، وتتبع المنتجات عبر سلسلة التوريد من التصنيع إلى البيع، كما يمكنها توثيق المعاملات على سجل لامركزي دائم، يعمل على تقليل التأخير الزمني والتكاليف المضافة والأخطاء البشرية.
ومن المفترض لعملية التصنيع في ظل الثورة الصناعيّة الرابعة، أن تبدو وكأنها كائن حيوي ضخم ذاتي الاكتفاء، يحتاج فقط إلى تدخل بشري متقطع، ولكن لا يزال أمامها طريق طويل قبل أن تصل إلى ذلك، فوفقا لمقاييس التصنيع المرنة، تعمل مواقع التصنيع ذات المستوى العالمي بنسبة 85 بالمئة من قدرتها النظرية.
ومع ذلك، يبلغ متوسط معدل الإنتاج في المصنع حوالي 60 بالمئة فقط، مما يعني وجود مجال واسع للتحسين من خلال تكنولوجيا التشغيل عبر الإنترنت التي تشبه تكنولوجيا المعلومات التقليدية، ولكنها مصممة خصيصا للعمل في الأماكن محدودة التجهيز، أي الشركات المتوسطة والصغيرة نسبيا.
وتشتمل حزمة تكنولوجيا التشغيل عبر الإنترنت بالنسبة للمصنعين عادة على معدات التصنيع المتصلة بالإنترنت، والتي غالبا ما تكون مزودة بأجهزة استشعار صناعية تجدد بياناتها عبر الإنترنت، كما تشتمل على أنظمة التحكم الإشرافي واكتساب البيانات وواجهات الآلة البشرية، والتي توفر المراقبة الصناعية لمحللي العمليات، وطبعا الطابعات ثلاثية الأبعاد وأجهزة التحكم الرقمية لربط التصنيع بالكمبيوتر.
وتتيح هذه الحزمة وصول أحدث تقنيات البرمجة والرقميات إلى كل معمل أو قطاع إنتاجي، حتى ولو لم يمتلكوا معداته باهظة الثمن. وتعتبر تقنية “أدج” اتجاها جديدا في تقنية التشغيل بالإنترنت، ويستخدم الذكاء الاصطناعي لمعرفة الفروقات أو الحالات الشاذة فقط، دون الحاجة لنقل جميع البيانات، ممّا يوفر الكثير من الوقت والتكلفة.
فعلى سبيل المثال، لن تحتاج المصانع إلى تلقي 10 آلاف رسالة من الآلات تقول “أنا على ما يرام”، والتي تؤدي لإرهاق الشبكة عدا عن كلفتها، وبدلا من ذلك، ستقوم تقنية “أدج” الذكيّة بالتقاط الحالات غير الطبيعية فقط وإرسالها إلى الخادم المركزي، ليتمّ الإبلاغ عنها ومعالجتها.
العمال مطالبون بأن يكونوا أكثر مهارة في استعمال التكنولوجيا عما كانوا عليه قبل عقد من الزمن حتى لا يحالون على التقاعد
ومن المخاطر التي تواجه تقنية التشغيل بالإنترنت، هي أن الآلات قد تكون عرضة لأخطار الهجمات السيبرانية “القرصنة وأعمال التخريب عبر الإنترنت”، حيث بينت دراسة حديثة أن 28 بالمئة من الشركات المصنعة شهدت خسائر في الإيرادات بسبب الهجمات السيبرانية العام الماضي.
ورغم ذلك، فإن 30 بالمئة فقط من المديرين التنفيذيين عبروا عن رغبتهم في زيادة نفقات تكنولوجيا المعلومات من أجل الأمن السيبراني.
تقاعد الإبشر
مصانع الأضواء المطفأة تنذر بإحالة العمال على التقاعد المبكر وهو خطر يعتبره البعض بالكارثة الحقيقية على البشرية، ففي إحدى الدراسات الحديثة، تم وصف البشر على أنهم موجودون فقط لمساعدة التكنولوجيا، وليس العكس، لذا فعلى العمال أن يكونوا أكثر مهارة في استعمال التكنولوجيا عما كانوا عليه قبل عقد من الزمن.
وستكون أجهزة الواقع المعزز قادرة على تعزيز مهارات العاملين في المجال الصناعي، بالإضافة إلى كونها مؤشرا دقيقا يتيح تقييم أداء العمال، إذ يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي تحليل بيئات الماكينات المعقدة واستخدام رؤية الكمبيوتر لرسم أجزاء من الماكينة، مما يشكل دليلا مرئيا للعمال يعزز من مهاراتهم وكفاءتهم.
وعلى سبيل المثال، معمل لصناعة الأثاث، يستخدم نظاما مزودا بإشارات صوتية وماسحات ضوئية لتعقب العمل، مما يقضي على الخطأ البشري في تصنيع الأثاث، إذ لن يسمح النظام للعمال بالمتابعة إذا تم تنفيذ أي خطوة بشكل غير صحيح.
ورغم دخول الروبوت جميع مجالات العمل، لا تزال هناك حاجة إلى البشر للقيام ببعض المهام الدقيقة، والتي قد تعرضهم لأخطار عديدة، أهمها التعرض للتلوث، لذلك فإن الألبسة الآمنة والأجهزة القابلة للارتداء ستزيد من قدرة الإنسان على القيام بتلك المهام مع نسبة عالية من السلامة، مما قد يقلل بشكل كبير من الخسائر المادية الناجمة عن الإصابات البشرية.