"مش أنا" يكرّس مهارات تامر حسني ممثلا ومطربا

أجاد الفنان المصري تامر حسني في الجمع بين التمثيل والغناء في غالبية أعماله السينمائية، وكرّر التجربة ذاتها في فيلمه “مش أنا” الذي يُعرض حاليا في العديد من صالات السينما المصرية والسعودية، وأضاف عليها أنه مؤلف القصة والسيناريو والحوار أيضا، ما جعل الفيلم مفصّلا على مقاسه ويحاول من خلاله استعراض مواهبه المتعددة بما فيها الأكشن.
القاهرة- لا غبار على قيام الفنان بالجمع بين مثلث التمثيل والغناء والتأليف شريطة أن يتجرّد من النوازع الشخصية ويقدّم عملا ينطوي على حد مرتفع من الجودة الفنية، وربما يكون تامر حسني لجأ إلى هذه الطريقة في فيلمه الجديد “مش أنا” (ليس أنا) لأنه الأعلم بقدراته والساعي لاكتشاف المزيد منها، وربما يكون بسبب انعدام ثقته في المؤلفين.
ومهما كانت دوافع حسني فمن حقه البحث عن الوسيلة التي يريد تقديم نفسه بها إلى الجمهور، لكن عليه مراعاة أن النجاح لا يصنعه شخص واحد، وهو الذي استحوذ على كل مشاهد الفيلم، وكأنه يريد أن يبرز جانبا خفيا يتعلّق بتمكنه من تحريك يديه بطريقة تثير الانتباه واستعراض عضلات جسمه التي ساعدته على أداء مشاهد حركية مرنة.
قصة الفيلم الذي أخرجته سارة وفيق بدت جيدة من حيث المعنى النهائي، حيث تعالج أكثر من مشكلة اجتماعية وإنسانية ومرضية، لكن بعض المشاهد تشعر المتفرّج بأنها تنتقل بصورة مفاجئة من حال إلى أخرى، فالبداية كانت تشير إلى أننا أمام فيلم يتناول قصة تعلّق الشاب حسن (تامر حسني) بوالدته التي أدّت دورها ببراعة الفنانة سوسن بدر، وتكريس كل حياته لرعايتها والاهتمام بها إلى الدرجة التي جعلته كفنان تشكيلي واعد يسرف في رسم لوحات متعدّدة لها تملأ أركان منزله.
وظائف مختلفة

الفيلم حفل برسائل تحثّ المُشاهد على عدم الاستسلام للمرض والتمسّك بالطموح والإرادة مهما كانت العراقيل
رغم الفقر المدقع الذي يعاني منه حسن، لكنه لم يتأخّر عن توفير علاج والدته من خلال الالتحاق بأكثر من عمل لا يتناسب مع مؤهله العلمي (بكالوريوس التربية النوعية قسم تشكيل)، فتارة يعمل في توصيل الطلبات إلى المنازل (ديليفري) وأخرى عاملا في مطعم، وثالثة عاملا في أسانسير بأحد الفنادق الكبرى وغيرها، وكلها حوت مفارقة كوميدية لاستجلاب الضحك من الجمهور والتعبير عن لعنة المرض النادر.
بدت القصة في البداية عادية إلى أن اكتشف حسن أنه مصاب بحركة مفرطة في يده اليسرى جعلته لا يتحكّم فيها، وهو ما أدّى إلى ظهور الكثير من المواقف الدرامية والكوميدية في آن واحد، فالمرض النادر جعله يسرف في ضرب من حوله بشكل لا إرادي كاد يصل إلى حد قتل والدته وصديقه رستم الذي قام بأداء دوره الفنان ماجد الكدواني.
من هنا يتمكّن المشاهد من فكّ لغز عنوان الفيلم (مش أنا) كدليل على أن من يرتكب العنف هي يده وليس هو كشخص في إشارة إلى عدم التحكّم في التصرّفات، والتي جرّت معها مجموعة من المشاهد المأساوية خفّف منها أداء الكدواني السلس والمضحك ما جعل دوره كصديق لحسن يتجاوز فكرة “السنيد” المعروفة في السينما، فقد حجز الكدواني مقعدا في الصفوف الأولى للممثلين في مصر، فكل دور يلعبه يضفي عليه أداء جذابا ويحوي إضافة فنية إليه وإلى العمل.
مرت البطلة حلا شيحة في أول ظهور لها بعد عودتها من الاعتزال كطيف رومانسي، لأن معظم المشاهد التي جمعتها بحسن كانت أشبه بسيمفونية ناعمة، بدأت بالحب وانتهت بالارتباط، مرورا بالدور الذي لعبته في تخفيف حدة مرض فرط الحركة لدى حسن، وهو مرض حقيقي ونادر ينجم عن عدم قدرة أحد فصوص المخ على التحكم بحركة اليد المفرطة، ما يؤدّي إلى مواقف يتداخل فيها البكاء مع الضحك.
وحوى فيلم “مش أنا” رسالة عميقة تتعلق بعدم الاستسلام للمرض والتمسّك بالطموح والإرادة، الأمر الذي عبّرت عنه أغنية “خليك فولاذي” التي غنّاها حسني وكانت عنوانا رئيسيا للفيلم أو ملخصا لمضمونه، حيث تكرّرت كلمة “فولاذي” أكثر من مرة، والتي حرصت المخرجة على أن تكون في تتر النهاية.
وأسهمت الموسيقى التصويرية التي أعدّها عادل حقي في تقريب الأجواء الدرامية للجمهور والتخفيف من حدتها في المشاهد التي بدت فيها حركة حسن غاية في التراجيديا، وسهلت مهمة المخرجة في تقريب المسافات الفنية، خاصة أن هذا الفيلم أول عمل روائي طويل لها.
وحرصت المخرجة على الربط غير المباشر بين مصر والسعودية من خلال إظهار بعض معالم البلدين المعروفة، والتي جاءت أحيانا بلا سياق درامي يستوجبها، فقط لتقديم صورة تحمل إشارة إلى أن العمل جرى تصويره فعلا في البلدين.
وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها تصوير فيلم مصري في المملكة التي زاد انفتاحها الفني مؤخرا، مع أن تبرير التصوير هناك لم يكن مقنعا، حيث تم إقحام قصة سعودي مصاب بنفس المرض النادر الذي أصيب به البطل، ما استدعى حسن وصديقه رستم ومحبوبته جميلة للسفر معه للتعرّف على تجربته في الرياض باعتباره تعايش مع مرضه وشُفي منه إلى أن فوجئنا بعكس ذلك، إذ بدا مرضه أشدّ عنفا.
تامر وعبدالحليم
استفاد تامر حسني من تجربته السينمائية التي وصلت إلى نحو 15 فيلما خلال حوالي عقدين في تكريس منهجه في الجمع بين التمثيل والطرب وخفة الظل، واستعراض موهبته في هذه الجوانب، ولا ينكر حسني أن قدوته في هذا الأمر هو الفنان المصري الراحل عبدالحليم حافظ الذي أجاد وحفر اسمه كمطرب وممثل.
وأثار هذا التشبيه انتقادات البعض باعتبار أن حسني يريد أن يضع نفسه في كفة واحدة مع حليم الذي ظل متربعا على عرش السينما والغناء في مصر لفترة طويلة، وتميز بالطرب الرومانسي، وبرع في أداء الكثير من الأغنيات الوطنية التي حجزت مكانه في الصفوف الأولى طوال عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وحصل على لقب مطربه المفضل، فعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر أرادت اختيار رمز فني لها لم يستهلك في العهد الملكي، فوقع الاختيار عليه.
ويستطيع حسني التشبه بمن يشاء وتبقى المقارنة في ذهن النقاد والجمهور، وهما اللذان يحدّدان الأفضل حسب المعايير الفنية والأداء العام والحضور ودرجة التأثير، ولا أحد ينكر أن لحسني جمهورا عريضا يضعه في مرتبة متقدّمة بين أقرانه الآن، لأنه استطاع الحفاظ على مكانته تمثيلا وطربا.
مضى فيلم “مش أنا” على طريق الكثير من الأفلام التي تستعين بضيوف الشرف للإيحاء بأن هناك أكثر من بطل يشارك في العمل، ومع أن الممثل الأردني إياد نصار ظهر في مشهد واحد في دور الطبيب الذي شخّص علميا طبيعة مرض حسن، غير أنه ترك انطباعا بأنه موجود في لقطات عدة، فالمشهد الذي ظهر فيه كان فاصلا ومؤثرا، أو باختصار الـ”ماستر سين”.
كما أن كلا من سوسن بدر وشيرين وصبري عبدالمنعم وعصام السقا ومحمد عبدالرحمن الذين ظهروا في مشاهد متفاوتة، كان أداؤهم يتناسب مع خبراتهم وتجاربهم، وأوحت المشاهد التي ظهروا فيها بالعافية الفنية والزخم، لكن العقبة الوحيدة أنها دارت في فلك عقدة المرض المزمن الذي يعاني منه حسن.
حوى الفيلم رسالة عميقة تتعلق بعدم الاستسلام للمرض والتمسّك بالطموح والإرادة، الأمر الذي عبّرت عنه أغنية “خليك فولاذي” التي غنّاها حسني
لم يكن فيلم “مش أنا” أفضل أفلام حسني لأنه قدّم ما هو أعلى فنيا مثل “البدلة” وقبله “عمر وسلمى”، لكن الفكرة بدت مبتكرة هنا، إلاّ أن المبالغة التي حظيت بها قللت من أهميته، فقد جاءت بعض المشاهد مفتعلة ولتأكيد مهارة حسني في توظيف حركات اليد في أكثر من اتجاه، مثل محاولة قتل والدته، والاضطرار للرقص مع جميلة، وهو يعاني من فرط الحركة، وحتى خنق نفسه.
يبقى أن الفيلم الذي يعرض في أجواء التباعد الاجتماعي التي فرضها وباء كورونا يحقّق إيرادات مرتفعة في جميع دور العرض، حبا وشغفا ونهما للسينما التي عانت من مرحلة قاسية بسبب تعطّل الكثير من الأعمال والاضطرار للتعايش مع الوباء.
ويشجّع الإقبال الجماهيري الذي حظي به “مش أنا” على خروج الكثير من الأفلام المصرية من العلب، فخلال الأيام المقبلة سيتم عرض أفلام “العارف” للفنان أحمد عز، و“البعض يذهب للمأوذون مرتين” للفنان كريم عبدالعزيز، و“الإنس والنمس” للفنان محمد هنيدي، و“موسى” للفنان محمد محمود عبدالعزيز، ما يعني عودة دور السينما هذا الصيف إلى نشاطها الذي طال انتظاره.