مشغولات الفضة.. ذائقة فنية تبرز التنوع الثقافي في السعودية

الطائف (السعودية) - تبرز المشغولات اليدوية للفضة المكونات الثقافية المتنوعة للمملكة، وتتجلى من خلالها مظاهر الأناقة والفخامة وبراعة الحرفيين السعوديين في تشكيلها بكل تفرد وذائقة فنية.
وتجسد صناعة الحلي الفضية تاريخا زاخرا، إذ أعاد “عام الحرف اليدوية 2025” اهتماما جديدا بين الفتيات والحرفيات وعملهن موضة مبتكرة، بداية من تعلم صياغتها وتهذيبها وتحويلها إلى منتجات للمستهلك بطريقة جذابة مثل الخلخال والأساور والخواتم، إضافة إلى الأطقم التي تُلبس في العنق.
وأكد المهتم بصناعة وصياغة الفضة ماهر العولقي أن سوق الفضة لا يزال يسجل إقبالا كبيرا من مختلف المناطق من زائري المملكة الذين يشترون العديد من الفضيات القديمة المعبرة عن ثقافة المجتمع السعودي، مضيفا أن صياغة الفضة إحدى الحرف التقليدية البارزة في المملكة، ويعمل بها الرجال والنساء، وتتداخل مع صياغة الذهب والنحاس، إلا أن الفضة تبقى الأكثر استعمالا ورونقا في صناعة المجوهرات والحلي.
وأشار العولقي إلى أن الفتيات يحرصن على اختيار إكسسوارات الفضة في الأعراس والمناسبات الوطنية، لما لها من منظر جذاب ومتميز عن غيره من الحلي العصرية. وأضاف أن العديد من الفتيات السعوديات بالتزامن مع “عام الحرف اليدوية 2025” بدأن في تعلّم حرفة صناعة مشغولات الفضة من خلال الدورات التدريبية، واعتمادهن على الإبداع، ونجحن في تحويلها إلى مشاريع لعرض منتوجاتهن وسط إقبال لافت.
سوق الفضة لا يزال يسجل إقبالا كبيرا من مختلف المناطق من زائري المملكة الذين يشترون العديد من الفضيات القديمة
واختتم العولقي حديثه بأن استخدام الآلات في صياغة الفضة يُعد أحد الأساليب الحديثة بدلا من استخدام اليدين سابقا، واستخدام الغاز لإيقاد النار للتلحيم بدلا من استخدام الفحم للحصول على الحرارة المطلوبة في مرحلة الصهر، واستخدام القوالب الجاهزة من الشمع، ساعدا الحرفيين على تسريع وتيرة التصنيع، وإنتاج قطع كثيرة لا تستغرق وقتا طويلا وجهدا مضاعفا، وتضمن أن تكون جميع القطع بنفس المقاسات والتصميم.
وبفضل براعة الحرفيين في تشكيلها، تعتبر صناعة المشغولات اليدوية من الفضة في المملكة العربية السعودية أحد أبرز تجليات الثقافة والتراث السعودي، حيث تجمع بين الأناقة والفخامة.
وبحسب هيئة الجيولوجية السعودية، فإن الفضة من أهم الفلزات المسجلة في الكثير من المكامن داخل منطقة “الدرع العربي” المحاذية للبحر الأحمر، وأشهر هذه المكامن سمرة في مقاطعة الدوادمي، وحجلان وأم حديد، ووادي الغوال. كما يُنتج الفضة كمنتج جانبي في العديد من مناجم الذهب مثل مهد الذهب، والصخيبرات، والأمار، ومنجم الحجار والمصانع، والنقرة.
ويُعرف عن المرأة العربيّة عموما عشقها للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة التي تبرزها جمالا وبهاء وتعزّز تدليلها لنفسها، وتحتلّ الفضّة المركز الثاني بعد الذهب من حيث الرغبة باقتنائها. هذا الأمر كان قديما، أمّا في العصر الحالي، ومع رواج صناعة الإكسسوارات، بات الأمر مختلفا.
ويشير خبراء الموضة إلى أن للفضة في المملكة تاريخا قديما وحديثا، وقد تطور في العصر الحالي جنبا إلى جنب مع زينة الإكسسوار.
وقالت ديانة طاهر إسماعيل الخبيرة في الأزياء التراثية “قديما كانت استخدامات الحلي الفضية تختلف من منطقة إلى أخرى في المملكة العربية السعودية. فهناك مناطق تُعتبر فيها الحلي الفضية جزءا لا يتجزأ من زينة المرأة، وبخاصة العروس، وذلك بعدة أشكال، حلي للرأس، عقود، خواتم، خلاخيل، أحزمة، والتي يكثر استخدامها في منطقة أبها والطائف. وإذا ما اتجهنا جنوبا إلى جيزان، تعتمد الزينة كثيرا على الحلي الفضية. أما بالنسبة إلى المنطقة الغربية، فيميل أهلها إلى حلي الذهب والألماس في لباسهم التراثي. ومن جهتهم، يمتلك أفراد قبائل الهدا أكثر من لباس تراثي، لذلك يعتمدون على زينة الفضة.”

وتضيف ديانة “اليوم، قبائل قليلة في المملكة لا تزال تلبس لباسها التراثي القديم، ومن مكملاته الحلي بأشكاله القديمة. أما في مكة والمدينة، فلم يعد اللباس التراثي زيا رسميا إلا في ليلة الغمرة، أو في الحفلات التنكرية. وعليه يترتب عدم وضع الحلي بأشكالها القديمة، في غياب الزي التراثي، الذي تعد مكمّلا له، حيث إنّ نساء اليوم أصبحن يرتدين الحلي الفضية العصرية. وبالرغم من ذلك، هناك بعض القبائل والمناطق التي لا تزال متمسكة بالزي التقليدي القديم، الذي يرتب على أهلها وضع الحلي التراثية، على غرار أهل منطقة الهدا، الذين لا يزالون إلى الآن يلبسون زيهم التقليدي في مناسباتهم العامة والمهمة، وعندما يزورون بعضهم البعض، وهم لا يزالون يتباهون بذلك.”
وتتابع “أما عن حلي الفضة اليوم، فهي تنقسم إلى قسمين في المملكة: الأول في المدن، التي لا تزال تحافظ على لباسها التراثي القديم، ما يعني أنّ حلي الفضة لا تزال على أشكالها القديمة، والثاني، في الكثير من مناطق المملكة، حيث يبقى التزيّن بالفضة أمرا مهما لدى المرأة
السعودية، التي تعتمده مع الجلابيات وفي المناسبات، كاليوم الوطني، وفي ليلة الحنّاء، أو خلال شهر رمضان. وتزيّنها بالفضة يأتي بشكل مستحدث وعصري، خصوصا وأنّ العديد من تصاميم اليوم تدمج الفضة مع الأحجار الكريمة والألماس.”
وتختم إسماعيل بقولها “إنّ الفضة جزء مهم من زينة المرأة السعودية عبر العصور، لأنّها لا تستطيع أن تستغني عن الحلي الأصيلة، التي تدخل من ضمنها الفضة، إلى جانب الذهب والألماس.”