مشاعر متضاربة للناخبين العرب في أميركا: التصويت أو المقاطعة

تحاول حملة المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس استمالة الناخبين العرب في ميشيغان وعدد من الولايات المتأرجحة، لكنها تصطدم بحائط صد من قبل الكثيرين الذين يرون أنها "لم تفعل ما يكفي تجاه غزة".
ميشيغان (الولايات المتحدة) - غطت أطباق اللبنة وخبز الزعتر طاولات مطعم لبناني قرب ديترويت. لكنها لم تفتح شهية أحد على ما يبدو.
كان كبار مبعوثي المرشحة كامالا هاريس إلى الجالية العربية الأميركية يستمعون إلى قادة محليين يشرحون لهم أن اعتزام الكثيرين في المجتمع العربي مقاطعة التصويت يرتبط باستمرار الحرب في غزة.
وقال نبيه عياد، مؤسس ورئيس الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية، “أنا أحب هذا البلد. لكنني سأخبركم أن أملنا فيه لم يخب مثل هذه المرة. أردنا منح الحزب الديمقراطي الفرصة لفعل شيء ما. لكن هذا لم يحدث”.
وأضاف عياد أن “الخط الوحيد الذي لا يمكننا تجاوزه هو الإبادة الجماعية”، في قطاع غزة.
وعينت حملة هاريس نسرينا بارغزي وبريندا عبدالعال لقيادة عملية التواصل مع العرب والمسلمين. واستمعتا للأصوات باهتمام لكنهما لم تقولا الكثير ردا عليها.
وتفسر مثل هذه المحادثات أية خسارة يمكن أن تتكبدها هاريس على مستوى ميشيغان في الانتخابات الرئاسية المقررة الأسبوع المقبل.
وتضم منطقة ديترويت أكبر تجمع للأميركيين العرب في البلاد. ويخشى الديمقراطيون من أن تدفع هاريس ثمنا باهظا نتيجة للدعم الأميركي لإسرائيل، التي تنفي كون عملياتها العسكرية في غزة إبادة جماعية.
العديد من كبار القادة العرب الأميركيين (حتى أولئك الذين لم يؤيدوا هاريس) لا يزالون غير مقتنعين بترامب
وقال أفراد المجتمع العربي الذين يدعمون الديمقراطيين عادة إنهم أمام قرار صعب. فإما أن يعاقبوا هاريس على ما يعتبرونه تواطؤا في مقتل ما لا يقل عن 43 ألف فلسطيني، أو يتحملون عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ويخشون أن تحيي إعادة انتخاب ترامب التمييز تجاه مجتمعهم.
وشهد تجمع هاريس الانتخابي في آن آربر ليلة الاثنين تذكيرا بتعقيدات الوضع. وقال أسعد تورفي، أحد المسؤولين الأميركيين العرب القلائل في ميشيغان الذين أيدوا نائبة الرئيس الحالي، إن مجتمعه يحتاج إلى شخص “يرانا، ويفهمنا ويمنح صوتا لآلامنا”. ويعتبر تورفي “بلا شك كامالا هاريس تلك القائدة”.
ولكن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين قاطعوا هاريس. وصرخوا “إسرائيل تقصف وكمالا تدفع. كم عدد الأطفال الذين قتلتهم اليوم؟”. أجابت هاريس “أسمعكم” و”نريد جميعا أن تنتهي هذه الحرب في أقرب وقت ممكن”.
وليس من الواضح بعد عدد المشككين الذين ستتمكن هاريس من كسب تأييدهم، خاصة وأنها لم تقترح أي تغييرات ملموسة في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل أو الحرب في غزة.
وكان الرئيس الحالي جو بايدن فاز قبل أربع سنوات بهامش 3 إلى 1 في ديربورن، حيث يعد حوالي نصف السكان البالغ عددهم 110 ألف نسمة من أصل عربي. ويخشى الديمقراطيون الآن أن يتوجه بعض هؤلاء الناخبين إلى ترامب أو مرشحي حزب ثالث مثل جيل ستاين، مرشحة حزب الخضر.
وعقد النائب الأميركي رو خانا، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، الاجتماع الأخير في المطعم اللبناني في إطار جهوده لمساعدة حملة هاريس. وقال “إنهم منقسمون. سيصوت البعض لهاريس، مدركين أنه بإمكانهم الحصول على مقعد على الطاولة. لكن آخرين سيصوتون لستاين أو يحتفظون بأصواتهم. كما ستصوت أقلية لترامب”.
وتمكن ترامب من حشد بعض التأييد من المسلمين في المنطقة، بما في ذلك اثنين من رؤساء البلديات الديمقراطيين الذين يمثلون المدن ذات الأغلبية المسلمة خارج ديترويت. وصعد العديد من المسلمين على خشبة المسرح إلى جانبه في تجمع حاشد في المدينة يوم السبت.
ويعد المرشح الجمهوري بوضع “حد للحروب التي لا تنتهي”. ويشير في هذا الإطار إلى اتفاقيات إبراهيم التي وقعتها إسرائيل مع العديد من الدول العربية خلال فترة رئاسته.
وسخر ترامب من احتضان هاريس للنائبة السابقة ليز تشيني، وهي جمهورية محافظة كان والدها، نائب الرئيس السابق ديك تشيني، أحد الصقور الداعمين للغزو الأميركي للعراق. ونظمت هاريس حملة مع ليز في محاولة لجذب الجمهوريين المعتدلين الذين أنفرهم ترامب في ميشيغان وأماكن أخرى.
لكن العديد من كبار القادة العرب الأميركيين (حتى أولئك الذين لم يؤيدوا هاريس) لا يزالون غير مقتنعين بترامب ويقولون إن تأييده لا يعكس غالبية المجتمع. كما يتذكرون دعوته إلى “حظر تام وكامل” للمسلمين الذين يدخلون البلاد وقيود سفره على الزوار من الدول ذات الأغلبية المسلمة. ويشير البعض إلى أن ترامب اقترح أنه سيمنح إسرائيل مساحة أكبر لمهاجمة منافسيها في المنطقة.
غير الملتزمين
ليس من الواضح بعد عدد المشككين الذين ستتمكن هاريس من كسب تأييدهم، خاصة وأنها لم تقترح أي تغييرات ملموسة في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل
تورفي، الأميركي اللبناني ونائب المدير التنفيذي لمقاطعة واين، من بين القادة الأميركيين العرب القلائل في ميشيغان الذين أيدوا هاريس. ويقول إنه يميل لها لضمان عدم عودة المجتمع تحت حكم ترامب الذي “فتح جروحا قديمة يعرفها الجيل الذي عاش السنوات الأولى التي تلت هجمات 1 سبتمبر”.
وصدمه وكلاء الهجرة في 2005 حين قدموا إلى منزله لاحتجاز زوجته، التي وصلت البلاد ولم تكن على دراية بعدم تمتعها بجنسية قانونية.
وقال “جاءوا لأخذها ومزقوا عائلتي”.
ثم قُتلت جدتا تورفي في لبنان سنة 2006، عندما تواجهت إسرائيل مع حزب الله في حرب دعمها الرئيس جورج دبليو بوش.
وقال تورفي إن مجتمعه كان جمهوريا في المقام الأول حتى تلك السنوات. لكنه تحول نحو الديمقراطيين خلال رئاسة باراك أوباما ثم دعم بايدن على حساب ترامب في 2020. لكن هذه الروابط السياسية تتمزق اليوم.
وشنت حماس هجوما على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ردت عليه إسرائيل بحملة عنيفة في غزة بدعم من إدارة بايدن.
وأطلق الديمقراطيون المناهضون للحرب في ميشيغان وأماكن، أخرى مع تصاعد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، حركة تصويت احتجاجية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وسجّلوا أكثر من 100 ألف صوت غير ملتزم. وكان جل هؤلاء من مدن الولاية ذات الأغلبية المسلمة مثل ديربورن.
وكان تورفي جزءا من الحركة غير الملتزمة حين كان بايدن يخوض السباق الرئاسي. لكنه قال إنه غير رأيه عندما أصبحت هاريس المرشحة. وأيدها في أغسطس والتقى بها قبل تجمع حاشد بالقرب من ديترويت في أكتوبر.
وأكد أنه أخبر هاريس عن مقتل جدتيه قبل عقدين. وأضاف “شعرتُ بتعاطفها. لقد شعرت بألمي”.
وأثار تأييد تورفي لهاريس رد فعل غاضب. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور معدّلة تتهمه بتأييد الفظائع في غزة. كما تلقى رسائل نصية تصفه بالخائن. وأصبحت العلاقات الطويلة الأمد مع أبناء المجتمع في مسقط رأسه ديربورن متوترة.
واعتادت سهيلة أمين المقيمة في ديربورن، والتي عاشت في لبنان من 2017 إلى 2021، على كون الضوء مسلطا على مجتمعها على المستوى الوطني. وكانت قد برزت للجمهور الأميركي في 2012 عبر برنامج من تلفزيون الواقع يحمل اسم “أوول أميركان مسلم” على شبكة “تي أل سي”. وطالما كانت أمين ديمقراطية. لكنها قالت إنها لن تصوت لهاريس.
وترى أن الديمقراطيين يرسلون مبعوثيهم لتقصي الوضع والاطلاع على مشاعر الناخبين خشية خسارة ولاية متأرجحة. وتعتبر أن أي خسارة للديمقراطيين ستكون بسببهم هم أنفسهم.
وقالت أمين إنها لا تريد أن يفوز ترامب أيضا، ولكنها لن تدعم هاريس رغم ذلك.
حجة هاريس للعرب

شارت هاريس بشكل نادر إلى حرب إسرائيل ضد حماس وحزب الله خلال خطاب ألقته مؤخرا في مقاطعة أوكلاند.
وقالت “كان هذا العام صعبا للغاية، نظرا إلى حجم الموت والدمار في غزة والخسائر في صفوف المدنيين والنزوح في لبنان”. وأكدت أن مقتل رئيس حركة حماس يحيى السنوار “يمكن، ويجب أن يكون، نقطة تحول”.
وأشارت إلى كونها “فخورة جدا بنيل دعم” تورفي وغيره من القادة المسلمين.
لكن خطابات هاريس لم تتطرق إلى أي خفض في تدفق الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل. ولم يسمح المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في أغسطس لشخص فلسطيني بالتحدث، وهو ما شكّل رفضا لمطلب رئيسي للحركة غير الملتزمة.
وبقي خانا، الديمقراطي التقدمي من كاليفورنيا، على اتصال وثيق مع القادة الأميركيين العرب في ديترويت لعدة أشهر. وتحصل هذا الصيف على جائزة “الشخصية الشجاعة” من رابطة الحقوق المدنية العربية الأميركية. وقال الهندوسي خانا إن خلفية عائلته منحته تجارب مشتركة مع الأميركيين العرب.
وجلس خانا إلى جانب مديري التواصل العربي والإسلامي في حملة هاريس خلال الاجتماع الذي عُقد في 26 أكتوبر مع القادة العرب الأميركيين. وشاركهم الرأي القائل إن هاريس “لم تفعل ما يكفي” للمساعدة في إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.
ويرى خانا أن نجاح ترامب سيعني إقصاءه، “حيث تمنح هاريس أشخاصا مثلنا مقعدا على الطاولة للدفاع عنكم”.
وكانت هذه رسالة يتفق معها مايك موشينيش، وهو فلسطيني أميركي يدير متجره الخاص لقطع غيار السيارات وحضر الاجتماع. وقال إن المجتمع يجب أن يصوت لهاريس حتى لو لم يتوافق معها.
وأضاف “إذا أردنا مقعدا على الطاولة، فعلينا مساعدتها على بلوغ خط النهاية”.