مشاركة المرأة في الحياة العامة من الإصلاحات القانونية إلى إحداث الأثر

النوع الاجتماعي، والقانون والسياسة العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ موضوع يطرح قضايا ذات أهمية قصوى تتعلق بالمساواة في النوع الاجتماعي أو ما يتعارف عليه بالـ”جندر” من خلال دراسة مكانة المرأة في هذه المناطق في القوانين والتشريعات وفي السياسات المعتمدة بهدف التوعية ودرس سبل تمكينها من المشاركة الفعلية في التنمية المستدامة وفي النهوض بالمجتمع من خلال إتاحة فرص التعلّم والعمل ودعم حضورها في مواقع أخذ القرار والمناصب العليا في الحكومات.
العديد من العقبات المرتبطة بالواقع المجتمعي للمرأة تضعف وتحدّ من قدرتها على المشاركة الفعالة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واحتلال المناصب الريادية. وبما أن الاختلاف في النوع ينتج عنه اختلاف في اهتمامات وأولويات كل من المرأة والرجل فإن ذلك يؤكد ضرورة أن تتمّ مراعاة احتياجات النساء والرجال على حدّ سواء وهو ما يطرح مفهوم المساواة الإيجابية بين الجنسين خاصة في المجتمعات التي مازالت تنظر للمرأة نظرة دونية ومنها مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اختلال التوازن بين طرفي النوع الاجتماعي وخاصة وضعية المرأة المتردية دفعت منظمات نسوية مدنية دولية منها المنظمة العربية للتنمية الإدارية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية (OECD)، ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث بتونس (كوثر) إلى إطلاق ندوة رفيعة المستوى احتضنتها المملكة الأردنية تحت رعاية الملكة رانيا العبدالله، بعنوان “النوع الاجتماعي، والقانون والسياسة العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، وتهدف الندوة إلى تعزيز الحوار بشأن السياسات المتّبعة وتبادل خبرات البلدان في مجال النوع الاجتماعي والسياسة العامة وإلى تحديد الممارسات والشروط الجيدة لنجاحها في تعزيز تمكين المرأة والقضاء على التمييز القائم على الجنس في صنع السياسات.
كما تم عرض الأساليب الوطنية والممارسات المثلى في معالجة الفجوات بين الجنسين في القوانين الوطنية وأوجه التناقض في التقيد بالالتزامات الدولية، وذلك من خلال تقرير أعدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالتعاون مع مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوثر) وبدعم من المنظمة العربية للتنمية الإدارية بشأن “النوع الاجتماعي والقانون والسياسة العامة: الاتجاهات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
الحلول تكمن في القضاء على الأمية وتخصيص نسبة من فرص العمل للنساء ومساواة فرص التدريب والتأهيل وتكثيف برامج التوعية حول شؤون المرأة وحقوقها
في هذا الإطار برزت عديد النتائج التي تؤكد أن المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حققت أشواطا من التقدم في المجال التشريعي وفي السياسات المتبناة من قبل الحكومات في إطار تفعيل دور المرأة أكثر وتمكينها في جميع المجالات وفي المناصب الريادية، غير أن هذا التقدم لم يصل إلى المستوى المنشود، فأحيانا تطلعنا نتائج الإحصاءات على أرقام تؤكد وجود المرأة في مختلف الوظائف والمناصب إلا أن دورها ليس فعليا وملموسا وقد يكون وجودها فقط كرقم يحتسب لا كشخص كفء قادر على الإضافة للمؤسسة التي تشغله.
أما الصبغة التي تشترك فيها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فهي أن التشريعات والقوانين التي تدعم تمكين المرأة وتشريكها الفعلي في بناء الدولة إما أن تكون ضعيفة ومنقوصة، أو إن وجدت فإن السياسات والحكومات لا تسهر على تطبيقها على أرض الواقع وترجمتها فعليا، وهي بدقة الوصف إما غائبة أو غير مفعّلة جديا. هذا ما تحاول منظمات المجتمع المدني وخاصة المنظمات النسوية كشفه وتحليله بهدف الوصول للاستراتيجيات الكفيلة بإصلاح الوضع وتمكين المرأة من حقوقها كاملة ومن المناصب التي تتيح لها كفاءاتها تولّيها.
وكشف تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “المرأة في الحياة العامة: النوع الاجتماعي والقوانين والسياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” على الاتجاهات الرئيسية لسياسات النوع الاجتماعي والإصلاحات القانونية عبر المنطقة.
رغم التقدم الذي تم إحرازه في مجال حقوق المرأة تبقى مظاهر التمييز موجودة في المحيط الضيق من خلال الحياة الخاصة والأسرية، وفي المحيط الأرحب في الفضاء الاجتماعي والوطني وكذلك في المحيط الدولي
وأكدت هالة الأنصاري الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة البحرينية أن مملكة البحرين حققت ثاني أعلى نسبة وزيرات بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في إطار التشريعات التي تدعم المرأة للوصول إلى مناصب صنع القرار في القطاع العام. وبيّنت أن المجلس الأعلى للمرأة اعتمد العديد من البرامج والمبادرات الداعمة لتبوؤ المرأة المناصب القيادية، والهادفة لتحفيز مؤسسات القطاع العام والمؤسسات الخاصة نحو انتهاج ممارسات تدعم تكافؤ الفرص بين الموظفين، وإدماج احتياجات المرأة العاملة المستفيدة بما يدعم وصولها إلى مناصب صنع واتخاذ القرار ويحقق تكافؤ الفرص في الخدمات المقدمة. وفي مجال تكافؤ الفرص وإدماج احتياجات المرأة في التنمية ذكر التقرير بأن مملكة البحرين تعتبر من أكثر دول المنطقة التي أوكلت مهام إيجابية وواضحة للجان تكافؤ الفرص في القطاع العام.
أما الإشكالية المركزية التي تمحورت حولها نقاشات الندوة فتمثلت في مشاركة المرأة في الحياة العامة من الإصلاحات القانونية إلى إحداث الأثر، وهي ترمي إلى إصلاح التشريعات الكفيلة بضمان تمكين المرأة مائة بالمائة وإحداث الأثر من خلال تطبيقها واقعيا عبر وضع المرأة في قيادات القطاع العام، إلى جانب تدعيم المؤسسات للنهوض بالمساواة بين الجنسين، واستعراض ومراجعة المناهج الخاصة بإدماج وتعميم القوانين والسياسات والموازنات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، والإصلاحات القانونية من أجل المساواة بين الجنسين في الحياة الخاصة، والمساواة بين الجنسين في القوانين والسياسات العامة.
تعزيز الحوار بشأن السياسات المتّبعة وتبادل خبرات البلدان في مجال النوع الاجتماعي والسياسة العامة وتحديد الممارسات والشروط الجيدة لنجاحها في تعزيز تمكين المرأة والقضاء على التمييز القائم على الجنس
وتضمنت توصيات التقرير تعزيز الحوار بشأن السياسات وتبادل خبرات البلدان في مجال النوع الاجتماعي والسياسة العامة، وعلى وجه الخصوص تعزيز تمكين المرأة والقضاء على التمييز القائم على الجنس في صنع السياسات، حيث تسعى الكثير من البلدان إلى بناء قدرة إستراتيجية داخل القطاع العام لتيسير وصول المرأة إلى التمكين الكامل في المجتمع بطريقة مستدامة.
كما أطلق الخبراء والمختصون في قضايا النوع الاجتماعي وحقوق المرأة دعوة لتعزيز الحوار حول السياسات التي تنتهجها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف إصلاحها ودفعها نحو زيادة تمثيل المرأة في القطاع العام والخاص ونحو تقلد مناصب صناعة القرار والوظائف القيادية في الدولة، مع الإشارة إلى أن هذا الحوار يجب أن يكون قائما على دراسات جدية تقدم واقع المرأة على حقيقته لكي تمكن الناظرين فيها من طرح حلول احترافية ووضع تشريعات دائمة لتحقيق فرص العدالة والمساواة.
إصلاح التشريعات الكفيلة بضمان تمكين المرأة مائة بالمائة وإحداث الأثر من خلال تطبيقها واقعيا عبر وضع المرأة في قيادات القطاع العام وتدعيم المؤسسات للنهوض بالمساواة بين الجنسين
دعم السياسات الخاصة بالنوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توجُّه على درجة بالغة من الأهمية بالنسبة إلى تمكين المرأة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا والنهوض بالحوكمة الرشيدة التي تشترط المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع مكونات المجتمع دون تمييز، فطرق النجاح بالنسبة إلى المرأة ما تزال صعبة في غياب الوعي الاجتماعي بضرورة تمكينها وفي ظل التطورات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تزامنا مع صعود منسوب الإسلام السياسي والتطرف خاصة في دول الربيع العربي مثل تونس.
ورغم التقدم الذي تمّ تحقيقه في مجال حقوق المرأة تبقى مظاهر التمييز موجودة في المحيط الضيق من خلال الحياة الخاصة والأسرية، وفي المحيط الاجتماعي وكذلك في المحيط الدولي ويتجلى ذلك بوضوح في تحفظات الدول العربية على المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق النساء، ومراوغاتها في ترسيخ نصوص هذه الاتفاقيات كممارسات واقعية، فمظاهر اضطهاد المرأة ما تزال مستشرية في المنطقة وما زالت قضايا الزواج المبكر والتمييز في التعليم والتبعية الاقتصادية للرجل وغيرها تؤرق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وخلصت الجهات المنظمة للندوة إلى أن الحلول تكمن في القضاء على الأميّة وتخصيص نسبة من فرص العمل للنساء ومساواة فرص التدريب والتأهيل وتكثيف برامج التوعية حول شؤون المرأة وحقوقها وذلك عبر توفير السند التشريعي والقانوني لذلك وعبر اعتماد سياسات عامة تسهر على تطبيق هذه القوانين وتنأى بنفسها عن كل أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي.