مسيرات تركيا أداة استثمارية لتحقيق مكاسب جيوسياسية

أنقرة توسع نفوذها في سوق الطيران الأوروبي باستحواذها على شركة إيطالية عملاقة.
السبت 2024/12/28
توسع إستراتيجي

صناعة المسيرات التركية الأخذة في التوسع في الأسواق العالمية تسهم في تشكيل السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الساعية إلى تعزيز دور أكبر لبلاده على الساحة الدولية.

أنقرة - يعزز استحواذ تركيا على شركة الطيران الإيطالية العملاقة “بياجيو آيروسبيس” نفوذها في سوق الطيران الأوروبي، ما يمكنها – من بين أهداف أخرى – من تحقيق مكاسب جيوسياسية ودبلوماسية تؤهلها للعب دور أكبر على الساحة العالمية.

ووافقت وزارة الأعمال والمصنوعات الإيطالية على بيع شركة “بياجيو آيروسبيس” العملاقة إلى شركة “بايكار” التركية الرائدة في إنتاج المسيّرات.

ومن خلال هذا الاستحواذ، ستزيد “بايكار” نفوذها في سوق الطيران الأوروبي، كما ستعزز قدرتها الإنتاجية.

وفي السنوات الأخيرة، حصلت “بايكار” على أكثر من 90 في المئة من إيراداتها من الصادرات، حيث تقوم بتصدير طائراتها “بيرقدار تي بي 2″ و”بيرقدار أكنجي تيها” إلى 35 دولة.

ويرى محللون أن الطائرات المسيرة التركية لم تكن أداة عسكرية فحسب، بل إنها تسير بخطوات واثقة نحو التحول إلى قيمة تمثل أكثر بكثير من مجرد معدات عسكرية في توسيع نطاق نفوذ تركيا العسكري والدبلوماسي والجيوسياسي.

ويضيف المحللون أن الطائرات المسيرة التركية تساهم في التأثير على السياسة الخارجية لأنقرة.

وتقول الباحثة سيبال دوز، إن تركيا تمكنت من ضمان مصالحها الجيوسياسية في المنطقة بفضل الطائرات المسيرة.

وأشارت دوز إلى أن المسيرات التركية، كان لها دور حاسم في أوكرانيا ضد روسيا، بعد ليبيا وأذربيجان، ما دفع أكثر من 30 دولة بينها دول تابعة لحلف الشمال الأطلسي “الناتو” إلى التفكير بشرائها.

الاستحواذ على شركات أوروبية يحمل أهمية خاصة بالنسبة إلى أنقرة التي تسعى لتعزيز موقفها كقوة متنامية أكبر من إقليمية

ولعبت المسيرات التركية دوار حاسما في قلب موازين القوى العسكرية في ليبيا وأذربيجان، ما يسمح لأنقرة ببناء نفوذ جيوسياسي ناعم يؤثر في نهاية المطاف على سيادة قرار تلك الدول خاصة في القضايا الإقليمية والدولية.

وفي عام 2017، بدأت تركيا في تصدير طائراتها دون طيار، وفي غضون خمس سنوات باعت لما يقرب من عشرين دولة، بما في ذلك الحلفاء والشركاء في أوروبا (ألبانيا وبولندا وأوكرانيا) ؛ وسط وجنوب آسيا (قيرغيزستان وباكستان وتركمانستان)؛ أفريقيا (إثيوبيا، ليبيا والصومال ) والقوقاز (أذربيجان).

وعلى الرغم من أن صفقات الأسلحة هذه كانت مدفوعة بأهداف تجارية، إلا أنها أشركت دائمًا دولًا لها مصلحة إستراتيجية لتركيا فيها.

واشترت العديد من الدول سابقاً المسيرات التركية، إلا أن اقتناءها من قبل ثلاث دول أعضاء في حلف الناتو منها دولتان في الاتحاد الأوروبي أيضاً، يحمل أهمية خاصة بالنسبة إلى أنقرة التي تسعى لتعزيز موقفها كقوة متنامية -أكبر من إقليمية – وتعزز مكانتها كعضو أساسي منتج وداعم لا يمكن الاستغناء عنه في المعسكر الغربي بعد الشكوك التي أثيرت حول مكانتها بسبب التقارب الكبير مع روسيا في السنوات الأخيرة وما ولّده ذلك من اتهامات بالابتعاد عن المعسكر الغربي.

ولن يكون النفوذ التركي في أوروبا مشابها لذلك الذي تمارسه في أفريقيا والقوقاز، لكن التوسع في سوق الطيران الأوروبي قد يجعلها تلعب دورا أكبر في الساحة العالمية.

ويعتبر تشان كساب أوغلو محلل الشؤون الدفاعية في مركز إيدام للأبحاث في إسطنبول “أن تكون لدى دولة ما قدرات قتالية بطائرات مسيّرة فهذا مصدر أساسي للقوة العسكرية، وهذه القوة العسكرية هي ميزة في خدمة السياسة الخارجية.”

محللون لا يهملون الجانب التجاري الربحي من وراء صفقة الاستحواذ التركية، إلا أن المكاسب الجيوسياسية والدبلوماسية أعظم بكثير من العائدات المالية

وعلى الرغم من أن تكنولوجيا المركبات الجوية المسيرة التي طورتها تركيا توفر لتركيا ميزة عسكرية وسياسية كبيرة، وورقة رابحة سياسية فعالة ضد المنافسين الإقليميين، فإن استدامة البنية التحتية والفنية المستخدمة في إنتاجها والموارد الإنسانية والخبرة لا تقل قيمة عن تأثيرها الدبلوماسي.

وبعد سنوات، جلبت فيها تركيا لنفسها عددًا متزايدًا من الخصوم وأفسدت تحالفاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، تمكنت الحكومة التركية من الاستفادة من طائراتها المسيرة لتغيير صورتها الدولية. ففي الشرق الأوسط، ساعدت الطائرات دون طيار تركيا على تأكيد مصالحها بموارد دبلوماسية محدودة نسبيًا، وفي أوكرانيا، أعطت ذات الطائرات المساعدة العسكرية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونفوذاً متجدداً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في وقت كانت فيه حكومته في وضع صعب في الداخل، وكانت علاقاته مع الولايات المتحدة وأوروبا في أزمة منذ عدة سنوات.

ويقول مراقبون إنه إذا تمكنت تركيا من الاستمرار في إدارة برنامج الطائرات دون طيار الخاص بها والبناء عليه بنجاح، فربما تكون قد أعطت لنفسها شكلاً جديدًا مهمًا من النفوذ.

وتوفر صفقة الاستحواذ على الشركة الإيطالية العملاقة ميزات إضافية لصناعة المسيرات التركية، إذ ستستفيد أنقرة من الخبرات الأوروبية في التصنيع ما يمكنها من إدخال تجهيزات جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وهو ما لمحت له شركة “بيكار” في وقت سابق.

وقد تمكّن صفقة الاستحواذ من ولوج تركي أسهل إلى السوق الأوروبية والوصول إلى التكنولوجيا الأوروبية المتقدمة لدمجها في صناعاتها المستقبلية.

ولا يهمل محللون الجانب التجاري الربحي من وراء صفقة الاستحواذ التركية، إلا أن المكاسب الجيوسياسية والدبلوماسية أعظم بكثير من العائدات المالية.

وأنشئت الشركة الإيطالية العملاقة عام 1884 على اسم مؤسسها رجل الأعمال الإيطالي رينالدو بياجيو.

وصنعت الشركة أول طائرة عام 1915 ما يجعلها واحدة من أقدم شركات تصنيع الطائرات في العالم.

Thumbnail

وفي 1937، كشفت عن طرازها الجديد من الطائرات “P.108” التي تميزت بكونها أول طائرة بأربعة محركات للشركة.

وبدأت الشركة تطوير محركات النفاثة في ستينات القرن العشرين، ونجحت في إطلاق أول طائرة مزودة بمحرك نفاث “PD-808” عام 1964.

وفي 1986، وبعد سنوات من البحث، ابتكرت طائرةَ الأعمال الجديدة “P.180 أفانتي” ومثلت هذه الطائرة بداية عصر جديد للشركة، حيث وصفت في قطاع الطيران بأنها “فيراري السماء”.

وعام 2005 طورت “أفانتي 2” التي تميزت بقدرتها على حمل 8 ركاب مع توفير تجربة سفر سريعة ومريحة.

وفي 2013، أتمت الشركة أول رحلة لطائرتها “P.1 هامرهيد”، التي تعد أول طائرة أوروبية من دون طيار، باستخدام قيادة عن بعد بالكامل.

وتتميز الطائرة بوزن 6146 كيلوغراما وبقدرتها على الطيران لمدة تصل إلى 16 ساعة متواصلة.

وفي 2014، طرحت الشركة النسخة الأكثر كفاءة وتطورا من طراز “P.180 أفانتي” تحت اسم “أفانتي إيفو”.

والشركة الإيطالية طورت أكثر من 25 طرازا من الطائرات حتى اليوم، وتحتل موقعا إستراتيجيا في منظومة الصناعات الدفاعية الإيطالية من خلال تقديم خدمات الصيانة والإصلاح والتحديث.

7