مسلمو شرق أوروبا يتطلعون لتحصين أبنائهم ضد تيارات التطرف

الاهتمام بالمجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية ومناقشة حقوقها وواجباتها يجد مبررات وثيقة تتعلق بالأعداد الكبيرة للمسلمين في تلك الدول.
الأربعاء 2019/01/16
الهدف تحقيق الأمن الروحي للمسلمين والوئام الوطني

ينظم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بالتعاون مع المشيخة الإسلامية بكرواتيا مؤتمر “المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية” الثلاثاء والأربعاء في العاصمة زغرب. ويناقش هذا المؤتمر تطور العلاقة بين الدين والدولة في أوروبا والحوار الحضاري بين المسلمين والمسيحيين، إلى جانب استراتيجية مواجهة ظاهرتي الإسلاموفوبيا والتطرف الديني والمراكز الثقافية الإسلامية وعمليات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية وتحقيق الأمن المجتمعي والوئام الوطني، وهي مسائل يسعى المؤتمر من خلال طرحها إلى إرساء قواعد للعيش المشترك بين الديانات المختلفة في كنف التسامح والسلام ونبذ العنف والتشدد.

زغرب - افتتحت أعمال مؤتمر “المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية” الثلاثاء في العاصمة الكرواتية زغرب والذي يهدف إلى تحصين أبناء المسلمين من تيارات التطرف والعنف والعمل على تشجيع مبادرات الحوار والعيش المشترك إلى جانب إبراز دور المراكز الإسلامية في تحقيق الأمن الروحي للمسلمين والوئام الوطني مع باقي المكونات المجتمعية. ويسعى المؤتمر كذلك إلى تسليط الضوء على النموذج الكرواتي في تنظيم علاقة الدين بالدولة والمجتمع.

ويستمر هذا المؤتمر الإقليمي لدول أوروبا الشرقية على مدى يومين، في المركز الإسلامي الثقافي بالعاصمة الكرواتية، وقد تم تنظيمه من قبل المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بالتعاون مع المشيخة الإسلامية بكرواتيا.

وأكد معمر ذكورليتش مفتي صربيا السابق وعضو البرلمان، في خطاب ألقاه خلال مؤتمر “المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية”، على أن “مسلمي أوروبا يحتاجون إلى الاجتماع على كلمة سواء”.

وتشارك في فعاليات المؤتمر مشيخات واتحادات ومعاهد إسلامية من أكثر من 25 دولة منها: كرواتيا والبوسنة والهرسك وسلوفينيا ومقدونيا وكوسوفو وصربيا والجبل الأسود والتشيك وبولندا وبلغاريا وإستونيا ورومانيا وأوكرانيا وليتوانيا وسلوفاكيا وألبانيا والمجر واليونان. كما تحضر مؤتمر “المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية” أكثر من 100 شخصية متخصصة.

وتتطرق نقاشات المؤتمر إلى خمس مسائل هي: تطور العلاقة بين الدين والدولة في أوروبا والحوار الحضاري بين المسلمين والمسيحيين، إلى جانب استراتيجية مواجهة ظاهرتي الإسلاموفوبيا والتطرف الديني، والمراكز الثقافية الإسلامية، وعمليات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية، وتحقيق الأمن المجتمعي والوئام الوطني.

محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، شدد في كلمته على أن “مؤتمر المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية يأتي للتباحث حول مستقبل العمل الإسلامي لمواجهة التطرف والإسلاموفوبيا”.

ومن خلال تنظيم المؤتمر الإقليمي “المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية.. الحقوق والواجبات” يجسد المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة رسالته التي تؤكد على تعزيز الانتماء للأوطان وتفعيل نظام التعايش السلمي تحت سقف دولة المواطنة.

كما يأتي تنظيم المؤتمر في كرواتيا تنفيذا لتوصيات المؤتمر التأسيسي للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة وبشكل الخاص الجانب المتعلق بالدعوة إلى اندماج أبناء المجتمعات المسلمة في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها واحترام قوانين دولهم ووحدة أراضيها والعمل معها بشراكة على تفعيل القيم المؤسسة للعقد الاجتماعي.

كما يسعى المؤتمر الإقليمي للمجتمعات المسلمة في دول شرق أوروبا إلى التأكيد على احترام الحقوق الأساسية للمجتمعات الدينية والثقافية والعرقية، خاصة التي أشار إليها الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة في باب “المساواة في الحقوق والحريات الأساسية”.

وكان الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة قد نص على ضرورة التعاون مع الحكومات ومع المجتمع الدولي، إلى جانب تأكيده على وجوب “دعم مبدأ الحوار بين الثقافات والأديان المختلفة من أجل تحقيق التعايش والأمن وتأصيل الكرامة الإنسانية ونشر ثقافة السلم”.

والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، الذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقرا له، يضم 600 عضو فيما تتشكل أمانته العامة من 17 عضوا يمثلون المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية في شتى أرجاء العالم.

ويهدف المجلس إلى الارتقاء بدور المجتمعات المسلمة وأفرادها في نهضة دولها المدنية والثقافية والاقتصادية إلى جانب تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمجتمعات المسلمة.

التركيز على محاربة التطرف والإسلاموفوبيا في أوروبا الشرقية مبرر بالنظر إلى تغيّر طبيعة البلدان المصدرة للجهاديين

وتم الإعلان عن تأسيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، في ختام أعمال المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة الذي انعقد بأبوظبي في مايو العام الماضي.

ويجد الاهتمام بالمجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية ومناقشة حقوقها وواجباتها مبررات وثيقة تتعلق بالأعداد الكبيرة للمسلمين في تلك الدول. ويشار إلى أن المسلمين يمثلون أغلبية في عدد من دول أوروبا الشرقية، ففي كوسوفو يشكل المسلمون ما يقارب 95 بالمئة من السكان. فيما تتجاوز نسبتهم في ألبانيا 73 بالمئة منقسمين بين سنة بنسبة 55 بالمئة وشيعة بكتاشين بأكثر من 18 بالمئة.

وفي مقدونيا، يعد المسلمون أكثر من 33 بالمئة من العدد الإجمالي للسكان، 25 بالمئة منهم سنة والبقية بكتاشيون. وتقول الإحصائيات إن نسبة المسلمين في البوسنة والهرسك تقدر بنحو 48 بالمئة من السكان.

أشار عزيز حسانوفيتش رئيس المشيخة الإسلامية في كرواتيا، خلال مؤتمر المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية، إلى أن بلاده اعترفت بالإسلام باعتباره أحد الأديان في البلاد قبل 100 عام. وأكد حسانوفيتش قائلا “نهدف إلى مشاركة خبراتنا مع الجمعيات الإسلامية في أوروبا عبر مؤتمر المجتمعات المسلمة في أوروبا الشرقية”. ويعتنق الدين الإسلامي أكثر من 1 بالمئة من سكان كرواتيا.

ويبدو التركيز على محاربة التطرف والإسلاموفوبيا في دول أوروبا الشرقية، سواء تلك التي يشكل المسلمون فيها أغلبية السكان أو حتى الدول التي تعيش بين سكانها أقليات مسلمة، مسألة غاية في الأهمية بل ضرورية بالنظر إلى تطورات الأحداث والمستجدات على الصعيد العالمي ولا سيما في ما يتعلق بتطور ظاهرة الجهاد وتصاعد العمليات الإرهابية في أوروبا وفي غيرها من بلدان العالم.

وكان خبراء في مجال تطور الظاهرة الجهادية قد لاحظوا في مناسبات سابقة أن المتشددين المنحدرين من دول أوروبا الشرقية وتحديدا من الجمهوريات السوفييتية السابقة أصبحوا يشكلون الخطر الجديد الذي تواجهه أوروبا بعد أن كان الجهاديون من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمثلون مصدر هذا الخطر.

واستند الخبراء في بناء فرضياتهم على تزايد النشاط الإرهابي المعادي للغرب الذي مصدره جهاديون ينحدرون من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا، خاصة أن سوريا شكلت لوقت قريب أول جبهة خارج إقليم شمال القوقاز للمقاتلين الشيشانيين.

وتقول الباحثة في جامعة هارفارد فيرا ميرونوفا إن الإرهاب القادم من دول أوروبا الشرقية يمثل الخطر الحقيقي المتربص بأوروبا في العام الحالي، وتؤكد على ضرورة التصدي له. ميرونوفا ترى أن التطور الكبير في عقيدة المتشددين بالبلدان التي كانت في السابق تتبع الاتحاد السوفييتي تعود بالأساس إلى القتال في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتقول إن أيديولوجياتهم تغيرت من قضايا محلية محدودة إلى قضايا أشمل تتعلق بمحاربة الغرب بشكل عام.

في تقرير نشرته ميرونوفا بمجلة “فورن بوليسي” الأميركية، تم ذكر سوريا على أنها شكلت أول جبهة خارج إقليم شمال القوقاز للمقاتلين الشيشانيين، لكن جميع الشيشانيين في سوريا لم يرتبطوا بتنظيم الدولة الإسلامية، حيث كان للكثير منهم تنظيم خاص بهم يعرف بـ”جيش المهاجرين والأنصار”.

توافد ما لا يقل عن 8500 مقاتل من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى سوريا والعراق، في عام 2017، للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. هذه التجربة جعلت هؤلاء الجهاديين يتذوقون طعم محاربة أميركا وقوات الناتو، وتركتهم يبحثون عن الانتقام، مقتنعين بأن الغرب يجب أن يكون هدفا للهجمات القادمة.

وحولت حروب الشرق الأوسط المتطرفين المتحدثين باللغة الروسية، الذين ركزوا في السابق على محاربة حكوماتهم الظالمة محليا، إلى إرهابيين دوليين. ومع تزايد اضطهاد المسلمين في قارة آسيا، فإن فرص تحول تلك المظلوميات إلى مظلوميات دولية تتزايد أيضا.

13