مسلمون أم هنود؟

تعايش الأميركيون الهنود المتحدرون من خلفيات دينية متنوعة بسلام في الولايات المتحدة لعقود عدة. لكن الأحداث الأخيرة في أميركا والمواجهات العنيفة بين بعض الهندوس والمسلمين، والتي وقعت خلال الشهر الماضي في ليستر بإنجلترا، زادت المخاوف من أن الاستقطاب السياسي والديني الحاد في الهند قد يتسرب إلى مجتمعات الشتات.
كاليفورنيا - أصبحت “الجرافة” في الشارع رمزا لاضطهاد الأقلية المسلمة بالهند في إديسون بنيوجيرسي، بعد أن تحرّكت أثناء استعراض احتفالي بعيد استقلال البلاد، متسببة في اندلاع شرارة المواجهات بين المحتفلين بالعيد وآخرين حضروا للاحتجاج على العنف ضد المسلمين في الهند، أثناء احتفال أقيم في أنهايم بولاية كاليفورنيا.
تفكيك الهندوتفا
وقد تصاعدت القومية الهندوسية بالهند في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه “بهاراتيا جاناتا” الذي وصل إلى السلطة عام 2014 وعاد وفاز في انتخابات 2019.
ويواجه الحزب الحاكم، وفقا لديبا بهاراث ومريم فام، انتقادات شديدة بسبب تصاعد الهجمات ضد المسلمين في السنوات الأخيرة، وتصدر هذه الانتقادات عن المسلمين والأقليات الدينية الأخرى، وحتى بعض الهندوس الذين يقولون إن صمت مودي يشجع الجماعات اليمينية ويهدد الوحدة الوطنية.
يقول عميد الحياة الدينية في جامعة جنوب كاليفورنيا فارون سوني إن القومية الهندوسية سببت انقسام الجالية الهندية المغتربة، تماما كما فعلت رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة؛ إذ يوجد في كاليفورنيا وحدها حوالي ألفي طالب من الهند، وهو عدد من بين الأعلى في البلاد.
ولم ير سوني هذه التوترات تنفجر على السطح في الحرم الجامعي. لكنه يؤكد أن جامعة جنوب كاليفورنيا تلقت انتقادات لكونها واحدة من أكثر من 50 جامعة أميركية شاركت في رعاية مؤتمر عبر الإنترنت حمل عنوان “تفكيك الهندوتفا العالمية”.
ويهدف الحدث الذي نُظّم في السنة الماضية إلى نشر الوعي بـ”الهندوتفا”، وهي أيديولوجيا سياسية تقول إن الهند دولة يغلب عليها الهندوس، بالإضافة إلى بعض ديانات الأقليات ذات الجذور في البلاد مثل السيخية واليانية والبوذية. ويقول المنتقدون إن هذا يستثني الأقليات الدينية الأخرى مثل المسلمين والمسيحيين. وتختلف الهندوتفا عن الهندوسية، وهي ديانة قديمة يعتنقها حوالي مليار شخص في مختلف أنحاء العالم وتؤكد على الوحدانية والطبيعة الإلهية لكل مخلوق.
من المهم أن تظل الجامعات أماكن “يمكننا فيها التحدث عن القضايا التي تستند إلى الحقائق بطريقة حضارية” وفقا لسوني الذي يخشى من تأثير الاستقطاب حول القومية الهندوسية على صحة الطلاب الروحية، مضيفا “إذا تعرّض شخص ما للهجوم بسبب هويته لأنه هندوسي أو مسلم، أقلق بشأن سلامته وليس بشأن من الذي على صواب ومن المخطئ”.
يقول أنانتاناند رامباشان، الأستاذ الجامعي المتقاعد في مادة الدين، وهو هندوسي ولد في ترينيداد وتوباغو لأسرة من أصل هندي، إن معارضته للقومية الهندوسية وارتباطه بجماعات مناهضة للأيديولوجيا أثارا شكاوى من قبل البعض في معبد بمينيسوتا حيث ألقى دروسا في الدين، مشيراً إلى أن معارضة القومية الهندوسية تؤدي أحيانا إلى اتهامات بـ”معاداة الهندوس” أو “معاداة الهند”، وهما من المصطلحات التي يرفضها.
ويشعر العديد من الهندوس الأميركيين من ناحية أخرى بأنهم مستهدفون بسبب آرائهم، على حد قول سمير كالرا، العضو المنتدب لمؤسسة الهندوس الأميركية في واشنطن، والذي يبيّن أن “مساحة التعبير عن النفس بحرية تتقلص بالنسبة إلى الهندوس”، حتى الموافقة على سياسات الحكومة الهندية غير المتعلقة بالدين يمكن أن تؤدي إلى اعتبارهم قوميين هندوسا.
هندوس ضد التمييز
وتقول بوشبيتا براساد، المتحدثة باسم تحالف الهندوس في أميركا الشمالية، إن مجموعتها تقدم المشورة للأميركيين الهندوس الشباب الذين خسروا أصدقاء لأنهم يرفضون “الانحياز إلى جانبهم في هذه المعارك القادمة من الهند”، وتتابع “إذا لم ينحازوا إلى أي طرف أو ليس لديهم رأي، يتم تصنيفهم قوميين هندوسا، ويُستعمل بلدهم الأصلي ودينهم ضدهم”.
وعارضت كلتا المنظمتين مؤتمر “تفكيك هندوتفا العالمية” وانتقدتاه ووصفتاه بأنه “هندوفوبي” فشل في تقديم وجهات نظر متنوعة. ويقول مؤيدو المؤتمر إنهم يرفضون المساواة بين معارضة الهندوتفا ومناهضة الهندوس.
ويعتقد بعض الأميركيين الهندوس، مثل سرافيا تاديبالي البالغة من العمر 25 عاما، أن من واجبهم التحدث. وتقول تاديبالي، وهي من سكان ماساتشوستس وعضوة في مجلس إدارة منظمة هندوس لحقوق الإنسان، إن نشاطها ضد القومية الهندوسية مبني على دينها.
وتؤكد تاديبالي أنه إذا كان المبدأ الأساسي للهندوسية هو أن الرب موجود في كل شخص، وأن للجميع روح الإله، فهي تعتقد أن “لدينا التزاما أخلاقيا بصفتنا هندوسا للتحدث علنا عن المساواة بين جميع البشر. وإذا ما عومل أي إنسان بشكل يحِدّ من حقوقه أو تم انتهاكها، فمن واجبنا العمل على تصحيح ذلك”.
وتعمل منظمة تاديبالي أيضا على تصحيح المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتقل عبر القارات لتغذي الكراهية والاستقطاب.
وقد بلغت التوترات في الهند ذروتها خلال يونيو الماضي بعد أن ألقت الشرطة في مدينة أودايبور القبض على رجلين مسلمين بتهمة ذبح خياط هندوسي ونشر مقطع فيديو لذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. وبحسب ما ورد، نشر المقتول كنهاي لال، الذي كان يبلغ من العمر 48 عاما، منشورا على الإنترنت يدعم مسؤولا في الحزب الحاكم تم إيقافه عن العمل بسبب إدلائه بتصريحات مسيئة للنبي محمد.
قلق المسلمين
وهاجمت الجماعات القومية الهندوسية الأقليات، وخاصة المسلمين، بسبب قضايا تتعلق بكل شيء، بدءا من الطعام أو ارتداء الحجاب وصولا إلى الزواج بين مختلف الفئات المتدينة. كما هُدمت منازل المسلمين باستخدام الآلات الثقيلة في بعض الولايات، فيما يسميه المنتقدون نمطا متناميا من “عدالة الجرافات”.
أججت تلك التقارير ونظائرها قلق المسلمين الأميركيين على سلامة أفراد أسرهم في الهند. ويقول شاكيل سيد، المدير التنفيذي لشبكة جنوب آسيا، وهي منظمة للعدالة الاجتماعية مقرها في أرتيسيا بكاليفورنيا، إنه يتواصل بانتظام مع شقيقاته ويستشعر “خوفا منتشرا، ولا يعرف كيف سيكون الغد”.
نشأ سيد في مدينة حيدر أباد الهندية خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي ضمن “ثقافة أكثر تعددية وشمولية”. وهو يستذكر قائلاً “كان أصدقائي الهندوس يشاركون في احتفالاتنا بالعيد ونشارك في احتفالاتهم. عندما تسافر عائلتي في إجازة الصيف، كنا نترك مفاتيح منزلنا لدى جارنا الهندوسي، وكان هو يفعل الشيء نفسه عندما يسافر”.
ويعتقد سيد أن العنف ضد المسلمين قد تعمم الآن في الهند. وسمع عن فتيات في عائلته يفكرن في خلع الحجاب بدافع الخوف. وفي الولايات المتحدة يرى أصدقاءه الهندوس مترددين في الدخول في حوار علني لأنهم يخشون الانتقام.
ولا تزال المحادثات، كما يقول سيد، موجودة، لكنها تحدث خلف أبواب مغلقة مع أشخاص يتشاركون في نفس التفكير. ولا يحدث هذا بالتأكيد بين الأشخاص الذين يتبنون آراء متعارضة.
"الهندوتفا" أيديولوجيا تعتبر الهند دولة يغلب عليها الهندوس، بالإضافة إلى بعض الأقليات مثل السيخية واليانية والبوذية
وللناشط الهندوسي المقيم في هيوستن، راجيف فارما، وجهة نظر معاكسة تماما؛ إذ يصف التوترات بين الهندوس والمسلمين في الغرب بأنها ليست انعكاسا للأحداث في الهند، بل هي تنبع من محاولة متعمدة من “الجماعات الدينية والأيديولوجية التي تشن حربا على الهندوس”.
ويصر فارما على أن الهند هي “بلد هندوسي” وأن مصطلح “القومية الهندوسية” يشير فقط إلى حب الوطن والدين، معتبراً أن الهند دولة دمرها الغزاة والمستعمرون، مما يجعل الهندوس جماعة دينية لا تسعى إلى التحول أو الاستعمار، مضيفا “من حقنا استعادة حضارتنا”.
أما رشيد أحمد، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لمجلس المسلمين الأميركيين الهنود ومقره واشنطن العاصمة، فعبر عن شعوره بالحزن “لرؤية الأميركيين الهندوس المتعلمين لا يأخذون القومية الهندوسية على محمل الجد”. وهو يعتقد أن عليهم أن يتخذوا “قرارا جوهريا بشأن الكيفية التي يجب أن ينظرون بها إلى الهند والهندوسية في الولايات المتحدة والعالم أجمع. إن القرار بشأن استعادة الهندوسية من أي شخص خطفها يعود إليهم هم وحدهم”.
ويأمل زافار صديقي المقيم في مينيسوتا في “مواجهة انعدام الثقة والاستقطاب” وبناء التفاهم من خلال التعليم والعلاقات الشخصية والتجمعات بين الأديان. وساعد صديقي، وهو مسلم، في تجميع أفراد من سكان مينيسوتا من أصل هندي -من الهندوس والمسلمين والسيخ والمسيحيين واللادينيين- صاروا يعقدون لقاءات شهريّة على موائد مشتركة.
أما الخطط المستقبلية فيقول عنها صديقي إنها تشمل في الوقت الحالي التركيز على التعليم، معتبراً أن “مجرد التزام الصمت ليس خيارا”.