مسكوف أبونواس أول ضحايا كارثة الأسماك في العراق

السمك وجبة العراقيين الشعبية يقدر عليها الفقراء كما الأغنياء، يتناولونها في المنازل والمطاعم كلما سنحت الفرصة، فسعرها في المتناول، لكن نفوق الأطنان من الأسماك في نهري دجلة والفرات ومزارع تربية الأسماك يثير مخاوف العراقيين من غلاء أسعارها بعد الأزمة، إضافة إلى أضرارها الصحية.
بغداد - يكافئ البغداديون أنفسهم وعائلاتهم وأصدقاءهم في نهاية الأسبوع بوجبة المسكوف وهو طبق السمك النهري المشوي في المطاعم المصطفة على طول شارع أبي نواس على شاطئ دجلة في وسط بغداد، لكن أصحاب المحلات المختصة في هذه الوجبة الشعبية لا ينتظرون زبائنهم نهاية هذا الأسبوع كما اعتادوا، بسبب نفوق أطنان من السمك الذي يعيش في المياه العذبة.
أصبحت العشرات من المطاعم العراقية المتخصصة بإعداد أكلة المسكوف العراقية الأشهر مهددة بالإغلاق، حيث قال أصحاب المطاعم إن مبيعاتهم من وجبة العراقيين تراجعت خلال الأيام الماضية بسبب قلة السمك وازدياد مخاوف الناس من خطر النافق منها وتحولها إلى سموم، بعد تفسخها وتحللها، خاصة وأنها بكميات كبيرة، مع بطء عملية رفعها.
وغطت آلاف الأطنان من السمك الفضي اللون سطح نهر الفرات في الأيام القليلة الماضية، مما كبد مزارعي الأسماك خسائر فادحة.
وكانت مزارع السمك الأكثر تضررا في محافظة بابل إلى الجنوب من بغداد، حيث ألقى المزارعون أسماك الكارب النافقة في نهري دجلة والفرات في مطلع الأسبوع.
ولا يزال سبب نفوق السمك بلا تفسير، إذ يقول الصيادون إن السبب هو تلوث المياه بينما يقول مسؤولو الزراعة إن ذلك يرجع لمرض تعفن الخياشيم، وهو مرض بكتيري ينجم عن انخفاض مستوى الأوكسجين في الماء.
ويقول حسين الحسيني، صاحب مزرعة لتربية الأسماك في ناحية سدة الهندية في محافظة بابل وهو يجمع أسماكا نافقة من أحد أحواضه، إن “بعضهم يقول إنه فيروس فيما يتحدث آخرون عن مادة كيميائية”. ويقول أبومهدي صاحب مطعم للسمك في شارع أبي نواس إن “العراقيين يفضلون وجبة المسكوف من أسماك الأحواض؛ يختارونها بأنفسهم وهي تسبح في الحوض ولا يفضلون أسماك النهر كونها تباع ميتة فضلا علن أسعارها المرتفعة”.
وهنالك ثلاثة أنواع فقط من السمك المسكوف، وهي الشبوط ويعتبر أغلى الأنواع والكطان والبني، وتؤخذ الأسماك الكبيرة حصرا للشواء لسماكة أصدافها.
ويضيف “نجلب السمكة الحية، نشقها من جهة الظهر على طولها لغاية رأسها، نفتحها ثم نخرج أحشاءها، وينظف داخلها بالماء والملح، وأحيانا يضاف إلى الماء الخل والبصل، ونترك صدفها، ونشق في جلدها فتحتين أو ثلاث لمكان تعليق الأوتاد، ثم نطهوها على الخشب على نار هادئة، حيث تحتاج السمكة الواحدة حوالي ساعة كي تنضج”.
ويعتقد البعض أن طريقة شواء السمك المسكوف توارثها العراقيون من السومريين، فيما يقول آخرون إن المسكوف طبق وصلهم من موائد الخلافة العباسية في بغداد، وهو ما تم ربطه تاريخيا بشارع أبي نواس الذي يقع مقابل القصور العباسية القديمة ببغداد.
ويقدم السمك المشوي بحسب أبومهدي مع أنواع السلطات المختلفة والآجار، والمنجة وهي صلصة هندية حارة أو العمبة باللهجة العراقية والطرشي المخلل والبصـل الأخضر الطازج، أو مع مجموعة من الخضـروات المتنوعة، إلى جانب خبز التنور الحار الذي يعد أساسيا في هذه الوجبة التي تؤكل باليد دون شوكة وسكين، ثم يتبعهـا كأس شاي صغيرة تعرف باسم “الاستكانة” في اللهجة العراقية حيث يمزج الشاي مع حب الهيل للمزيد من الانتعــاش وتطييب الفم بعد تناول السمك.
ويتساءل أبومهدي متحسرا، ماذا سنبيع اليوم، ومن سيمر علينا من الزبائن الذين اعتادوا القدوم إلى الشارع الطويل لقضاء سهرة نهاية الأسبوع؟ ويضيف “كان سعر وجبة المسكوف مناسبا حتى للفقير لوفرة أحواض تربية السمك في العراق، لكن بعد هذه الكارثة بات العراقيون يخافون من تناول السمك حتى من الأحواض الطينية”.
ويقول أحمد عبدالله (موظف) إنه “يحضر إلى المكان كل جمعة طلبا للتغيير بعد أسبوع عمل طويل”، مضيفا “نستعد ليومنا منذ الصباح ونتهيأ للخروج بعد منتصف النهار إلى أحد المطاعم ثم نقضي بعدها اليوم خارج المنزل ونعود بعد منتصف الليل”.
ويضيف أحمد أنه لا ينوي الذهاب إلى أي مطعم بصحبة العائلة هذا الأسبوع، حيث يخاف على أطفاله من الأمراض المتفشية في سمك الشبوط، هذا إن توفر السمك في المطاعم.
ورغم أن وزارة الصحة تؤكد أنه “لم تظهر أي حالة مرضية بسبب أكل السمك، ولم يتبين وجود حالة تسمم حتى الآن، لكن الحذر واجب”. ورغم ثقة أحمد في خدمات المطعم الذي يرتاده، إلا أنه لا يستغرب استخدام بعض أصحاب النفوس الضعيفة تلك الأسماك النافقة وتقديمها وجبات للزبائن.
ولا يزال سبب نفوق السمك بلا تفسير، إذ يقول الصيادون إن السبب هو تلوث المياه، بينما يقول مسؤولو الزراعة إن ذلك يرجع لمرض تعفن الخياشيم، وهو مرض بكتيري ينجم عن انخفاض مستوى الأوكسجين في الماء.
وقالت وزارة الزراعة في بيان لها بداية الأسبوع، إن المرض ينتشر سريعا وسط أسماك الشبوط بسبب الكثافة العالية للأسماك في الأقفاص وإنّ تراجع تدفق المياه في نهر الفرات أسهم في ذلك أيضا.
وقال مهدي ساري الجبوري، وكيل وزير الزراعة، “قرب المسافات بين الأقفاص العائمة بالإضافة إلى كثافة التربية الموجودة في هذه الأقفاص، هما أحد الأسباب، بالإضافة إلى ركود المياه الموجودة نتيجة انخفاض مناسيب المياه الواردة إلينا في نهر الفرات من تركيا، وبالتالي أصبح نهر الفرات في تلك المناطق على شكل بحيرة ومياهه راكدة، مما تسبب في نقص الأوكسجين ونفوق هذه الأعداد الكبيرة من الأسماك”.
ورغم تواصل تحقيق المسؤولين والباحثين العراقيين في نفوق الأطنان من سمك الشبوط الذي يعيش في المياه العذبة جنوبي بغداد، إلا أنه من الثابت أن الفقراء سيواجهون أزمة في الفترة المقبلة في الحصول على الأكلة الشعبية الأولى، بسبب نقص الوارد إلى السوق من السمك المحبب لديهم. وكتبت ناشطة على تغريدة نشرتها على حسابها في تويتر “حتى وجبة المكسوف حرمتونا منها.. كم كنا نفرح نحن الفقراء حين نذهب إلى السوق ونتمكن من اختيار السمك وشرائه بأسعار تناسبنا”.
وقال صاحب مزرعة أسماك يدعى محمد علي حمزة الجميلي في المُسيب على بعد حوالي 70 كيلومترا إلى الجنوب من بغداد، “إن الأسعار قد تتضاعف إلى 10 آلاف دينار (8.43 دولار) للكيلو بعد هذه الخسائر” بسبب نقص السمك القادم من المحافظات الأخرى إلى العاصمة.
ويرى هاشم صاحب مطعم في شارع أبي نواس، أن “الأزمة انعكست بشكل واضح على أصحاب المطاعم، إذ لم يطلب إلا القليل من الزبائن طبق المسكوف بحذر وريبة، بسبب المخاوف من الوباء، رغم تطمينات الجهات الصحية بأنه لن ينتقل إلى البشر”.
وتمثل واقعة نفوق الأسماك مؤشرا على زيادة التلوث ومشكلات المياه في العراق الذي يكافح من أجل توفير إمدادات المياه النظيفة في البلاد.