مسحراتية بشهادات جامعية في السودان

مجموعة من الشباب السودانيين يعيدون إحياء التقاليد الرمضانية في الأحياء الشعبية.
السبت 2023/04/08
"اصحوا يا ناس يا حلوين"

ساهم تطور الحياة العصرية والازدهار التكنولوجي في اختفاء عادة المسحّراتية في مناطق عديدة من الوطن العربي وخاصة في المدن، لكن في الخرطوم العاصمة السودانية تجندت مجموعة من الشباب الجامعيين لإحياء هذا التقليد في الأحياء الشعبية.

الخرطوم - عادت أصوات ترانيم وطبول المسحّراتية من جديد لتقطع هدوء الساعات الأولى من الفجر في الخرطوم بعد انحسار كبير لهذه الطقوس الرمضانية خلال السنوات الماضية بسبب انتشار الهواتف الذكية التي اعتمد عليها الناس في كل شيء بما في ذلك البرمجة الزمنية.

ومهنة المسحراتي يمارسها عادة واحد أو مجموعة من أبناء الحي أو المنطقة ممن يتمتعون بصوت جهوري. وبأهازيج دينية ومدائح نبوية، تتجول مجموعة من الشباب السودانيين خلال ليالي رمضان في حي بري العريق وسط الخرطوم لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور.

هؤلاء يتجمعون قبل موعد أذان الفجر بساعتين، ويتحلّقون في ميدان واسع أمام نار أشعلوها من أوراق وأعواد أشجار لشد الطبل المصنوع من جلد الحيوانات ليخرج صوته قويا ونديا وشجيا.

أوّل من نادى وغنّى لتسحير الناس كان "عنبسة" أو عنتبة بن إسحاق والي المنتصر على مصر عام 228 هـجريا

يرتدي معظمهم جلابيب خضراء فضفاضة مزركشة ويعلّقون مسبحات حول أعناقهم قبل الطواف في الطرقات والأزقة لتنبيه الصائمين بحلول وقت تناول وجبة السحور والاستعداد لأداء صلاة الفجر.

وتوارث هؤلاء الشباب الفكرة عن أجدادهم باعتبارها إحدى الموروثات الشعبية التي يجب المحافظة عليها من الاندثار.

وتتفاوت أعمار أفراد المجموعة، وهم 30 شابا، بين 20 و25 عاما، وهم يدرسون في جامعات ويتبعون الطريقة القادرية العركية في السودان، ويتطلعون إلى الحفاظ على التقاليد خاصة خلال المناسبات الدينية.

‎والطريقة القادرية العركية فرع من الطريقة القادرية المنتسبة إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني وتنتشر على نطاق واسع في السودان.

ويكفي المسحراتية الشباب ما يشعرون به من غبطة وسرور، وهم لا يتقاضون أجرا نظير خدماتهم الليلية في إيقاظ النائمين.

وعلى الرغم من التطور التكنولوجي، تتمسك الأغلبية العظمى في السودان، خاصة في الأحياء الشعبية والضواحي، بالمسحراتي كتراث يعيدهم إلى الماضي وذكريات الطفولة، أما في الأحياء الراقية فلا يكاد السكان هناك أن يعرفوا شيئا عن المسحراتي.

‎وفي دراسة تاريخية أجراها عضو اتحاد المؤرخين العرب إبراهيم عناني، كشف عن أشكال مختلفة للمسحّراتي في بعض الدولة العربية.

وكان بلال بن رباح أول مسحّراتي في التاريخ الإسلامي إذ كان يجوب الشوارع والطرق لإيقاظ الناس.

أما أوّل من نادى وغنّى لتسحير الناس فكان “عنبسة” أو عنتبة بن إسحاق والي المنتصر على مصر عام 228 هـ، حيث كان يمشي بنفسه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص ويوقظ الناس في تلك المنطقة، وينادي “يا عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة”.

وفي العصر المملوكي كادت هذه العادة أن تندثر لولا الظاهر بيبرس الذي عيّن فيها صغار رجال الدين، وفي العصر الفاطمي كان الحاكم بأمر الله يأمر جنوده بالدقّ على أبواب البيوت لإيقاظ الناس، أما في عصر الدولة الطولونية فدخلت المرأة المجال فكانت تجلس خلف المشربية وتغني بصوت عذب ليستيقظ أهالي الحيّ على السحور.

وفي السودان يطرق المسحراتي البيوت، ومعه طفل صغير يحمل فانوساً ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت حيث ينادي عليهم بأسمائهم، قائلاً “يا عباد الله وحدوا الدايم ورمضان كريم” والعبارة الشهيرة بالسودان “اصحوا يا نايمين، اصحوا يا ناس يا حلوين، اصحو واتسحروا وقولوا نوينا نصوم رمضان، أصحى يا نايم وحد الدايم”، هذا ما يردده المسحراتية الشباب، الذين يتمتعون بالنشاط والحيوية ويضربون وينشدون ويصفقون لتنبيه الناس بحلول موعد تناول وجبة السحور.

ويفتح كثيرون، بينهم رجال ونساء وأطفال، نوافذ منازلهم لينظروا بسعادة غامرة إلى المسحراتية وهم يتجولون في الشوارع.

وقال مازن حسين أحد المسحراتية الشباب “نحن كشباب نتبع الطريقة القادرية العركية في السودان”.

وأوضح حسين أن “الفكرة بدأت منذ القدم ونحن شباب جامعيون توارثنا الفكرة من أجدادنا واستلمنا الراية ونعتزم تسليمها إلى الآخرين.. فكرة المسحراتي قديمة قبل ظهور الهواتف الذكية والتكنولوجيا الحديثة لإحياء التراث وعدم اندثاره”.

وتابع “نتجمع أمام المسجد في الميدان الكبير وأنشأنا مجموعة عمل على تطبيق واتساب للتواصل في ما بيننا.. والمدائح النبوية والتهليل والتكبير والأناشيد الدينية تجد تجاوبا كبيرا من المواطنين في الشارع”.

وقال رامي عبدالقادر وهو أيضا من المسحراتية الشباب “نحن شباب نشأنا على التصوف، وفكرة المسحراتي توارثناها من أجدادنا”.

وأردف “الفكرة وجدت قبولا رائعا من الأسر التي تخرج إلى الشارع وتقدم لنا المشروبات الباردة وهم يطلبون أداء الأناشيد الدينية والمدائح النبوية”.

18