مسجد التهيمية بالأحساء في السعودية.. إرث تاريخي يعود إلى مئات السنين

جدران المسجد تحتفظ بتكوينه الطيني وتحيط بعض جوانبه سفوح جبل القارة.
السبت 2024/03/16
حضارة ضاربة في القدم

تتميز المملكة العربية السعودية بمساجدها التاريخية الضاربة في القدم ويعد مسجد التهيمية بمحافظة الأحساء واحدا من تلك المساجد التي يعود تاريخها إلى العهد العثماني وتحتفظ جدرانه بتكوينه الطيني، وتحيط بعض جوانبه سفوح جبل القارة. وفي عام 2017، أحصت الهيئة العامة للسياحة والتراث بالمملكة 11 مسجدًا تاريخيًا في الأحساء، كان من بينها مسجد التهيمية الشرقي.

الأحساء - على مسافة 12 كيلومتراً تقريباً، من مدينة الهفوف، وفي القرى الشرقية بمحافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية، تأسر الناظرين مناظر قرية التهيمية أو (التيمية) بما توحيه من ماضٍ بعيد، وعمق تاريخي يضرب لقرون، اشتهرت بكثرة مساجدها التاريخية والأثرية، وتصل إلى أربعين مسجداً، بحسب ما يروى، ولم يتبقَ منها إلا فرائد، من أبرزها “مسجد التهيمية الشرقي”.

ومسجد التهيمية الأول كما يسمى أيضاً بمساحته الصغيرة، يقع حالياً على أطراف القرية، تحتفظ جدرانه بتكوينه الطيني، وتحيط بعض جوانبه سفوح جبل القارة، ويعود تاريخه إلى العهد العثماني، وقيل قبل هذا العهد بقرون وسنوات، حيث يتشكل المسجد من خلال هندسته ومعماره القديم، والذي تم بناؤه على الطراز القديم، على ثلاثة أروقة وباحة داخلية، ومحاط بسور خارجي، حيث إن السقف مغطى بجذوع النخل، وله باب من الناحية الجانبية، محاط بالنخيل وبالجبال الرسوبية لجبل القارة وآثار بعض الحصون والبيوت القديمة.

ويقول الباحث التاريخي حسين الرمضان، إن هذا المسجد معروف سابقاً باسم مسجد “أبو النعوش”، كانوا يصلون على الموتى فيه ثم يدفنونهم في مقبرة الأشقرين الخاصة بأهل التيمية، والتي تقع مقابل جبل القارة “أرض الحضارات” ويمر مقابل هذا المسجد نهر الزهيري، ويتفرع منه نهر سليسل العظيم، في قرية الجبيل، ويسمونه أهل الجبيل الزهيري، ومن الجبيل يتجه شرقاً ليسقي التيمية والدالوة والتويثير والعمران، ويتفرع في هذه القرى إلى أكثر من عشرة  أنهر .

المسجد يتشكل من خلال هندسته ومعماره القديم، وقد تم بناؤه على الطراز القديم، على ثلاثة أروقة وباحة داخلية

ويعد مسجد “التهيمية الشرقي”، الذي اشتق اسمه من القرية، وبني على ضفاف نهر الزهيري، واحداً من بين 11 مسجداً، بقيت على أرض القرية، والتي اشتهرت بين سكان وأهالي المنطقة باسم “قرية الأربعين مسجداً“.

وفي الوقت الحاضر، يقصد المسجد الكثير من الزوار من داخل وخارج محافظة الأحساء، ودول الخليج العربي، والسياح الأجانب، وذلك لقربه من أرض الحضارات أو جبل القارة، إذ يتعرفون على أبرز معالمه وشكله البنائي وتكوينه الداخلي، مع التقاط الصور التذكارية، سواء داخل أورقته أو خارجها، وذلك لما يحمله من هوية ومخزون وإرث للعهود الماضية التي مرت على أرضه، ويتسع المسجد لـ50 مصلياً، ويوجد مكان للوضوء خارجه.

وقد كان “مسجد التهيمية الشرقي” ضمن المساجد الثمانية التي انتهت إليها دراسة حصر المساجد التاريخية في الأحساء وتحديد مدى احتياجها للتأهيل والترميم، التي وضعتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بجانب مسجد جواثا، وجامع الجبري، وجامع القبة في قصر إبراهيم التاريخي، ومسجد البطالية، ومسجد التهيمية الغربي، ومسجد ميناء العقير التاريخي، ومسجد الدبس (الفاتح). وفي أغسطس 2017، أحصت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني 11 مسجدًا تاريخيًا في الأحساء وهي المتبقية من الأربعين مسجداً، كان من بينها مسجد التهيمية الشرقي.

وتعد التهيمية أقدم وأعرق قرى المنطقة الشرقية، وتقع تحت سفح جبل “الشبعان” الشهير في مدينة الأحساء، وتجاور جبل “القارة” من الجهة الجنوبية الشرقية، وتعد القرية موطنا للكثير من مشاهير العلماء وتشتهر بالعديد من المساجد والآثار التي ترجع إلى ما يزيد عن 700 عام.

وقال خبير الآثار والتراث عبدالإله الفارس، إن القرية كانت تسمى في السابق بـ”التيمية” وهي من أقدم قرى الأحساء على مر التاريخ، وذكرت في وثائق الأرشيف القديمة عام 979 هجرية، وكانت البلدة منتجة زراعيا وبها أنهار وجداول مياه كثيرة كنهري الشيباني والجرواني، وأطلق على القرية في القرنين الثامن والتاسع الهجريين اسم “الأربعين مسجدا” لكثرة المساجد فيها، ولم يتبق منها سوى 11 مسجدا.

وأوضح، أن الوثائق تشير إلى أن هذه البلدة كانت مقرا لحامية لواء “التيمية” من خلال بناء قلعة محصنة بجبل الشبعان المعروف حاليا بجبل القارة، وما زالت آثار أسوار القلعة موجودة حتى الآن، واستخدم قاطنوها صخور الجبال لبناء بيوتهم فيها، وسعف النخيل في سقفها، الذي لم يكن يحميهم من الأمطار عند هطولها وهو ما كان يثير ذعرهم واستياءهم.

وأضاف الفارس، أن القرية تعد موطنا لعدد من كبار العلماء أمثال العالم الشهير الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي، ويشار إلى أنه اجتمع في عصره أربعون عالما يقومون بأداء الصلاة جماعة في أربعين مسجدا وهو دلالة على كبر حجم القرية وعدد ساكنيها ولهذا سميت في القرنين الثامن والتاسع الهجريين بقرية “الأربعين مسجدا”، ووصل عمر بعض هذه المشاهد إلى أكثر من 700 عام أبرزها مسجد التهيمية الشرقي، والتهيمية الغربي، والوسطي، ومسجد الرسول الأعظم، والمسجد الأحمر، ومسجد الزهراء، ومسجد زين العابدين.

هندسة معمارية متميزة
هندسة معمارية متميزة

وأشار إلى أن من أسباب نزوح الأهالي وتركهم القرية واللجوء إلى مناطق أخرى يكثر فيها النخيل، يعود إلى تراجع الزراعة التي كانت تعتمد عليها القرية والتي اشتهر بها سكانها في السابق، مع التحاق عدد من أهلها بوظائف حكومية وأهلية، غير أن هناك عددا قليلا من الأهالي عاد إلى الزراعة، ومنها النخيل وأنواع أخرى من المحاصيل بجانب إنتاج العديد من الصناعات اليدوية والتراثية.

ويعد مسجد التهيمية وجهة طلاب العلم في قرية الـ 700عام.

وتعتبر المساجد التاريخية في السعودية، أحد أهم معالم التراث العمراني والحضاري في المملكة، بصفتها بيوت العبادة للمُسلمين، وتتصف ببساطتها وبعدها عن الزخارف. اهتمت المملكة بها منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمان آل سعود، عبر إعادة تأهيلها للعبادة والصلاة، واستعادة أصالتها العمرانية وتعزيز مكانتها الدينية والثقافية.

وفي عام 2015، وافق الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، على رعاية برنامج خاص للعناية بالمساجد التاريخية في محيط مشروع الدرعية التاريخية يشمل 34 مسجدًا، كما تبنى دعم وترميم عدد من المساجد في المدينة المنورة، وتكفَّل بنفقات ترميم مسجد الحنفي في جدة التاريخية. وفي العام نفسه أسست الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (هيئة التراث حاليا) البرنامج الوطني للعناية بالمساجد التاريخية الذي حصر أكثر من 1140 مسجدًا تاريخيًا.

وأعلن عن مشروع محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، في عام 2018، بدعم وتوجيه من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بهدف تأهيل 130 مسجدًا تاريخيًا في عدد من مناطق المملكة، وأنجز المشروع عمليات تطوير وتأهيل كامل مساجد المرحلة الأولى منه، التي يبلغ عددها 30 مسجدًا في عشر مناطق من المملكة، بتكلفة 50 مليون ريال خلال 423 يومًا.

في عام 2015، وافق الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، على رعاية برنامج خاص للعناية بالمساجد التاريخية في محيط مشروع الدرعية التاريخية يشمل 34 مسجدًا

وأضاف المشروع عناصر جديدة للمساجد كمصليات النساء، وخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، كما طوّر بعض المرافق الخدمية. ومن المساجد المنجزة: مسجد جرير البجلي في الطائف، الذي يُعدُّ الأقدم في القائمة، ومسجد الشيخ أبوبكر في الأحساء، ومسجد الداخلة في الرياض، ومسجد النصب في عسير.

وتتكون المساجد التاريخية غالبًا من قاعة الصلاة أو (التعريشة الأمامية) المحاذية لجدار القبلة، التي تتكون بشكلها البسيط من صف أو صفين من الأعمدة المفتوحة على فناء المسجد، وتطورت مع الزمن واتخذت أشكالًا عدة وفقًا للزمان والمكان، وتطورت الصفة، وهي تعريشة في الجهة المقابلة لقاعة الصلاة، في بعض المساجد لتشكّل رواقًا يحيط بصحن المسجد أو فناء المسجد، بينهما فناء مفتوح هو صحن المسجد الذي يكون في بعض المساجد ساحة رئيسة متعددة الأغراض، تكون فيه قاعة الصلاة مفتوحة على هذه الساحة دون رواق أو صفة كما في المساجد العسيرية والتهامية والجبلية.

وتُعدُّ المئذنة من العناصر حديثة الدخول على المساجد، إذ كانت في المساجد التاريخية على هيئة دكة مرتفعة فوق سطح المسجد، وكانت بدايتها مع القرن الأول الهجري في مسجد عمر بن الخطاب في دومة الجندل، كما تضم بعض المساجد الخلوة، وهي قاعة للصلاة تحت الأرض، يُمكن الوصول إليها عبر درج من صحن المسجد، وقد لا تحتوي بعض المساجد على الخلوة كما في مساجد جلاجل في نجد، أو قد تكون مرتفعة في صحن المسجد كما في مسجد الظهيرة في الدرعية.

وتتكون أماكن الوضوء من مجرى مائي جداري بعدة فتحات يمكن التحكم بها، مع فواصل جدارية صغيرة لتحقيق الخصوصية للمتوضئين، ومجرى آخر لتصريف المياه وتجميعها فيما يسمى بالعين، وتُستخدم هذه المياه في بعض الأحيان لري حديقة صغيرة مجاورة للمسجد، كما في بعض مساجد الأحساء.

ومن العناصر التزيينية المرتبطة بوظائف تخدم المسجد، الكوّات أو الروازن التي تستخدم لتخزين المصاحف والكتب الدينية، كما تحتوي بعض المساجد على القليل من الزخارف الجصية وبعض النقوش على الأبواب.

16