مستقبل حماس في غزة: كيف يمكن قياس قدرة الحركة على الصمود

ستلعب الضغوط الدولية والإقليمية دورا مهما في إيقاف الحرب على غزة في نهاية المطاف. وتبدو إسرائيل، حسب محللين، أكثر عرضة لهذه الضغوط من حركة حماس المعزولة دبلوماسيا، في ما ستحدد القدرة على الصمود مستقبل الحركة.
غزة - لا يزال التوصل إلى حل نهائي للحرب بين إسرائيل وحماس بعيد المنال حتى بعد حوالي سنة على اندلاعها. وأصبحت أهداف الجانبين أكثر وضوحا مع اقتراب الذكرى السنوية لهجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وتريد إسرائيل نصرا عسكريا وسياسيا ينهي وجود حماس كقوة مسلحة وحاكمة في غزة، أما حماس فهي تريد البقاء على قيد الحياة، واستغلال هذا النصر لدخول منظمة التحرير الفلسطينية، حيث ستكون أقرب بشكل ملحوظ إلى قيادة القضية الفلسطينية.
وستعتمد قدرة كلا الجانبين على تحقيق أهدافه على ما إذا كان نظامه السياسي قادرا على الصمود في وجه الضغوط المسلطة عليه. ويعتقد ريان بوهل، كبير محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة استشارات معلومات المخاطر "رين نتوورك"، في تقرير نشره مركز ستراتفور أنه لأن إسرائيل تعدّ دولة ديمقراطية فهي أكثر عرضة لمثل هذه الضغوط. ويضيف بوهل أنه يبدو لذلك من المرجح بشكل متزايد أنها هي، وليست حماس، التي ستضطر إلى تخفيف تطلعاتها.
وتعتبر إسرائيل حرب غزة محاولة لإعادة تشكيل ديناميات الأمن الإقليمي من خلال إنهاء التهديد المسلح في القطاع وتحويله إلى تحد أمني يمكن احتواؤه نسبيا على غرار الضفة الغربية. وتقبل إسرائيل حتى في هذا السيناريو أنه سيجب الاستمرار في إدارة غزة من خلال استعراض القوة من حين لآخر.
وتهدف إلى جعل غزة تحديا يمكن التحكم فيه باقتلاع حماس عن السلطة وجلب شركاء دوليين للمساعدة في حكم القطاع وإعادة إعماره. وسيستوجب تحقيق إسرائيل لهدفها هذا قبول حماس بنهايتها كسلطة حاكمة في قطاع غزة، نظرا إلى دور الحركة في هجوم 7 أكتوبر وقدرتها على الحفاظ على تمرد طويل الأمد من شأنه أن يجعل إعادة الإعمار صعبة، إن لم تكن مستحيلة.
وبينما تستطيع إسرائيل قمع حماس عسكريا، سيتطلب استبدالها عشرات الآلاف من الجنود وموظفي الخدمة المدنية ومليارات الدولارات من المساعدات في مهمة تستمر عقودا لن يرحب بها النظام السياسي الإسرائيلي.
ولم تكن حماس من جهتها قادرة على شن حرب غزو تقليدية ضد إسرائيل مثلما حاولت الجيوش العربية في القرن العشرين. ووُسّعت من خلال هجوم 7 أكتوبر إلى استفزاز إسرائيل ودفعها إلى رد فعل عسكري مبالغ فيه من شأنه أن يدق إسفينا بين إسرائيل والمتبرعين الرئيسيين لها في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، مع تعزيز مكانة حماس العامة والسياسية بين الفلسطينيين لضمان إدراجها شريكا حاكما في منظمة التحرير الفلسطينية.
وتشير شائعات إلى أن حماس شنت هجومها لمنع التطبيع السعودي الإسرائيلي الوشيك، الذي لم يكن قريبا حتى في أكتوبر 2023. ولكن ربما كان ذلك عاملا ثانويا. وكانت حماس تدرك أن هجوما بحجم 7 أكتوبر سيتطلب ردا عسكريا إسرائيليا هائلا. لكن قيادتها راهنت أيضا على الرهائن والقدرة على مقاومة الغزو العسكري.
ورأت أن بإمكانها الاستفادة من الرهائن لوقف إطلاق النار مع الإشادة بقدرتها على تحمل الضغط العسكري الإسرائيلي المكثف. لكن وقف إطلاق النار مهم، حيث تحتاج حماس إلى هدوء يسمح لها بلعب دور سياسي في غزة. ولا يمكنها الموافقة على وقف تحتفظ فيه إسرائيل بالحق في مواصلة اغتيال قادتها وشن عمليات عسكرية بمجرد أن تستنفد حماس أوراق مساومتها، وخاصة الرهائن الإسرائيليين المتبقين.
وتعدّ هذه هي أسباب استمرار الصراع الأساسية. ولا تستطيع إسرائيل، وخاصة في ظل الحكومة الحالية التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن تقدم لحماس مثل هذا النصر السياسي، لأنها قد تشير إلى أن الجماعة تستطيع شن هجمات على إسرائيل من غزة وفي نهاية المطاف من الضفة الغربية. كما لا يمكن أن تقبل حماس وقفا مؤقتا لإطلاق النار يسمح لإسرائيل بتعزيز الدعم الشعبي للمزيد من العمليات الكبرى مع مواصلة حملتها السرية ضد قيادة الحركة.
وسوف يكون المنتصر إذن هو النظام السياسي الأكثر قدرة على تحمل الضغوط المسلطة عليه. ويواجه كلا الجانبين هنا سلسلة من المصالح والقوى التي يمكن أن تجبر نظامه السياسي على التخلي عن استراتيجياته أو تعديلها. وتعدّ العلاقة بين المصالح بسيطة نسبيا بالنسبة لحماس، إذ أنها مجموعة غير منتخبة. وتعتمد الآن، بعد أن فقدت السيطرة الرسمية على غزة، أسلوب حرب العصابات.
ولا يمكن لذلك توجيه الرأي العام إلى الانتخابات التي تطيح بها من السلطة. كما أدى اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس، في 31 يوليو، إلى وضع الجناحين العسكري والسياسي للحركة مؤقتا على الأقل تحت قيادة زعيم واحد، هو يحيى السنوار. ويقدم راعيها الرئيسي البعيد، إيران، دعما ضئيلا نسبيا (على عكس حزب الله، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على طهران).
وتبقى حماس معزولة عن جيرانها مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، الذين يعتبرونها إما جماعة إرهابية أو مشكلة عسكرية يجب إدارتها من خلال الدبلوماسية. وتعتبر هذه نقاط قوة لحماس من نواح كثيرة، حيث تقل نقاط الضغط الدولية والمحلية لدفع نظامها السياسي إلى تغيير السياسة. لكن حماس ليست محصنة ضد هذه الضغوط.
وصدرت بالفعل تقارير عن احتجاج فلسطينيين من غزة وانتقادهم للجماعة بسبب الحرب المفتوحة ضد إسرائيل، وتزايد المظالم مع تفاقم الأزمة الإنسانية. وتزيد الاغتيالات الإسرائيلية لكبار القادة من إضعاف الجماعة، مما يجعلها تبدو غير قادرة على حماية نفسها، ناهيك عن الشعب الفلسطيني.
وليس لحماس حلفاء واضحون يدعمونها في إعادة بناء غزة. ويعني هذا أنه حتى لو تمكنت الحركة من تحقيق وقف لإطلاق النار بشروطها، فقد ينقلب الجمهور الفلسطيني عليها إذا كانت إعادة الإعمار بطيئة. ويمكن أن يخضع حتى المسلحون الذين لا تقيدهم انتخابات لمساءلة الجمهور، مما قد يحرم الحركة من المجندين الجدد، ويحرض الجماعات المسلحة الجديدة على تحديها ونقل المظالم إلى الشارع، كما حدث في صيف 2023 عندما رفعت حماس الضرائب لمعالجة الأزمة المالية التي تواجهها.
وتعتمد إستراتيجية حماس السياسية أيضا (ضمنيا على الأقل) على استمرار تركيز الولايات المتحدة على القضايا الداخلية في خضم موسم الانتخابات. ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن نائبة الرئيس كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترامب سيكونان على استعداد للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار باستغلال النفوذ الكبير الذي تتمتع به واشنطن على تل أبيب، مثل مبيعات الأسلحة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قيمة إسرائيل الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة بصفتها شريكا في المنطقة، وخاصة ضد إيران. ويضعف هذا مصلحة واشنطن في إجبار إسرائيل على اتخاذ مواقف سياسية تعارضها الحكومة الحالية.
وترى إسرائيل أن الدعم قوي من الولايات المتحدة سيساهم في صمودها إلى حين تصدع نظام حماس السياسي في النهاية بما يجبر الحركة على وقف إطلاق النار غير المواتي لمصالحها. لكن هذه التحديات طويلة الأمد بالنسبة لحماس. ويتهم جل فلسطينيي غزة إسرائيل وليست حماس بالتسبب في محنتهم. ويظهر فلسطينيو الضفة الغربية في استطلاع تلو الآخر تأييدا واسعا لحماس وهجمات 7 أكتوبر. ولكن حماس لن تتمكن من تحمل الضغوط العسكرية الإسرائيلية المفتوحة إذا لم يتوقف النظام السياسي الإسرائيلي أولا.
وتبقى العلاقة بين المصالح التي تؤثر على قرارات إسرائيل أكثر تعقيدا لكونها أقوى الكيانين. وتشمل هذه المصالح الحكومة الإسرائيلية، ومؤسسة الدفاع، والجمهور الأوسع وأحزاب المعارضة، والولايات المتحدة، والدول العربية. وتعدّ هذه الأطراف مجتمعة هي القوى التي ستحدد النظام السياسي الإسرائيلي وقدرته على استغلال الضغط العسكري لإخضاع حماس.
◙ إسرائيل ستتراجع عن مطالبها بما قد ينذر بصعود حماس لأن هدف الحركة يكمن في الصمود بوجه الهجوم العسكري الإسرائيلي
ومن المؤكد أن الضغوط التي يشهدها الجانب الإسرائيلي تبقى أكثر إلحاحا من الضغوط المسلطة على حماس. وتشير العديد من التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن جل المصالح المذكورة أعلاه تعارض إصرار الحكومة الحالية على مواصلة الحرب في غزة. وتجادل المؤسسة الأمنية، على سبيل المثال، بأن وقف إطلاق النار الذي يعيد الرهائن يجب ألا يكون دائما، وأن يمكّن الجيش الإسرائيلي من العودة إلى غزة إذا استأنفت حماس تهديدها.
ويفضل الكثير من الجمهور الإسرائيلي الآن صفقة الرهائن على استمرار القتال مع حماس، حيث تبدو الحرب في غزة الآن حملة دائمة. وتشعر الولايات المتحدة والدول العربية بالقلق إزاء التصعيد الإقليمي أكثر من أهداف إسرائيل المتطرفة للقضاء على حماس. وترى أن وقف إطلاق النار في غزة قد يعيد بعض الهدوء في الشرق الأوسط الأوسع. وقد تدفع هذه القوى الحكومة الإسرائيلية إلى التفكير في وقف إطلاق النار الذي يفتح الباب أمام مكاسب حماس السياسية.
كما أن الديمقراطية في إسرائيل مضطربة، وفترة بقاء حكوماتها قصيرة الأجل. ويمكن أن تنهار الحكومة الإسرائيلية بسرعة إذا قرر الأعضاء الأفراد أن مصالحهم لم تعد تتماشى مع مصالح الائتلاف. وهي تختلف بهذا عن حماس، التي لا تخضع للمساءلة مباشرة من الشعب الفلسطيني إلا من حيث المشاعر العامة. ويشهد نتنياهو وشركاؤه اليمينيون المتطرفون بالفعل معارضة شعبية واسعة النطاق في الجانب الإسرائيلي، بقيادة شخصيات مثل يائيرلابيد وبيني غانتس.
وتبرز دلائل حتى داخل الحكومة، وخاصة من خلال مؤسسة الدفاع، على أن الضجر من الحرب قد يكون سبب تآكل الإرادة السياسية الإسرائيلية لمواصلة محاربة حماس. وأوقف وزير الدفاع يوآف غالانت من حزب الليكود بمفرده إصلاحات نتنياهو القضائية في أبريل 2023، ولا يزال ينتقد بعض السياسات داخل الحكومة نفسها.
وإذا اختار الخروج أو التهديد بالخروج من الائتلاف الحاكم، فيمكن أن تتصدع الإرادة السياسية الإسرائيلية لمواصلة الصراع. ويدرك السياسيون الإسرائيليون نقاط الضعف هذه. واجتاحت نزعة متشددة البلاد بعد 7 أكتوبر، عززتها هجمات حزب الله المستمرة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية والضربة الإيرانية على إسرائيل في أبريل. ويبقى من غير المرجح أن يكون الانهيار القاتل للنظام السياسي الإسرائيلي وشيكا. ولكن يجب أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار الضغوط الديمقراطية والدولية التي تفلت منها حماس.
وتشير مثل هذه الضغوط الهائلة إلى أن إسرائيل ستتراجع في النهاية عن مطالبها، بما قد ينذر بصعود حماس لأن هدف الحركة المباشر يكمن في الصمود في وجه الهجوم العسكري الإسرائيلي وإثبات قدرتها على فرض تكلفة باهظة على إسرائيل خلال المقاومة المسلحة بسبب السياسات المعتمدة تجاه الفلسطينيين دون إجبارها على الخروج من غزة.
وهذا ما سيمثل انتصارا سياسيا كبيرا أيضا، مما يرفع دعم حماس الشعبي، ويساعدها على تجديد المجندين الذين فقدتهم وإعادة البناء اقتصاديا. وتهدف حماس إلى العودة كحكومة الأمر الواقع في غزة، وتسعى إلى قيادة الفلسطينيين في كل مكان آخر، وتعوض فتح بصفتها الممثلة الرئيسية للحركة الفلسطينية. وليست هذه الحركة موجودة فقط في غزة والضفة الغربية، ولكن أيضا في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا، وفي القرى ومخيمات اللاجئين في الأردن، وفي الشتات الفلسطيني المتبقي في جميع أنحاء العالم.