مستقبل الأقباط مقياس لمدى نجاح الحكومة المصرية في حربها ضد التطرف

القاهرة - في صباح يوم 26 مايو سافر محسن مرقص، مسيحي مصري أميركي يبلغ من العمر 60 عاما ويعيش في ضاحية تينلي بارك بشيكاغو، مع ابنيه وحفيده والعشرات من المسيحيين الآخرين لزيارة بعض الأماكن الدينية الأثرية في مصر.
في الطريق، استوقف حافلتهم بعض المقاتلين المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية في ريف محافظة المنيا. تم فصل الرجال والشباب عن النساء، وأُجبروا على الترجل من الحافلة، وأُمروا بتلاوة الشهادتين وعندما رفضوا، قام المهاجمون بإطلاق النار على 28 منهم، من بينهم مرقص وسبعة من أفراد أسرته.
وعلى الرغم من كون مرقص مواطنا أميركيا، إلا أن تداعيات الحادث وأصداءه لم تأخذ سوى يوم واحد فقط على شاشات القنوات الإخبارية بالولايات المتحدة. قد يعود ذلك ربما إلى هجمات داعش التي حدثت عقب ذلك مباشرة في مانشستر ولندن. ولكن احتمال شيوع الهجمات الإرهابية على أقباط مصر خلال الأشهر الأخيرة قد يكون التفسير الأقرب لسبب انحسار الاهتمام الغربي.
ترصد الباحثة الأميركية نينا شييا ضمن مقال بمجلة سياسات دولية الأميركية هذه الحادثة لتسلط من خلالها الضوء على مستقبل الأقباط في مصر في ضوء اتساع نطاق الاستهداف الذي يتعرضون له من قبل داعش بما يزيد من تعقيد أوضاعهم القلقة.
على الرغم من أن الدستور المصري يفرض المساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن الهوية الدينية، إلا أن الأقباط يقولون إنهم غالبا ما يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية
تحذر شيا من انعكاسات تجاهل الهجمات على المسيحيين في مصر والذي يرفع من حدة المخاوف من تأثيرات الظاهرة على التركيبة الديمغرافية بالمنطقة. إذ قد يؤدي استمرار موجة ذبح الأقباط، الذين يشكلون أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط بتعداد يتجاوز التسعة ملايين نسمة، إلى اتساع موجة الهجرة وطلب اللجوء إلى الخارج، ما يهدد بتفكك مجتمعهم أو يهدد الاستقرار الأمني في مصر ودول الجوار خلال العقود القادمة.
وعلى الرغم من أن الدستور المصري يفرض المساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن الهوية الدينية، إلا أن الأقباط يقولون إنهم غالبا ما يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، حيث يتعرضون للتهميش والتفرقة العنصرية في الكتب المدرسية الرسمية ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة والمساجد التي تدعمها الحكومة، كما يواجهون عقبات لنيل حقوقهم في النزاعات أو لتقلدهم الوظائف الحكومية الهامة، مما يعزز بدوره ثقافة العنف ضدهم.
ونتيجة لهذا التشويه الذي يتعرض له أقباط مصر، فإنه ليس من الغريب أن تتعزز النظرة المتعصبة داخل شريحة واسعة من المسلمين السنة بكونهم غرباء، وهو ما يؤجج الاحتقان الطائفي والحوادث الدينية نتيجة التعبئة والتحريض ضد المسيحيين.
ويزيد إصرار الدولة على تطبيق قوانين العصر العثماني المتعلقة بمعاملة الأقليات الدينية في تأجيج الوضع خاصة التمسك بالخط الهمايوني الذي يحظر بناء الكنائس وترميمها إلا بإذن من وزارة الداخلية، وخلال العقود الأخيرة، ارتبطت معظم الصدامات الطائفية بهذه القضية. ويزيد استهداف الكنائس من حجم الاحتقان وتهديد الاستقرار المجتمعي. وتعقب تلك الهجمات عادة مسيرات جنائزية كبيرة تضم العشرات من التوابيت التي يتم حملها إلى نفس الكنيسة المنكوبة، وسط صراخ ونحيب الجموع الغفيرة، فيما تشير بعض التقارير إلى أن الهجمات الأخيرة رفعت من مستويات اليأس والرغبة في الهجرة داخل صفوف الشباب المسيحيين.
وجود سياسة فعالة لمكافحة الإرهاب أمر بالغ الأهمية، لكنها وحدها لا تستطيع وقف عمليات داعش. وتضامنا مع الأقباط المصريين توجه البابا فرنسيس إلى مركز السنة للتعلم، بجامعة الأزهر، لإجراء حوار الأديان مع الشيخ أحمد الطيب. ودعا البابا إلى إجراء إصلاح في تربية شباب اليوم، والذي من دوره أن يُخرج أجيالا متفتحة ومستنيرة.
وندد الرئيس السيسي بشدة بالتطرف الديني، وأعادت الحكومة المصرية بناء وترميم بعض الكنائس المنكوبة. وفي 28 ديسمبر من العام الماضي، دعا في خطابه مؤسسة الأزهر إلى “ثورة إصلاح دينية”، وقال “ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مدار المئات من السنين، يدفع الأمة بكاملها إلى القلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها”. وطالب أكثر من مرة بأن يتصدى لتلك الأمور علماء ورجال دين مستنيرون، مؤكدا أن الأوان آن لتجديد الخطاب الديني، الذي ظل رهين تراث محدود بمعطيات الماضي وأبعاده.
على الرغم من ذلك، يظهر هناك بطء ملحوظ في التحركات الرسمية، إلى جانب غياب خطة أو استراتيجية واضحة لتعديل قوانين التمييز في مصر، والتي تجعل من الكنائس القبطية بؤرا للتوتر، ولا تقف بجانب الأقباط في مواجهة العنف الطائفي. وعلى الرغم من أن حكومته تسيطر على التبرعات التي تموّل الأزهر، إلا أنه لم يأمر بإصلاح تعليمي شامل ولم يأمر أيضا بتعليم التاريخ والثقافة القبطية بشكل عام. وتخلص نينا شييا إلى أنه يبقى مصير الأقباط في مصر مقياسا حقيقيا لمدى نجاح حكومة السيسي في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويتعين على العالم بأسره حينها أن يولي اهتمامه لتلك القضية.