مساهمات التونسيين لا تكفي من أجل التعبئة المالية للدولة

قيس سعيد: الأموال المجمعة ستخضع للرقابة المباشرة من رئاسة الجمهورية.
السبت 2021/11/06
الرئيس التونسي لا يريد الاعتماد على الخارج

تونس- وجّه الرئيس قيس سعيد نداء إلى التونسيين للمشاركة في التعبئة المالية لإنقاذ المالية العمومية، ولئن استحسن مراقبون الفكرة كحلّ حيني لتخفيف تداعيات الأزمة، فإنهم أجمعوا على كونها لا تكفي لتجاوزها وسط دعوات إلى تحمّل الدولة لمسؤولياتها والبحث عن حلول جذرية وناجعة وفقا لبرامج وخطط واضحة.

ودعا الرئيس التونسي قيس سعيد الخميس مواطنيه داخل البلاد وخارجها إلى المساعدة في تعبئة الحاجيات المالية للدولة لتجاوز الأزمة التي تعصف بالبلاد.

وقال سعيد أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء “سنعمل على تشريك المواطنين للخروج من هذه الأزمة، أتوجه بدعوة إلى كل المواطنين للمساهمة في إيجاد التوازنات المالية المطلوبة، والأموال التي سيتم تجميعها ستخضع للرقابة المباشرة من رئاسة الدولة”.

حسين الديماسي: لا بد من هدنة اجتماعية مع قرارات لترشيد نفقات الميزانية

ولم يشر سعيد إلى طبيعة هذه المساهمة أو وسائل تنفيذها، لكنه أكد على أن “هذه الأموال التي يمكن أن نخفف بها من وطأة الأزمة المالية ستكون تحت الرقابة المباشرة من رئاستي الدولة والحكومة”.

وتعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة وشح في السيولة في وقت تسعى فيه الحكومة لإيجاد اتفاقات قروض مع دول مثل السعودية والإمارات لتعبئة ما تبقى من موازنة 2021.

ويجمع خبراء الاقتصاد والمالية على أن مساهمات التونسيين لا تكفي لحلحلة الأزمة المالية، مطالبين السلطات بتحمل مسؤولياتها وإيجاد حلول جذرية على المديين المتوسط والبعيد.

وقال وزير المالية الأسبق حسين الديماسي “هي محاولة يمكن أن تخفف من وطأة الأزمة، ولكنها لا تكفي نظرا للوضعية المالية الصعبة للغاية، ولا تحلّ المشكلة وما تحتاجه البلاد”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الثغرة المالية الآن مقارنة بالنفقات هي في حدود عشرة مليارات دينار(3.53 مليار دولار)، أما العجز العام فيتجاوز العشرين مليار دينار (أكثر من 7 مليارات دولار)”.

وتابع الديماسي “هذه فرصة حقيقية للقيام بإصلاحات جذرية للمالية العمومية، حيث تراكمت الأخطاء في السنوات العشر الأخيرة، ولا يوجد مخرج هيكلي للإصلاح باستثناء اللجوء حينيا إلى السيناريو اليوناني (سياسة التقشف وخفض الرواتب)، فضلا عن حلول أخرى أشد خطورة وهي أن تجبر السلطات البنك المركزي على ضخّ الأموال، ما سيزيد في نسبة التضخم، فضلا عن الزيادة في الجباية التي ستقتل الاستثمار آليا”.

وطالب الخبير في المالية بـ”الدخول في هدنة اقتصادية واجتماعية بين مختلف الأطراف الاجتماعية والدولة لمدة معينة مع أخذ قرارات لترشيد نفقات الميزانية”.

ولئن ثمّن مراقبون دعوات الرئيس التونسي إلى عدم خضوع الدولة للإملاءات المالية الخارجية، فإنهم أكّدوا أنه لا يمكن التعويل على الفئات الضعيفة والكادحة في المساهمة في التعبئة العامة للمالية.

ورحّب الخبير الاقتصادي عبدالجليل البدوي بدعوة الرئيس قيس سعيد إلى الاعتماد على الذات وتفادي اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والمزيد من الاقتراض الخارجي.

عبدالجليل البدوي: إعلان الرئيس عن التعويل على الذات فكرة هامة ضمن مسار الدفاع عن استقلالية القرار الوطني

وأكد في تصريح لإذاعة محلية على “ضرورة عدم تحويل البلاد إلى دولة خاضعة لإرادة الغير عبر التسول والاعتماد على الخارج”، معتبرا أن “إعلان الرئيس عن التعويل على الذات فكرة هامة ضمن مسار الدفاع عن استقلالية القرار الوطني والبلاد بشكل عام”.

وأضاف “استقلالية البلاد ليست مجرد كلام ونوايا حسنة وإنما إجراءات وممارسات عملية تنطلق بالأساس من خلال التعويل على الذات في جميع المجالات بهدف تحقيق الاستقلالية المالية والغذائية والطاقية”، موضحا أنه “لا يمكن التعويل على مساهمة شرائح واسعة من الطبقة الفقيرة والكادحة وبعض شرائح الطبقة الوسطى لأن وضعها المالي في تدهور متواصل وقدراتها على الادخار وصلت إلى مستويات سلبية نظرا لغلاء المعيشة وتدهور قدراتها الشرائية”.

وسبق أن قالت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن إن “أولوية الحكومة ستكون خلق توازنات للمالية العمومية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية”، في أول إشارة إلى نية الحكومة تنفيذ إصلاحات يطالب بها مقرضون لإنعاش الاقتصاد بينما ترزح البلاد تحت أسوأ أزمة مالية.

وقال بيان للحكومة “شددت رئيسة الحكومة على أن أولويتها تتمثل في خلق توازنات للمالية العمومية والمضي في الإصلاحات الاقتصادية الضرورية والتي تهدف إلى تحسين مستوى عيش التونسيين وقدرتهم الشرائية”.

وعبّرالبنك المركزي عن قلقه من النقص الحاد في الموارد المالية الخارجية، وحذر من أن تمويل عجز الميزانية ينطوي على مخاطر اقتصادية بما في ذلك زيادة التضخم وانخفاض احتياطياته من النقد الأجنبي وتراجع قيمة العملة المحلية.

وتحتاج تونس هذا العام إلى ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار لتمديد أجل الديون الخارجية ودفع رواتب مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام.

وكان الرئيس سعيد طالب في وقت سابق الحكومة بعملية جرد لجميع القروض والهبات التي تلقتها تونس خلال السنوات الأخيرة والتي “لم يكن لها أثر على أرض الواقع”، وفق تعبيره.

4