مساعي بايدن للفوز في الانتخابات النصفية تصطدم بالحروب المشتعلة

واشنطن - تبدّل الحال تماما عمّا كان عليه بالنسبة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن في فبراير العام الماضي عندما ظهر وهو يتنزه بثقة في شوارع كييف معتزّا بدوره كمدافع عن القضية الأوكرانية في مواجهة نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وبعد عام تقريبا على هذا المشهد، يواجه الرئيس الأميركي اليوم واقعا صعبا فيما يسعى للفوز بولاية ثانية إذ يبدو غارقا في حرب أوكرانيا التي يطرأ الجمود على جبهاتها بينما ينذر النزاع في غزة بإشعال الشرق الأوسط بأكمله في أيّ لحظة.
وامتدت بالفعل الحرب بين إسرائيل وحماس إلى البحر الأحمر وخليج عدن حيث يهاجم الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران سفنا في المنطقة فيما استهدفت مجموعات مسلّحة أخرى مؤيّدة لطهران القوات الأميركية في سوريا والعراق. وفي الحالتين، ردّت الولايات المتحدة بتنفيذ ضربات انتقامية.
ورغم أنها ليست في حالة حرب عمليا، إلا أن الولايات المتحدة تجد نفسها منخرطة عسكريا على عدة جبهات، فضلا عن أزمة الهجرة التي تواجهها عند الحدود مع المكسيك، وهي عوامل لا تخلق مجتمعة بيئة مواتية لبايدن فيما يكثّف حملته على أمل إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل.
ولعل الأسوأ من ذلك كلّه بالنسبة إلى الرئيس الديمقراطي البالغ 81 عاما هو أن خصمه الجمهوري المحتمل الرئيس السابق دونالد ترامب استخدم حالة عدم الاستقرار الدولية سلاحا لمهاجمة ما اعتبره ضعف بايدن.
58
في المئة بأنهم لا يؤيّدون طريقة تعامل بايدن مع الشؤون الخارجية مقارنة مع 36 في المئة يؤيّدونها
وتؤكد المستشارة الديمقراطية ميليسا دي روزا أن “الشعور بعدم الاستقرار الناجم عن هذه النزاعات، فضلا عن قضية الحدود، سيلعب دورا في هذه الانتخابات”.
وقالت “أعتقد أن الأمر سيمثّل مشكلة بالنسبة إلى جو بايدن” وسيكون “أمرا يواصل ترامب التركيز عليه” لاسيما أزمة الهجرة التي وصفتها بأنها تمثّل “كعب أخيل” بالنسبة إلى الرئيس مع دخول أعداد قياسية من المهاجرين إلى الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة.
وتسارع السباق نحو البيت الأبيض بشكل كبير عقب فوز ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية نيو هامبشر.
وسعى كل من الرئيس الديمقراطي وسلفه الجمهوري إلى التسليم بحتمية تكرار المواجهة بينهما في نوفمبر المقبل، حتى لو أظهرت استطلاعات الرأي أن جولة إعادة لانتخابات 2020 أمر لا يحبذه معظم الأميركيين.
ويركّز بايدن في حملته الانتخابية على القضايا الأكثر جدلية بما فيها حق الإجهاض ويصوّر ترامب على أنه يمثل تهديدا للديمقراطية، علما بأن رسالته المرتبطة بالاقتصاد لا تلقى آذانا صاغية في أوساط الناخبين الذين يعانون من وطأة التضخم.
ولم تلعب السياسة الخارجية تاريخيا غير أدوار صغيرة في حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية ويستبعد أن يختلف الوضع في 2024، ما لم تطرأ أيّ تطورات كبيرة.
الرئيس الأميركي غارق في حرب أوكرانيا الجامدة بينما ينذر النزاع في غزة بإشعال الشرق الأوسط بأكمله
لكن ترامب الذي يبدو في طريقه لنيل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري يستغل هذا القلق حيال الضبابية على المستوى العالمي ليصب في مصلحته، وهي رسالة تلقى آذانا صاغية في أوساط أنصاره.
وقال المعماري المؤيد لترامب في نيوهامبشر والبالغ 72 عاما توني فيرانتيلو إن “الكيانات الأجنبية تحترم (ترامب) وتهابه أكثر من الشخص الذي يترأس البيت الأبيض حاليا”.
وتؤكّد معدلات التأييد لسياسة بايدن الخارجية صعوبة وضعه إذ أفاد 58 في المئة بأنهم لا يؤيّدون طريقة تعامله مع الشؤون الخارجية مقارنة مع 36 في المئة يؤيّدونها، وفق معدل استطلاع أجراه موقع “ريل كلير بوليتيكس” في ديسمبر الماضي ويناير الجاري.
بالتالي، فإن الوضع غير مريح بالنسبة إلى بايدن الذي يسوّق لنفسه على أنه مخضرم في السياسة الخارجية على اعتبار أنه قضى ثماني سنوات وهو يتعامل مع قادة العالم عندما كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما وتولى عدّة مرّات منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
كما أن بايدن يتباهى بكونه أعاد إحياء التحالفات الدولية، بما في ذلك مع حلف شمال الأطلسي وفي آسيا، بعدما قضى الجزء الأكبر من حملته عام 2020 متعهّدا بـ“إعادة” الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية بعد سنوات حكم ترامب التي طغت عليها النزعة الانعزالية.
الولايات المتحدة تجد نفسها منخرطة عسكريا على عدة جبهات، فضلا عن أزمة الهجرة التي تواجهها عند الحدود مع المكسيك
لكن الصعوبات المرتبطة بحرب أوكرانيا تخيّم على بايدن الذي حاول تصوير نفسه كزعيم ائتلاف واسع من عدة دول يدعم كييف بعد الغزو الروسي في 2022، مع تجنّبه أي مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو.
واليوم، بعد مرور عامين، يجد نفسه مضطرا لمواجهة التململ في أوساط النواب والناخبين الذين يشككون في جدوى مواصلة تحمّل عبء تكاليف دعم أوكرانيا عسكريا في غياب أي نتائج تذكر.
وفي الكونغرس، يربط المعارضون الجمهوريون مواصلة دعم أوكرانيا بتشديد سياسات الهجرة عند حدود الولايات المتحدة الجنوبية كمقابل.
ويعقّد دعم بايدن الثابت لحرب إسرائيل ضد حماس في غزة الأمور أكثر إذ أن موقفه هذا قوبل بانتقادات حادة من أنصاره وآخرين من اليسار.
وقاطع متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين خطابا لبايدن عن حقوق الإجهاض عدّة مرّات الثلاثاء، علما بأن بايدن يركّز بشكل كبير على هذه القضية في حملته للفوز بولاية ثانية.
وقد تعود هذه القضية لتسدد ضربة له في نوفمبر المقبل في ولايات متأرجحة مهمة تصوّت أحيانا للجمهوريين وأحيانا أخرى للديمقراطيين مثل ميشيغان التي تضم عددا كبيرا من السكان العرب والمسلمين، كما أنها قد تكلّفه أصوات شريحة كبيرة من الشباب.
ويضاف إلى ذلك كلّه احتمال اشتعال جبهة أخرى هي كوريا الشمالية فيما يرتفع منسوب التوتر بينها وبين جارتها المتحالفة مع واشنطن، كوريا الجنوبية.
وحذّر فيكتور تشا من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن “تتّجه كوريا الشمالية لزيادة الاستفزازات خلال سنوات الانتخابات الأميركية”.