مسار تشكيل الحكومة يدخل أسبوعه الثاني بتفاؤل حذر

يواجه رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي صعوبات لتشكيل حكومته في ظل المواقف المتقلبة لحركة النهضة المعنية مباشرة بمشاورات تشكيل الحكومة، وعلى الرغم من إقراره بتقدم إيجابي للمفاوضات بين الأحزاب، إلا أن تناقضات النهضة وانقلابها على تفاهمات سابقة مع حزب قلب تونس صاحب المرتبة الثانية بالبرلمان، إضافة إلى شروط الأحزاب الوازنة بالمشهد السياسي، تعقد مخاض الحكومة الجديدة.
تونس- كشف رئيس الحكومة التونسية المُكلف الحبيب الجملي، عن تقدم وصفه بـ”الجيد” في المشاورات التي يُجريها لتشكيل فريقه الحكومي الجديد، وذلك في الوقت الذي دخلت فيه هذه المشاورات أسبوعها الثاني على التوالي في ظروف بالغة التعقيد، وضمن مشهد تتنازعه جملة من التحديات المفتوحة على مواجهات سياسية قادمة في ظل اشتراطات مُتباينة، ومواقف حزبية تعجيزية.
وأفرز هذا المشهد جملة من المعطيات التي تنحو باتجاه بروز مفاجآت قد تبدل موازين القوى الراهنة وفق معادلات من شأنها قلب الحسابات الحزبية.
ولم يتمكن الحبيب الجملي من تبديد الغموض في تصريحه الذي تحدث فيه عن تسجيل تقدم في مشاوراته التي يُجريها في قصر الضيافة بضاحية قرطاج الذي تحول إلى قبلة لكافة الفاعلين السياسيين والحزبيين ومسؤولي المنظمات الوطنية، ومكونات المجتمع المدني.
وأكد الجملي في هذا التصريح الذي نقلته الأحد، وسائل الإعلام المحلية التونسية، تسجيل “تفهّم كبير من قبل كل الأطراف السياسية والخبراء والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني التي تم الالتقاء بها حتى الآن”، وذلك في ما يتعلق برؤيته لإدارة الحكومة في المرحلة القادمة، مضيفا أن حكومته “ستكون حكومة متجددة من حيث الشكل والمضمون”.
وبقدر ما يبدو هذا التصريح حاملا لتفاؤل كبير، فإن توقيته الذي حمل رسائل قابلة للتأويل في اتجاهات مُتعددة، يحتاج مع ذلك إلى الكثير من التنسيب حين يتعلق الأمر بمشاورات تتم في مناخ مُعقد، نتيجة الحسابات السياسية، وحقيقة التوجه العام للأحزاب التي تتعدّل مواقفها وتتغير وسط تباينات حادة في الخيارات التي تحكم سياق ما أنتجته تجاذبات العلاقة المُفترضة بينها وبين حركة النهضة الإسلامية المعنية مباشرة بتشكيل الحكومة الجديدة.
ودفع هذا الوضع، مصطفى بن أحمد، النائب البرلماني عن حزب تحيا تونس، برئاسة يوسف الشاهد، إلى القول في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن المشهد العام لمسار المشاورات المُرتبطة بالحكومة الجديدة، “لا يزال ضبابيا وشديد التعقيد في الحسابات والرؤى التي ترسمها المواقف المُعلنة التي تختلط فيها التمنيات مع قدر كبير من التهرب من تحمل المسؤولية”.
وعلى عكس ما ذهب إليه رئيس الحكومة المُكلف في تصريحه المذكور، اعتبر مصطفى بن أحمد، أن “المناخ العام الذي تجري فيه هذه المشاورات محكوم بحسابات عجلت بدخولها في حلقة مُفرغة جعلت مهمة رئيس الحكومة المُكلف صعبة وصعبة جدا”.
وعزا هذا التعقيد إلى ما وصفه بـ”انعدام وجود حزب سياسي مُستعد للحكم في هذه المرحلة بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية، وهو ما يُفسر على حد قوله، ارتفاع سقف المواقف التعجيزية، والاشتراطات المستحيلة”.
ويرى مراقبون، أنه في الحسابات الراهنة، يبدو أن كل ما يتم تداوله من معطيات ومؤشرات، يدفع باتجاه تأكيد صعوبة مهمة مشاورات الحبيب الجملي، التي شهدت تغييرا في نسقها في علاقة بالأحزاب، حيث استقبل الأحد، قادة لأحزاب غير مُمثلة في البرلمان، منها حزب المسار والتكتل من أجل العمل والحريات اللذان فشلا في الحصول على أي مقعد بالبرلمان في انتخابات 2019، وكذلك أيضا في انتخابات 2014.
وقبل ذلك، استقبل الجملي مساء السبت، على انفراد، نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، ومحمد عبّو أمين عام حزب التيار الديمقراطي، حيث أكد القروي في تصريح أدلى به في أعقاب هذا اللقاء، أنه استعرض معه عددا من المسائل، منها تحييد وزارات السيادة لتجنب إعادة ما عاشت على وقعه البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب ضرورة تعزيز حرية التعبير والتقليص من الضغط على وسائل الإعلام.
وبدا لافتا في تصريح القروي تقليله من أهمية تصريح سابق لرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي الذي قال فيه إن حركته “لن تقبل المشاركة في الحكومة في صورة تشريك قلب تونس فيها”، واعتبر بلغة ساخرة أن “حركة النهضة ستكون استنادا إلى ذلك في المعارضة”.
يبدو أن كل ما يتم تداوله من معطيات ومؤشرات، يدفع باتجاه تأكيد صعوبة مهمة مشاورات الحبيب الجملي، التي شهدت تغييرا في نسقها في علاقة بالأحزاب
وكان موقف الغنوشي قد أثار جدلا كبيرا، لاسيما وأنه اختزل في ثناياه انقلابا على تفاهمات ربع الساعة الأخير مع حزب قلب تونس التي أوصلته إلى رئاسة البرلمان، ما يعني أن هذا الموقف قد يحمل تغيرات أخرى مُرتبطة بقياسات المشاورات لتشكيل الحكومة التي فرضت نفسها ضمن هذا المشهد الذي تأخذ فيه مناورات الغنوشي سياقا جديدا جعلت منه مشهدا متسما بالاضطراب والتقلبات.
وفرض هذا الموقف الذي لا يخرج عن الإطار العام للمواقف المُتقبلة لحركة النهضة، الكثير من الأسئلة لاعتبارات ترتبط بمبرراته التي تقاطعت على سطح المعادلات السياسية المُتغيرة، التي يبدو أنها لن تتوقف عند حدود ومساحة ما تطرحه من “إقصاء” لحزب قلب تونس.
وعزز هذا الموقف الآراء التي تؤكد أن مشاورات قصر الضيافة الذي اتخذه رئيس الحكومة المُكلف الحبيب الجملي مقرا له، ليست سوى مجرد واجهة، ذلك أن المشاورات الحقيقية والفعلية لتشكيل الحكومة تجري في واقع الأمر بعيدا عن الأضواء في “مونبليزير”، حيث مقر حركة النهضة الإسلامية الذي أصبح وجهة كل الراغبين في الاستوزار.