مسار السلام الأفغاني عملية غامضة مفتوحة على كل الاحتمالات

احتمالات التوصل إلى اتفاق دائم وشامل لإنهاء الصراع الأفغاني، والذي لم تكن بوادره مشرقة على الإطلاق رغم كل شيء، تبدو قاتمة بشكل متزايد، فبعد عدة أشهر من الجدل حول القضايا الأولية، بات وفدا الحكومة وحركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة على وشك معالجة العديد من القرارات الصعبة المطلوبة لتشكيل نظام سياسي جديد، لكن العملية برمتها لا تزال تسير على رمال متحركة.
الدوحة- يخشى المراقبون وبشكل سيء بالنسبة إلى المفاوضات الجارية مع الحكومة الأفغانية من أن طالبان سواء بدافع الثقة في موقفها التفاوضي القوي أو من قناعاتها الأساسية، ستنسف عملية السلام، والتي تسير ببطء شديد حيث لم تُظهر الحركة حتى الآن أي ميل للتنازل عن قضايا ذات مضمون حقيقي.
وعلى خلفية تصاعد العنف في أفغانستان ترفض الحركة قبول وقف إطلاق النار، وهو ما بدا واضحا من خلال استمرار هجماتها في البلاد، ما فسره المحللون ومن بينهم مارفن جي وينباوم مدير دراسات أفغانستان وباكستان في معهد الشرق الأوسط بأن الحركة تظهر نفسها أنها ليست في عجلة من أمرها لإنهاء إراقة الدماء في البلاد.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المحادثات أكدت وجود فجوة واسعة بين الأطراف المتصارعة في رؤيتها لدولة ومجتمع أفغاني في المستقبل.
ويرى باحثون في مركز أوراسيا ريفيو الأميركي للدراسات والبحوث أن مشاركة طالبان في محادثات السلام في الدوحة لا تهدف إلى رسم مستقبل أفغانستان بقدر ما تهدف إلى إبقاء الولايات المتحدة في الاتفاق المبرم في فبراير الماضي، والذي ألزمها بسحب جميع القوات من أفغانستان بحلول نهاية أبريل المقبل.
ومع رحيل القوات الأميركية والقوات الأجنبية الحليفة، يمكن أن تكون طالبان في طريقها إلى الصعود السياسي، إن لم يكن عن طريق التنمر على طاولة المفاوضات ثم في ساحة المعركة.
ويعتقد وينباوم أنه مع إدراك الحركة للعقبات التي تلوح في الأفق، يواصل معظم الأفغان إلى جانب جزء كبير من المجتمع الدولي إيمانهم بالنجاح النهائي لعملية السلام الحالية.
ويقول إن الأفغان فهموا أن الانتصار العسكري على طالبان غير قابل للتحقيق وصدهم لفكرة الحرب لا ينتهي، فقد وضعوا ثقتهم في الدبلوماسية والأمل هو أن تكون الحركة، التي تدرك الصعوبات في تحقيق نصر عسكري كامل، على استعداد لتوقيع اتفاق سياسي بمجرد انتزاع الجماعة تنازلات كافية.
وفي نهاية المطاف، يُنظر إلى طالبان على أنها جهة فاعلة في المعاملات. وهذه الأيديولوجيا بدلا من البراغماتية قد تهيمن على تفكير طالبان مرفوضة بشكل ملائم.
وليس من المستغرب إذن أن يتم إيلاء القليل من الاهتمام لما قد يتبع ذلك إذا ثبت عدم جدوى محادثات السلام الحالية ويمكن أن تستمر المفاوضات دون جدوى لعدة أشهر أخرى، بل قد تمتد إلى سنوات، وفي أي وقت من الأوقات تنهار تماما.
ورغم التقدم البطيء، يبدو أن كلا الجانبين لأسباب منفصلة لكل منهما متردد الآن في الانسحاب من المفاوضات لكن تردد طالبان قد يتلاشى بسرعة إذا أعلنت إدارة بايدن عزمها على الاحتفاظ بقوات مكافحة الإرهاب المتبقية في البلاد بعد أشهر من الآن.
وقد صرح متحدث باسم طالبان علنا أن أي شيء أقل من الانسحاب الأميركي الكامل يعد بمثابة كسر للصفقة ومع استمرار ارتفاع مستوى العنف في البلاد، قد تجد حكومة كابول قريبا أن الاستمرار في المحادثات أمر مكلف للغاية من الناحية السياسية.
وبغض النظر عن السبب، إذا انهارت المفاوضات، فإن ردود الفعل بين الجمهور الأفغاني المحبط والنخبة السياسية المفككة والمجتمع الدولي المحبط بشدة يمكن أن تحدد مستقبل حكومة أشرف غني والجمهورية الإسلامية في أفغانستان.
وفي أعقاب مفاوضات السلام الفاشلة، يمكن أن نتوقع من الحكومة أن تعبر عن ثقتها في قدرة البلاد على القتال، وستصر على أن قوات الأمن والدفاع الوطني الأفغانية قادرة على الدفاع عن الدولة، حتى في مواجهة هجمات طالبان المتزايدة شبه المؤكدة ذات النطاق والشدة الأكبر.
وأجرت القوات الأفغانية منذ بعض الوقت عمليات برية بشكل مستقل ونمت ببطء قوة جوية فعالة في إبقاء المراكز السكانية الرئيسية بعيدا عن أيدي المسلحين. ولكن حتى مع استمرار المساعدة المالية الأميركية لقوات الدفاع الوطني الأفغانية، فإن رحيل معظم أو كل القوات الأجنبية والمتعاقدين الخاصين، وخاصة فقدان الدعم الجوي التكتيكي الأميركي، سيختبر قوة الجيش الأفغاني ومعنوياته.
ويمكن أن يكون ذلك بمثابة عامل تسريع قوي لمعدل الهروب العسكري المرتفع بالفعل الذي يؤدي بعد ذلك إلى تفكك قوات الأمن الأفغانية وقد يؤدي نقل الفارين من معداتهم وتدريبهم إلى الميليشيات المختلفة في جميع أنحاء البلاد إلى إشعال حرب أهلية فوضوية وأكثر تدميرا.
وتقول شانتي مارييت دي سوزا الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط وأحد أعضاء هيئة التدريس الزائرين في الكلية الحربية البحرية الأميركية إن انهيار محادثات السلام قد يؤدي إلى زيادة الانقسام بين النخب السياسية الأفغانية على أسس عرقية وإقليمية، فقد كانت لديها أفكار منفصلة حول إجراء محادثات السلام.
إذا انهارت المفاوضات، فإن ردود الفعل بين الجمهور الأفغاني المحبط والنخبة السياسية المفككة والمجتمع الدولي المحبط بشدة يمكن أن تحدد مستقبل حكومة أشرف غني
ومن المرجح أن يجدد العديد من أصحاب النفوذ البارزين الذين يمتلكون الميليشيات التهديدات بشن هجماتهم العسكرية ضد طالبان. ومن بين السياسيين المعارضين، سيلقي الكثيرون باللوم على انهيار المفاوضات بسبب العوائق التي أنشأها عمدا الرئيس وحلفاؤه السياسيون.
وثمة احتمال بأن ينفرط عقد الهدنة المضطربة بين الرئيس أشرف غني ومنافسه المخضرم عبدالله عبدالله وقد يحذو بعض السياسيين حذو زعيم المتمردين السابق قلب الدين حكمتيار في التواصل مع طالبان لاستكشاف كيف يمكن حماية مصالحهم في ظل حكومة مؤقتة أو إمارة مستعادة.