مزيج من الدبلوماسية والتهديد العسكري كفيل بردع طموحات إيران النووية

لم يكن النظام الإيراني أضعف من أي وقت مضى، وذلك بفضل افتقاره إلى الشرعية في الداخل وتدمير وكلائه وشركائه الإقليميين مثل حماس وحزب الله اللبناني والرئيس السوري السابق بشار الأسد. ومع ضعف النظام الإيراني من حيث الأسلحة التقليدية، ينمو إغراء امتلاك الأسلحة النووية.
واشنطن - يرى محللون أن مزيجا من الدبلوماسية والضغوط العسكرية خياران يدعمان بعضهما البعض لردع الطموحات النووية لإيران. ويقول مايكل سينغ، وهو زميل أول في برنامج لين-سويغ، في تقرير نشره معهد واشنطن إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لديها الفرصة لتسخير حملة الضغط الدبلوماسية الحالية التي يقودها الاتحاد الأوروبي ضد إيران، إلى جانب الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وإضافة تدابير اقتصادية يمكن أن تفرض ضغوطا شاملة على النظام في وقت قصير. ولكن مع ذلك يجب على واشنطن أن تستعد لاحتمال أن يكون العمل العسكري الأميركي أو الإسرائيلي ضد إيران ضروريا.
مسار الضغوط
في قرارها الصادر في نوفمبر 2024 الذي ينتقد إيران، طلب مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوكالة إعداد “تقرير شامل” عن “الوجود المحتمل أو الاستخدام لمواد نووية غير معلنة في ما يتصل بالقضايا العالقة الماضية والحالية وما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك تقرير كامل عن تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن هذه القضايا.”
ويمكن أن يكون تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمثابة أساس لإحالة إيران إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يمكن لبريطانيا أو فرنسا، على افتراض أن روسيا والصين تمنعان اتخاذ إجراءات أكثر جدية، أن تبدأ عملية إعادة فرض العقوبات لمدة ستين يوما. ومن المقرر أن تنتهي هذه العملية في سبتمبر 2025، حيث تتولى روسيا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن اعتبارا من أكتوبر؛ وهذا يعني أن عملية إعادة فرض العقوبات يجب أن تبدأ في وقت ما في يوليو.
وتصدّر إيران حاليا ما يقرب من مليوني برميل يوميا من النفط، ارتفاعا من أقل من 400 ألف برميل يوميا في عام 2020. ويتجه نصيب الأسد من هذه الصادرات إلى المصافي الصغيرة في الصين، بينما تشتري مصافي التكرير الأكبر في الصين – والتي تتعرض بشكل أكبر للعقوبات الغربية – النفط الخام من روسيا وموردين آخرين.
وفي حين قد يكون من الصعب التأثير على المصافي الصينية الصغيرة من خلال العقوبات، فإن المبيعات تنطوي على شبكة عنكبوتية من الجهات الفاعلة الأخرى التي قد تكون أكثر عرضة للتأثير، سواء كانت دولا مثل ماليزيا متورطة في نقل النفط لإخفاء أصله، إلى أسطول الظل من الناقلات المستخدمة لنقله، إلى الشركات والبنوك الواجهة المستخدمة لبيع النفط وإعادة الإيرادات إلى إيران.
ومن المرجح أن تؤثر إدارة ترامب على مبيعات النفط الإيرانية بسرعة من خلال إشارات مبكرة وقوية عن نية ملاحقة أيّ كيانات متورطة في هذه التجارة بقوة. وفي حين قد يبدو للوهلة الأولى أن الحالة المتدهورة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد تعقد هذه المهمة، إلا أن بكين قد ترى في الواقع أن تقييد مشتريات النفط من إيران بمثابة لفتة منخفضة التكلفة للرئيس ترامب. وهذه هي الطبيعة السطحية لما يُطلق عليه غالبا “محور إيران والصين”.
وتحمل زيادة إنتاج النفط من قبل الولايات المتحدة احتمالات خفض العائدات الإيرانية بشكل أكبر من خلال خفض أسعار النفط. وفرضت الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران في أكتوبر 2024 ضغوطا عسكرية هائلة والتي أفادت التقارير أنها أدت إلى تدهور دفاعاتها الجوية والكثير من قدراتها الصاروخية الهجومية.
ومن المرجح أن يتزايد هذا الضغط مع مناقشة الضربات العسكرية على البرنامج النووي الإيراني علنا. ومع ذلك، ينبغي لإدارة ترامب أن تزيد من هذا الضغط، وتوضح استعدادها لاستخدام القوة بدلا من مجرد دعم إسرائيل.
وللضربات العسكرية سجل أكثر نجاحا في وقف البرامج النووية من الدبلوماسية، فقد أحبطت الضربات في العراق عام 1981 وسوريا عام 2007 التطلعات النووية لتلك الدول، في حين فشل الإطار المتفق عليه مع كوريا الشمالية (1994) وخطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في القيام بذلك.
وتتمثل إحدى الصعوبات المرتبطة بالحلول الدبلوماسية للأزمات النووية في أنها تتطلب نوعا من الدعم المحلي الذي لم يتم الحصول عليه في الولايات المتحدة سواء للإطار المتفق عليه أو خطة العمل الشاملة المشتركة؛ كما أن الضربات العسكرية لا تتطلب أيّ تنازلات مع الخصوم ولا يمكن التراجع عنها من قبل الخلفاء. ونظرا إلى ضعف إيران والحالة المتقدمة لبرنامجها النووي، فإن إدارة ترامب ستكون مقصرة إذا لم تفكر في، بل واستعدت بجدية، لضربات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني.
ومن المهم أيضا أن نلاحظ أنه مهما كانت الضربات العسكرية ناجحة، فإن تحقيق نفس النتيجة من خلال الدبلوماسية سيكون أقل تكلفة من العمل العسكري. وقد تحمل الدبلوماسية أيضا مزايا أخرى لا تحملها الضربات العسكرية، مثل إنشاء نظام للتحقق والمراقبة متفق عليه بشكل متبادل وفرص أكبر للتعاون الدولي وتقاسم الأعباء.
مسار الدبلوماسية
إن حملة الضغط من شأنها أن تدعم الدبلوماسية الرامية إلى إجبار النظام الإيراني على إجراء تغييرات كبيرة على سياساته. وكان أحد أهم عيوب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 أنها تناولت فقط الأنشطة النووية الإيرانية، وتلك الأنشطة جزئية ومؤقتة. ولا بد أن ينهي أيّ تفاهم دبلوماسي جديد بشكل شامل سعي إيران للحصول على الأسلحة النووية مع معالجة الأنشطة الإقليمية الخبيثة للنظام، وإن لم يكن ذلك بالضرورة كجزء من نفس المبادرة أو الاتفاق.
وفي التفاوض على اتفاق نووي مع إيران، يتعين على إدارة ترامب أن تضع في اعتبارها العيوب الرئيسية في خطة العمل الشاملة المشتركة. ولكن من الواضح أن الاتفاق النووي لا يزال يشكل عقبة كبيرة أمام إيران.
ومن بين العيوب البارزة في خطة العمل الشاملة المشتركة أن إيران سُمح لها بالهروب من الاختيار الإستراتيجي بين الاحتفاظ بخيار الأسلحة النووية من ناحية والتمتع بتخفيف العقوبات وإعادة الارتباط بالغرب من ناحية أخرى. وبدلا من ذلك، سُمح لها بالخيارين، وإن كان ذلك مع فرض قيود. ويتعين على أيّ اتفاق نووي جديد أن يتطلب من إيران أن تواجه هذا الخيار في النهاية، وتفكيك بنيتها التحتية النووية وتصديرها إذا كانت ترغب في التمتع بفوائد الاتفاق.
حملة الضغط من شأنها أن تدعم الدبلوماسية الرامية إلى إجبار النظام الإيراني على إجراء تغييرات كبيرة على سياساته
وفضلا عن ذلك، كانت خطة العمل الشاملة المشتركة غير متكافئة في إطارها الزمني. وكانت الالتزامات المطلوبة من الولايات المتحدة دائمة، في حين كانت القيود المفروضة على إيران مؤقتة. وبهذا المعنى، لم يكن الاتفاق يهدف إلى إنهاء قدرة إيران على امتلاك الأسلحة النووية، بل كان يهدف إلى “إعادة تأهيل” إيران بموجب معاهدة منع الانتشار النووي حتى يتم التعامل معها في نهاية المطاف مثل أيّ دولة موقعة أخرى، وهو التحول في السرد الذي هندسه وزير الخارجية الإيراني آنذاك محمد جواد ظريف.
ولا بد أن يكون أي اتفاق جديد متوازنا، فلا تنتهي التزامات أحد الجانبين إلا عندما تنتهي التزامات الطرف الآخر، كما هي الحال في معاهدات منع الانتشار الأخرى.
وتتمثل العيوب الرئيسية للدبلوماسية في أنها قد تعمل، إذا أسيء التعامل معها، على تعزيز النظام الإيراني سياسيا واقتصاديا. ولكن هذه العيوب يمكن تخفيفها بالاتفاق نفسه، فلا بد أن يكون الاتفاق شاملا بما يكفي لتجنب نقل الانطباع بأن النظام انتزع النصر من بين فكي الهزيمة، ولضمان عدم قدرة إيران على توجيه العائدات المكتسبة من تخفيف العقوبات إلى برنامجها النووي أو وكلائها، لا ينبغي السماح لأيّ منهما بالوجود.