مزارعو غزة يقطفون "الذهب الأحمر"

موسم الفراولة يشغّل المئات من الأيدي العاملة في غزة لأن الدونم الواحد يحتاج إلى أربعة عاملين على الأقل.
السبت 2021/12/04
موسم الرزق

غزة (فلسطين) - بدأ المزارع أكرم أبوخوصة بقطف محصول الفراولة من أرضه، الواقعة في بلدة بيت لاهيا أقصى شمال قطاع غزة، منتصف نوفمبر الماضي.

يبدي أبوخوصة تفاؤله بهذا الموسم كون إسرائيل سمحت بتسويق المحصول منذ بداية الحصاد إلى أسواق الضفة الغربية، دون المعيقات التي اعتادوا على مواجهتها كل عام، على حد تعبيره.ولطالما كانت أسواق الضفة الغربية هدفا للفراولة الإسرائيلية، لعدم تمكن مزارعي غزة من تسويق كامل فائض محصولهم إلى أسواقها بسبب منع التصدير.

يقول أبوخوصة إن "موسم الفراولة يعتبر من أهم المحاصيل الزراعية في غزة، ويشغّل المئات من الأيدي العاملة، إذ إنّ الدونم الواحد يحتاج إلى أربعة عاملين على الأقل"، مؤكّدا أنّ ذلك يساهم في الحد من معدلات البطالة المرتفعة في القطاع، والتي وصلت بحسب آخر البيانات الصادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني إلى 53 في المئة، فيما بلغت في صفوف الشباب حوالي 67 في المئة.

وزرع أبوخوصة هذا العام نحو 8 دونمات بالفراولة الأرضية (الدونم يعادل 1000 متر مربع)، إضافة إلى دونم واحد بالنظام المعلق الحديث، الذي يزيد إنتاجه عن الأرضي بنحو 3 أضعاف، كما يقول.

ولفت إلى أنّ مزرعته كانت من بين المزارع الأولى التي انفردت باستخدام التقنيات الحديثة (الدفيئات المعلقة) في قطاع غزة.

الاهتمام الأوروبي بهذا المحصول الغزي ذي الجودة العالية أسهم في حصول عدد من المزارعين على شهادات خاصة تمكنهم من تصدير منتجاتهم إلى الأسواق الأوروبية

وتزرع الفراولة "المعلّقة" في أحواض مرتفعة، وليست على الأرض، كما يتم في الزراعة التقليدية.

ويضيف “الاتجاه للزراعة المعلّقة زاد من معدل الإنتاج، فالدونم الواحد المزروع بالطريقة الحديثة يعطي كمية تزيد عن ثلاثة أضعاف الزراعة التقليدية".

يتجول المزارع طوال اليوم في أرض الفراولة، ويتابع سير العمل بصورة لحظية، ويراقب نمو الثمر عن كثب ليحافظ على شكل الإنتاج الذي يحظى بسمعة طيبة بالداخل والخارج، على حد وصفه.

يحدد للعاملين بإشارة يدوية (معلومة بينهم) الحجم المناسب للثمرات التي يجب عليهم قطفها، ثمّ ينبّه عليهم ضرورة اليقظة الجيدة أثناء التنقل بين أشتال الفراولة كونها لا تزال في مرحلة نموها البادئة، وسريعا يمرّ الوقت المخصص للقطف لينتقل الجميع إلى مرحلة فرز الحبّات وتجهيزها للتسويق.

ويقول "تسمى الفراولة بالذهب الأحمر، لقيمتها العالية لدى أهالي القطاع ولجمال طعمها وشكلها، ولما توفره من مداخيل مالية كبيرة، وكونها تعد بمثابة سفيرة لغزة وللمزارعين بالخارج، حيث كانت الفراولة الغزية تصل إلى غالبية أسواق أوروبا في هذا الوقت من العام مع اقتراب أعياد رأس السنة".

وبسبب الاهتمام الأوروبي بهذا المحصول الغزي ذي الجودة العالية، حصل عدد من المزارعين على شهادات خاصة من الاتحاد الأوروبي تمكنهم من تصدير منتجاتهم إلى الأسواق الأوروبية.

زراعة ذكية

وقد عمل هؤلاء على تطوير عملية الزراعة لتصبح بالطريقة المعلقة داخل دفيئات زراعية، بدلا من الطريقة التقليدية القديمة، وهو ما جعل دونم الأرض الزراعية الواحد يوفر إنتاجا مضاعفا ثلاث مرات وأكثر عن الطريقة القديمة.

وتشتهر "بلدة بيت لاهيا بزراعة الفراولة لخصوبة تربتها الطينية وعذوبة مياهها، إضافة إلى دفء جوها نسبيا خلال فصل الشتاء".

وبحسب حديث أبوخوصة، فإن الدونم الواحد من الفراولة ينتج حوالي 3 أطنان في الوضع الطبيعي، إذا ما توفرت ظروف الإنبات السليمة.

ويلفت إلى أنّ المزارعين في بلدته هم الأقدر على إنتاج المحصول بمواصفات عالمية، لم يتمكن كثيرون من الوصول إليها في دول مختلفة، وذلك على الرغم من امتلاكهم إمكانات تقنية عالية تفوق تلك الموجودة في غزة.

ويرجع السبب في تلك الثقة التي تحدث بها أبوخوصة إلى "الخبرة الطويلة التي اكتسبها المزارع الفلسطيني على مدار السنوات".

الحصار الإسرائيلي المستمر يعيق إدخال معدات زراعية حديثة، ستساهم في حال توفرت في زيادة الإنتاج وتحسين وضع أراضيهم

وأشار أبوخوصة إلى أن "جائحة كورونا أثرت على عملهم في السنة الماضية وكبدتهم خسائر كبيرة، لاسيما مع زيادة الإغلاق وضعف التسويق".

وذكر أن محصول الفراولة “يحتاج إلى تكاليف كبيرة وأيد عاملة وعناية فائقة، لذلك فإن أي عامل خارجي مفاجئ من الممكن أن يشكل لهم خسارة كبيرة".

ويشير إلى أن “عددا من المؤسسات المحلية والدولية تدعم جهودهم في الحفاظ على ديمومة زراعة الفراولة، كونهم تكبدوا خسائر فادحة خلال السنوات الماضية، بسبب المعيقات الإسرائيلية والظروف الصعبة التي يعيشها سكان القطاع".

وأبرز المعيقات بحسب ما يقول، هو "التحكم في معابر قطاع غزة ومنع تسويق المحصول في الأسواق الخارجية، تبعا للحالة السياسية والظروف الميدانية".

ويضيف أن الحصار الإسرائيلي المستمر "يعيق إدخال معدات زراعية حديثة، ستساهم في حال توفرت في زيادة الإنتاج وتحسين وضع أراضيهم".

ويلفت المزارع إلى أن "صعوبة الأوضاع الاقتصادية للمواطنين في القطاع تعتبر معيقا أمامهم، وتحد من قدرتهم على تسويق المنتج داخليا بأسعار مناسبة، دون تكبد خسائر".

ويؤكد أن "استمرار توتر الأوضاع الأمنية بين فصائل المقاومة والاحتلال، يزيد من الخطر الذي يواجهه المحصول، كون معظم الأراضي الزراعية تقع في مناطق حدودية".

ودعا أبوخوصة وزارة الزراعة الفلسطينية إلى ضرورة العمل على “توفير أسواق إضافية لتصدير محصول الفراولة إليها، لتفادي أي كساد في الإنتاج أو خسائر قد يتعرض لها المزارعون”.

 وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالفراولة هذا العام قرابة الـ3000 دونم، مقابل 2500 زرعت الموسم الماضي، ويتوقع أن يزيد إنتاجها عن 9 آلاف طن.

متعة التعب والشقاء

 

18