مزارعو المغرب العربي يئنون تحت وطأة قسوة الجفاف

مواسم الجفاف في المغرب العربي التي طالت فتراتها كانت أشد وطأة على المزارعين وهو ما يهدّد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة.
الثلاثاء 2021/11/16
المياه اختفت ولم يعد أمامنا سوى الرحيل

ترخي موجة الجفاف التي تتعرض لها دول المغرب العربي منذ سنوات بثقلها على القطاع الزراعي الاستراتيجي الذي دخل في حالة طوارئ، وبددت كل فرص تعافيه السريع مع اتساع فجوة الفقر المائي وسط تصاعد استغاثات المزارعين الذين باتوا في حاجة ماسة إلى حزم إنقاذ قبل خسارة مورد رزقهم الوحيد.

تونس- تلتقي معاناة مزارعي المغرب العربي عند معضلة الجفاف التي باتت تنذر بتداعيات خطيرة بعد تزايد عدد السدود التي نضب منها الماء وجفّت أشجار الزيتون إلى درجة تهدد بحرمان المئات منهم من مصادر رزقهم.

ويصنف معهد الموارد العالمي كلا من المغرب وتونس وليبيا والجزائر من بين الدول الثلاثين الأكثر تعرضا لشح المياه على كوكب الأرض.

ويعتبر تراجع منسوب المياه في سد سيدي سالم في شمال غرب تونس، والذي يمد نحو 3 ملايين نسمة بالماء من أصل 12 مليونا هو العدد الإجمالي للسكان، بنحو 15 مترا عن أعلى مستوى تعبئة سُجل في خريف عام 2018 مثالا صادما على تلك الوضعية.

ويقول المهندس الشريف القاسمي لوكالة الصحافة الفرنسية إنه وبعد سنوات “من التغير المناخي الرهيب وصلنا إلى وضعية حرجة”. ويتابع “لم تكن هناك أمطار منذ عام 2018 وما زلنا نستعمل مياه السد” المخزنة منذ ذلك التاريخ.

وأشار إلى أنه في أغسطس الماضي وبينما شهدت البلاد موجة قيظ بلغت فيها الحرارة درجات قياسية وصلت إلى 48 درجة مئوية، خسر السد 200 ألف متر مكعب في اليوم بفعل عامل التبخر.

وتراجعت تعبئة السد الواقع في الشمال الغربي للبلاد إلى 17 في المئة من طاقته الإجمالية، وهو مستوى تاريخي، بينما بقيت السدود في كامل البلاد في مستوى 31 في المئة.

معهد الموارد العالمي: دول المنطقة من بين البلدان الثلاثين الأكثر تعرضا لشح المياه

فقد توترات في السنوات الأخيرة مواسم الجفاف وطالت فتراتها وكانت أشد وطأة على المزارعين على غرار علي الفيلالي الذي يستغل 22 هكتارا بالقرب من مدينة القيروان التي كان يسمح مناخها شبه الرطب بإنتاج أصناف من الخضروات والحبوب على مساحات شاسعة.

ويقول الفيلالي إنه “عندما بدأتُ الزراعة مع أبي كانت الأمطار تتهاطل كما كنا نحفر الآبار لنجد الماء”، ولكن ومنذ عشر سنوات “تنزل طبقة المياه الجوفية إلى 3 أو 4 أمتار إضافية كل سنة”. ويتحدث الفيلالي وهو يشير إلى أرضه الزراعية الممتدة والمغروسة بحوالي ألف شجرة زيتون ليؤكد أنه فقد نصفها خلال عقد من الزمن.

فمع اقتراب موسم الجني تطرح العديد من الأشجار ثمارًا ذابلة، وقد أخّر الجفاف عمليات زرع حبوب القمح في أرض الفيلالي. وتبعا لذلك فإن عمليات الجني المحدودة للثمار تعني مباشرة تحمل المزارعين مزيدًا من الديون وفرص عمل أقل للعمّال.

وارتفعت نسبة البطالة في تونس بسبب جائحة كورونا إلى 18 في المئة ما دفع الكثيرين إلى الهجرة بمن فيهم المزارعون ومربو المواشي في كل مناطق البلاد.

ويقول أستاذ الجغرافيا في المعهد الأميركي بأوريغون أيرون وولف “تجفّ المياه الجوفية في شمال أفريقيا بسبب نقص الأمطار والسحب المفرط” للماء. ويعرج وولف في حديثه على مثال النهر الصناعي في ليبيا الذي يستنزف المياه الجوفية في الصحراء لينقلها إلى المدن الساحلية.

أما في المغرب فقد جفّت مياه نهر ملوية أحد أكبر أنهار المغرب إلى حدّ بات عاجزا عن بلوغ مصبه في البحر المتوسط “لأول مرة في تاريخه”، وفق ما يقول الخبير البيئي محمد بنعطا، الأمر الذي يهدّد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة.

وتعود أسباب هذه “الظاهرة المأساوية إلى تراجع صبيب النهر بسبب الإفراط في استهلاك مياهه”، كما يوضح الخبير المتقاعد، بينما يلتقط صورا للمصب القريب من مدينة السعيدية السياحية في شمال شرق المملكة قرب الحدود مع الجزائر.

وقلبت قساوة الجفاف موازين الطبيعة في هذه المنطقة الزراعية حيث صارت مياه البحر المالحة تغزو مجرى النهر على طول 15 كيلومترا، ما دفع المزارعين على ضفتيه إلى التخلي عن زراعة أراضيهم بسبب ملوحة المياه وتأثيرها على التربة.

وفي إحدى تلك المزارع على الضفة اليسرى للنهر، تبدو ثمار البطيخ صفراء باهتة ومشوّهة الشكل بسيقان جافة “تعافها حتى الخنازير”، كما يقول صاحب مزرعة في المنطقة أحمد حديوي متحسرا.

وصرف حديوي نحو 33 ألف دولار هذا العام على زراعة حقوله وعلى مضختي مياه لري البطيخ “لكن كل شيء تبخر بسبب شحّ السماء وخصوصا ملوحة مياه النهر”، حسب قوله. وتصل الملوحة حتى سبعة غرامات للتر الواحد، بينما يفترض ألا تتعدى ملوحة المياه العذبة 0.5 غرام للتر الواحد.

ويعاني المغرب الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اقتصاده من توالي مواسم الجفاف، ويتوقع أن يستفحل الأمر بحلول 2050 بسبب تراجع كميات الأمطار بنحو 11 في المئة وارتفاع درجات الحرارة بواقع 1.3 درجة مئوية، وفق وزارة الزراعة.

وقال وزير الفلاحة المغربي محمد صديقي إن بلاده “سجلت انخفاضا بنسبة 84 في المئة في كميات الأمطار هذا العام بمقارنة سنوية”. وأشار إلى أن نسبة امتلاء السدود في البلاد بلغت نهاية الشهر الماضي مستوى 36 في المئة فقط.

وفي الجزائر مكنت الأمطار القوية الأخيرة من إعادة تعبئة السدود إلى مستوى 32.6 في المئة لكن المخزونات تبقى بالرغم من ذلك ضعيفة في منطقة الوسط بنحو 9 في المئة والغرب بنحو 18 في المئة.

كما كشفت حرائق أغسطس الماضي أيضا عن حقيقة الإجهاد المائي الذي يعاني منه البلد النفطي الذي بات مجبرا على استخدام مياه الشرب للري والصناعة بسبب ضعف إعادة المعالجة الكافية للمياه المستعملة.

تراجعت تعبئة السد الواقع في الشمال الغربي التونسي إلى 17 في المئة من طاقته الإجمالية، وهو مستوى تاريخي، بينما بقيت السدود في كامل البلاد في مستوى 31 في المئة

أما في موريتانيا فقد تزايد تذمر المزارعين حيث طالبوا الحكومة بالإسراع في إنقاذ أعمالهم قبل وقوعها في أزمة عميقة قد لا يمكنها النهوض منها سريعا مع ظهور مؤشرات خطيرة على دخولهم في دوامة الركود الإجباري.

وتشهد مناطق واسعة من موريتانيا نقصا غير مسبوق في الأمطار، ما ينذر بموجة جفاف هي الأقسى منذ قرابة خمسة عقود، والتي من المرجح أن تؤثر طويلا على العديد من المجالات المرتبطة بالمياه.

ويوميا يلتهم التصحر مزيدا من المساحات الخضراء بفعل الجفاف وقطع جائر لأشجار الغابات والحرائق، فيما تؤكد وزارة البيئة الموريتانية أن 84 في المئة من مساحة البلاد باتت تعاني من هذا الخطر البيئي. ولدى حكومات المغرب العربي قناعة بأنها ستنجح في عملية التأقلم مع هذه الظروف عبر اللجوء إلى أصناف جديدة من المحاصيل.

10