مزارعون لبنانيون يتساءلون عن نصيبهم من الحشيش المقنن

تقنين زراعة الحشيش لأغراض طبية تثير جدلا لدى المزارعين الذين يؤكدون أن صنع المخدرات يدر أرباحا أكثر من صنع الأدوية، متسائلين من الذي سيزرع ومن سيستفيد منه؟
الخميس 2018/08/02
إنتاج وفير يفوق حاجيات صناعة الأدوية

اليمونة (لبنان) – خلف حاجز للجيش في شرق لبنان، تُلوّن نباتات الحشيش حقلا شاسعا، وتلوح عن بعد بارتفاع يتخطى المتر… وقد بات اليوم بإمكان مزارعي هذه النبتة المحظورة الحديث عنها علنا بعدما بدأت السلطات تعدّ لها قوانين تشريعية للاستخدام الطبي حصرا.

يتباهى أصحاب أراضي بلدة اليمونة بمداخيل يحققونها من هذه الزراعة المنتشرة لديهم والتي فشلت كل محاولات الحكومة على مدى سنوات في وضع حدّ لها، وخشيتهم الأكبر أن تتسبب قوانين جديدة في خسارة تلك الأرباح.

ولا يزال عدد من المزارعين يخشى المجاهرة باسمه لدى الحديث عن الموضوع، لكن محاذير كثيرة سقطت مع إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن أن البرلمان بـ”صدد التحضير لإقرار التشريعات اللازمة لزراعة الحشيش وتصنيعه للاستعمالات الطبية”. وبين هذه المحاذير، التباهي بسهولة زراعة هذه النبتة وتدني كلفتها.

يقول أحد المزارعين، مشيرا إلى المنازل المطلة على سهول الحشيش في اليمونة، “كل هذه البيوت وقرميدها من حولنا بنيت بأموال زراعة الحشيش”، مضيفا “إذا رميت نبتة الحشيش على الحصى تنبُت، وتراها على جوانب الطرقات وحتى فوق النفايات”.

ويجد زائر بلدة اليمونة نفسه أينما توجه محاطا بحقول خضراء شاسعة من الحشيش، تزينها أقراص عبّاد الشمس الصفراء اللون التي تعرف بطول شتلتها وغالبا ما كانت تزرع لتحجب رؤية نباتات الحشيش.

400 دولار سعر كيلو الحشيش، ويرتفع بحسب النوعية في صناعة المخدرات

وتتم زراعة الحشيش مطلع الربيع وحصادها يكون في سبتمبر مثل القمح بواسطة منجل. وبعدها تجفف تحت أشعة الشمس قبل أن يتم تبريدها، ثم “دقها” أو طحنها في معامل صغيرة في البقاع.

وعملت القوى الأمنية على مدى سنوات على إتلاف المحاصيل ومصادرة البضائع المهربة. ووقعت مواجهات دامية أحيانا بينها وبين العائلات التي تعمل في هذا الحقل، كما حصلت تدخلات سياسية لوقف الحملات والملاحقات.

في 23 يوليو، قتل ثمانية أشخاص بينهم علي زيد إسماعيل، تاجر مخدرات مطلوب بمذكرات توقيف عديدة، خلال مداهمة للجيش اللبناني تخللتها مواجهة مسلحة.

وفي يونيو، صادرت القوى الأمنية في إحدى ضواحي بيروت 15 طنا من الحشيش المعدّ للتصدير إلى الخارج، ذكرت تقارير أن قيمتها تصل إلى 75 مليون دولار.

ويتخطى سعر كيلو الحشيش 400 دولار، بحسب مزارع آخر رفض الكشف عن اسمه، ويرتفع السعر بحسب النوعية، ويباع على الأرجح بأضعاف ذلك في ما بعد.

عائدات المخدرات قادرة على إلغاء ديون لبنان
عائدات المخدرات قادرة على إلغاء ديون لبنان

ولا تزال الطريق طويلة أمام التشريع، وإن كان سكان اليمونة يخشون آلية التنفيذ، فالبيع إلى التجار بهدف صنع المخدرات شيء والبيع وفق قواعد محددة وفي مساحات محددة لاستخدام النبتة في صناعة الأدوية شيء آخر.

ويقول نائب رئيس بلدية اليمونة حسين شريف، “كلنا تحت القانون ونريده، نحن أساسا ضد زراعة المخدرات، لكن لم تنجح زراعة أخرى لدينا”، مضيفا “لا مشكلة في التشريع، لكن المستفيد الأول يجب أن يكون المزارع”.

ويرى أن على المزارع أن يربح من التشريع بقدر ما كان يربح من التهريب. ويوضح أن المزارع في اليمونة كان يعمل في “التجارة الحرة، يبيع الإنتاج لتاجر كبير ويربح عشرات أضعاف الكلفة، أما إذا حصل الأمر عبر الدولة، فالأرباح لن تكون ذاتها”، خصوصا إذا حددت السلطات الأراضي المسموح فيها بالزراعة أو الجهات التي ستشتري الإنتاج.

ويقول مختار اليمونة جمال شريف إنه مع التشريع، “يجب حصر الزراعة في المناطق التي تزرع فيها حاليا”، موضحا، “إذا بات الشخص الذي كان يأتي إلينا لشرائها قادرا على زراعتها، سيتوقف عن المجيء إلينا”.

ويجد المنتج اللبناني بشكل أساسي أسواقا له في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا والأردن ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا.

ودخلت زراعة الحشيش إلى لبنان في أربعينات القرن الماضي، ثم ساعدت على ازدهارها الحرب الأهلية (1975– 1991)، وطبيعة الأرض البقاعية الخصبة ووفرة المياه.

واستمرت زراعة الحشيش بشكل بدائي حتى بدأت الحرب الأهلية، حيث شجعت زراعتها، وحوّلتها إلى صناعة زراعية، وكانت تدر الملايين من الدولارات، قبل أن تقوم الدولة بحملات للقضاء عليها واعدة بزراعات بديلة، الأمر الذي لم يتحقق.

ولعل أكثر ما يحلم به سكان المنطقة هو أن يتيح تشريع الحشيش إسقاط الدعاوى ومذكرات التحقيق في حق الآلاف من المطلوبين في قضايا تتعلق بإنتاج وتهريب وتجارة المخدرات.

ويقول نائب رئيس البلدية “يطمعون هنا بمجرد تشريع الحشيش أن يصدر عفو عن أكثر من 30 ألف مطلوب ممن لديهم قضايا متعلقة بالحشيش وتجارته”.

زيت القنب زيت غالي الثمن
زيت القنب زيت غالي الثمن

وتسمح دول عدة في العالم باستيراد وتصدير الحشيش للاستخدام الطبي بينها الأرجنتين وولايات أميركية عديدة. أما كندا والأوروغواي فتسمحان بزراعتها واستهلاكها أيضا للترفيه.

 وتستخدم الأدوية التي تستخرج من القنب للتخفيف من عوارض الصرع أو الآلام المزمنة أو الغثيان لدى مرضى السرطان وغيره.

 ويقول وزير الاقتصاد اللبناني، رائد خوري، “أرض لبنان تنتج نوعية جيدة جدا من الحشيش الذي يُمكن استخدامه في تصنيع زيت القنب وهو زيت طبي، مطلوب وغالي الثمن. وبالتالي يمكن أن يدر ذلك مئات الملايين من الدولارات على الدولة”.

وفي هذا الإطار أُنشأ أول مختبر جامعي لدراسة المنافع الطبية للحشيش في الجامعة اللبنانية الأميركية، وهو متخصص في دراسة نبتة الحشيش اللبناني بكل خصائصها وبتركيبتها الكيميائية الفريدة.

 ويعبر مختار بلدة اليمونة عن تشاؤمه من مشروع تشريع زراعة الحشيش في ظل الفساد المستشري في مؤسسات لبنان الذي يحتل المرتبة 143 بين 180 دولة الأكثر فسادا، بحسب الترتيب الأخير لمنظمة الشفافية الدولية. ويقول “سرقوا كل ما في لبنان، لم يبق سوى الحشيش يريدون سرقته”، مشيرا إلى أن فوائد زراعة الحشيش على الاقتصاد مرتبطة بمنح حرية أكثر للتجار.

في المقابل يعتبر مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي أن مساعي تحضير قوانين لتشريع الحشيش سيساهم في المزيد من الفوضى في لبنان.

ويحتل لبنان المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم. وقد شهد اقتصاده منذ2011 تدهورا تدريجيا بفعل الجمود السياسي والانقسام حول ملفات داخلية عدة.

ويقول جمال شريف “تريدون تشريعها قولا وفعلا، اتركوني أزرعها، واتركوني أصدرّها (…). تجار المخدرات سيكونون قادرين في سنة واحدة على سداد دين الدولة”.

20